|
المدرسة آخر مكان يتعلم فيه الانسان: برنادشو
حميد الشاكر هذا رأي قرأته في احد الصحف العربية لبرنادشو وهي تتحدث عن عباقرة ولدو ونشأوا بعيدا عن نظام المدرسة، او في احيان كثيرة فشلوا فيها، من امثالي !. والحقيقة ان مالامس وجداني في هذه الكلمة لعبقري المسرح الساخر برنادشو هو ان امثال هذا الرجل المنفتح وغيره الكثير من عباقرة (الفكرة والكلمة) كانوا بالفعل اشبه بطائر تسمع له اعذب الالحاب واصفى النغمات، وترى له اروع الحركات وهو خارج الاقفاص وفي الهواء الطلق، وتراه وهو منكمشا بائسا مضطربا كئيبا وهو داخل اقفاص وسجون المدارس وتحت عصي ومساطر المعلمين والاساتذة، وربما هذا لالشيئ كثير التعقيد الا لأن بعض الناس وخاصة من اصحاب الاحاسيس العالية، والمواهب المتعسرّة الولادة، لاتتوائم طاقاتهم الذهنية والعقلية والروحية مع نظام المدارس الحكومية الحديثة والقديمة، ولهذا وجدنا الكثير من المبدعين ميتي الحركة تماما داخل المدرسة النظامية، ولكنهم في الخارج يشاركون بسباق خيل جامحة في الادب والعلم والفن والموسيقى والرواية والشعر والفلسفة والدين !. نعم صحيح هذا لايعني صحة رأي برنادشو الى مالانهاية في المدارس النظامية، وانها تصلح ان تكون سجون لتأهيل وترويض الحيوانية الانسانية قبل مرحلة البلوغ والنضج العقلي لاغير، ولكن يبدو ان هناك أشكالية في نظام التعليم الرسمي في القديم والحديث، وإن هناك معادلة معقدة لنُظم المدارس الحكومية او التي تشرف عليها الدولة في احيان كثيرة تستعدي القول: ان المدارس رُكبت وبُنيت وأُريد من خلال تأسيسها تعليم أشياء معينة ترتبط بخدمات ما او على شاكلة ما تصبّ أخيرا في خدمة الدولة والمجتمع لاغير، وعلى هذا وجدنا ان اصحاب المدارس والذي لديهم مؤهلات النجاح والتفوّق فيها لايمكن لهم تقديم اكثر من الخدمة الحكومية او الاجتماعية الالية وليس الفكرية او الشعرية او الاجتهادية .... وهكذا، فتخرّج لنا من المدارس النظامية عباقرة في الطب وفي الرياضيات، والهندسة ...... وباقي الحقول العلمية التي هي تجريبية اكثر منها فنية او فكرية او دينية او اخلاقية .... وهكذا !. ولعلّ هذه النقطة هي ما لم يلتفت اليها صديقنا برنادشو في نقده للنظام المدرسي التعليمي العام، او لعلّ برنادشوا نفسه حسب مانراه له شخصيا، انه وبأعتبار انه مبدع وفنان في الدرجة الاولى وصاحب كلمة وليس صاحب خطوط وارقام، رأى في التعليم انه المكان الوحيد الذي لايتعلم فيه المرء اي شيئ على الحقيقة، وانه المكان القريب الشبه من سجن الاحداث، والذي خرّج الكثيرين الذين يحملون شهادات عليّا ولكنهم لايعرفون شيئ على الحقيقة !. تمام : لابد ان نقرّ مع برناد ان هناك ظاهرة تكاد تكون عامة كقاعدة ولكنها ليست مضطردة دوما، ان من تُنشأهم المدارس النظامية وخاصة منها الحكومية يتمتعون بنسبة عالية من الغباءالفكري المزمن، وكذا الجفاف في المشاعر الانسانية الخلاّقة والمبدعة، ولكنّ يبدو ان هذه الظاهرة مردها الى التربية الالية التي تزرعها ايضا مدارس التعليم النظامية، او التي تتسرب مع التعليم لشخصية الانسان الذاتية، لتحوّل شخصية المتعلم شيئا فشيئا، ومع طول مدّة الممارسة الدراسية الى حاسب آلي او تربة جافة، او معادلة رياضية معقدة من الخطوط والارقام الصلبة،وتبتعد تلقائيا عن المرونة والانفتاح والثقافة والتعليم كما يريدها ويراها برنادشو وغيره من اصحاب الكلمة الفكرية التي تخاطب جزء من الانسان لايمكن لجميع مدارس البشرية ان تضع له مناهج للدراسة !. أن نقطة ارتباط المدرسة بالنظام والدولة هي في الواقع من اهم النقاط التي يجب ان تُعتبر على اساس انها مفتاح اللغز الذي طرحه برنادشو في قضية التعليم المدرسي وكيفية عدم صلاحه للتعليم، ولابأس ان قيل ان هناك مناهج تدريسية تقليدية وقديمة كانت بالفعل فاشلة على كل الصُعد التعليمية، ولاتخرّج للواقع الانساني الا ديكورات متممة لصناعة الحياة لاغير، وفي حالة مدارس لاتتمكن من اعطاء تعليم خلاّق، او انها صالحة فقط لصناعة كتلة وضعها الطبيعي الحاجة الرسمية للدولة او الحاجة الطبيعية للمجتمع، فأن مثل هذه المناهج والنظم التعليمية ستكون عرضة للنقد المتكرر من اصحاب العقول المنفتحة التي ترى في التعليم والثقافة والكلمة .... وباقي ادوات الكاتب والمفكر والمثقف والعالم والمجتهد، بسبب انها مناهج ونظم دراسية تتمكن من خلق دكتور لمعالجة اعضاء الانسان الفسلجية، وكذا رياضي يخترع مواد متفجرّة نووية حربية لتقوية عسكرة الدولة وهيمنتها السياسية، لكنها لاتتمكن مطلقا من صناعة كاتب او مفكر يغرد خارج اطار الخدمة الالية للمجتمع او للدولة، وعلى هذا الاساس قلنا، ونعيد القول اليوم : انه لاتوجد مدرسة نظامية لافي الماضي ولافي الحاضر بأمكانها ان تصنع فنانا متألقا او كاتبا مطالبا باصلاح الواقع الاجتماعي او مفكرا في الفلسفة او اللاهوت،او مجتهدا في الدين بامكانه التجديد وقيادة الاصلاح الاجتماعي والثورة عليه، ...... من منطلق ان كلّ هذه الادوات الفكرية والثقافية والتعليمية هي ليست من جنس الاليات الميكانيكية التي رُكبت مدارس النظم الاجتماعية على اساسها اولا، ولأن بعض العلوم والثقافات والافكار والفلسفات تعتمد بشكل مطلق ومباشر على امكانيات الانسان نفسه وليس على كيفية والية وصور ونظم مناهج التعليم الدراسية في المدارس الرسمية وغير الرسمية !. اي : ان ما اعتقده برنادشو من انه تناقض في معادلة مدارس لايمكنها تقديم التعليم، هي في الحقيقة معادلة طبيعية لابداع لايمكن تدريسه في المدارس الرسمية، ولهذا يمكن لنا تصوّر مجتهدا دينيا بلا مدرسة تعلّمه، وربما لو كان متعلمّا في مدرسة لما امكنه ان يصبح مجتهدا !. وكذا فيلسوفا او كاتبا او مفكرا او شاعرا او اديبا او فنانا .... او حتى نبيا، لو كان متعلمّا بمدارس نظامية حكومية لأفسدت المدرسة حاسته الابداعية المتألقة، او لقتلت مناهج التدريس كل طاقاته الروحية والفكرية الخلاقة، ولتنقله من مشروع فيلسوف مفكر الى مشروع طبيب باطنية يعالج المصارين والعسرة في الهضم !. اعني : ان هناك من يعتقد كبرنادشو انه يمكن اصلاح النظم التعليمية المدرسية لتخرّج علماء بعلم وثقافة معا، وبدلا من تخريج مهندس عبقري لكنه يفهم فقط بالخطوط وكيفية ترتيب الحجارة، يمكننا بلمسة من هنا او هناك ان ندخل مناهج لعمليات التفكير وتذوّق الفن وابداع الاجتهاد وغير ذالك !. لكنّ المأساة الحقيقية هي عندما نكتشف ان مناهج التدريس النظامية والمدارس الحكومية وصلت الى مرحلة من البلوغ والوجود بحيث انها لايمكن ان تقدم للفكر وللروح وللجمال وللفن وللدين اي شيئ نافع، بل ربما انها ان دخلت على خط الحرية الفكرية لافسدت كل شيئ بدلا من اصلاحه فضلا عن تطويره !. نعم المدرسة هيكل رسمي اليوم من ضمن اذرعة ومكياج اي دولة ونظام سياسي قائم، بل ان نظام التعليم البشري لم يخلق في الانسانية الا ليكون اداة لجهاز الدولة ونظامها القائم، وفي خدمتها لتقديم الخدمات اللازمة، وعلى هذا نقول : ان امكانية دمج المدني الاجتماعي الفكري الفني الديني، مع السياسي الرسمي الاداري الالي شيئ من الصعب تحقيقه على المدى المنظور في هذه الانسانية التي نعيش فيها، بل ونقول : ومنذ متى كان هناك وفاق بين الفكري الفلسفي الثوري الديني الفني الثوري في المجتمع، وبين الرسمي النظامي الاداري الدولي الحاكم والمتسلط على هذا الاجتماع !. صديقنا برنادشو عندما قدمت له جائزة نوبل كأحترام وتقدير لابداعه الفكري، رفض برناد قبول هذه الجائزة السخية من نوبل ليقول مقولته التي بحاجة الى تأليف كتاب حولها وهي : انا اغفر لنوبل اختراعه الديناميت ولكنني لااغفر له جائزة نوبل !. فياترى هل حقا كان مخترع الديناميت ودارسها في المدارس النظامية بمعادلات رياضية معقدة لتدمير البشرية وخدمة للدولة والنظام السياسي، هو من يستحق ليقدم جوائز وتقديرات لصاحب الفن والشعر والمسرح والفكر برنادشو ؟. أم انه ينبغي لصاحب الفكر والنبوة الامي ان يقيّم صاحب المدارس والنظم التعليمية على الحقيقة !. يبدو في عالم المدارس والدولة لاينال الجوائز العالمية الا من ترضى عنه السياسة والدولة ونوبل، بينما اصحاب الكلمة والموقف والابداع والحق والاخلاق والروح والمشاعر والاحاسيس فهم آخر من يفكر العالم بتكريم عقولهم الخلاّقة والمبدعة والثورية على الحقيقة !؟.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |