طارق الهاشمي .. مواقف واضحة في قضايا عراقية مُلحّة

 

د. غيث عصام

grmedia6@googlemail.com

كتب محمد طالب الأديب في (صوت العراق) بتاريخ 20/1/2009 م مقالاً تحت عنوان (طارق الهاشمي وآخرون مواقف مترددة) جافى فيه الموضوعية والإنصاف والدقة، وكال فيه التهم جزافاً، وشط عن المهنية، مما كشف عن عمق الأزمة التي تعيشها النخب العراقية كجزء من الحالة المجتمعية العامة التي ترزح تحت أطنان من الأزمات المستفحلة التي تتمدد جذورها إلى تراكمات ثقافية واجتماعية لن تحل الا إذا أسهم أهل الثقافة والفكر بتقديم الحلول والمعالجات وطرحوا البدائل المناسبة، وأصبحوا جزءً من الحل بعد أن ظلوا سنيناً كجزء من المشكلة، وأسرى في متاهة تبادل التهم والتراشق الثأري استمراراً لما شخصه أحد أعلام الثقافة في العراق العزيز الشاعر علي الشرقي (رحمه الله) حين أدرك مبكراً أحد أعقد أمراضنا المزمنة حين قال:

بلدي رؤوسٌ كلهم    أرأيتَ مزرعة البصلْ

للسعِ نعملُ كلّنا      والنحلُ يعملُ للعسلْ

أما آن أن تتكامل النخب الثقافية والفكرية مع القادة السياسيين ترشيداً للجهود وتوظيفاً للطاقات خدمة للمصلحة العامة، طالما أن السب والشتم وإبراز العيوب وتتبعها لا يحتاج إلى عقلية فذّة، ولا سيما بعد أن آمن العراقيون البسطاء النبلاء فضلاً عن أهل الثقافة والفكر أن ليس بالسب والشتم وحده تبنى الأوطان، فهلموا إلى التكامل.

سأحاول أن أرد على الشبهات التي تناثرت في المقال السابق مستصحباً هذه الرؤية لدور الثقافة والفكر في إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة التي لن ترى النور إذا بقينا ندور في رحى "الاتجاهات المتعاكسة والمتشاكسة وغيرها".

ابتدء الكتاب مقاله معاتباً الهاشمي وأنه لم يذكر في كلمته التي ألقاها في مؤتمر الدوحة، ما صنعه الإرهاب في العراق ولم يرد (ولو معاتباً) على السيد مشعل حين مجّد المقاومة العراقية في آخر كلمته. هو عتب متكلف لا يلبث أن يزول وإن علمنا أن مؤتمر الدوحة عُقد للتباحث بين القادة العرب استجابة لدعوة أمير قطر، حول أحداث غزة الأخيرة.فكانت الأحداث الدامية التي ألقت بظلالها على المجتمعين وألهبت الشارع العربي كان لها الصدارة في معظم خطابات القادة إن لم نقل جميعهم. ومنهم الهاشمي الذي اكتوى بنار الإرهاب ووصل أذاه إلى أهل بيته (أخته وأخويه) رحمهم الله. ولطالما صرح وأكد في لقاءات سابقة وأحاديث عامة وخاصة إن الإرهاب طاعون العصر الذي يجب أن نتصدى له جميعاً، ولا سيما أهل الثقافة والفكر الذين يمتلكون وسائل محاصرته والقضاء على بذوره ( الفكرية وتنقية حاضنته الاجتماعية) ورفدها بوسائل المناعة الثقافية والاجتماعية، قماذا فعلوا حتى الآن؟ وكان المشهد العربي حين انعقاد مؤتمر الدوحة على وشك افراط عقده، وهذا ما دعا الهاشمي للتغاضي عن التعليق على رأي السيد مشعل، في هذه المسألة تحديداً مراعاة لمصلحة أعمق وهي الحفاظ على ما تبقى من خيوط الوحدة التي بدت آنذاك في أضعف حالاتها، والهاشمي الأديب يربأ بنفسه ولمكانة العراق الكبيرة أن يدخل في مهاترات وردود لا تعدوا أن تكون صيداً ثميناً للفضائيات. ولكي تكتمل الصورة أقول إن الهاشمي أيقن ومنذ البداية أن الانخراط في العمل السياسي هو السبيل الوحيد لبناء العراق الجديد، مع إعلانه الواضح ورفضه القاطع لأي سلاح يكون بغير يد الدولة، وغن اختلفت مسمياته وعناوينه إيماناً منه بالتداول السلمي للسلطة وفق آليات الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع كما عبر بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات. والمشهد الأخير للصورة الكاملة تزامن ظهوره مع حالة الابتعاث الاجتماعي التي حدثت بعد تكامل ثالوث الخراب الذي ابتديء بالاستبداد منذ عقود فأفرخ فساداً أنتج الخراب العام الذي اكتوى جميع العراقيين بناره مما حدا بالعراقيين النجباء أن ينتفضوا على فوضى الدم العراقي المسفوح في كل مكان، فقاموا وبكل شجاعة بتطهير مناطقهم من الأراذل والأوباش والعصايات والمجرمين والقتلة فتنفس الناس بعد معاناة طويلة نسيم الأمن المفقود. ولكن ألم يكن هذا تحت رعاية وتشجيع من الهاشمي الذي حذر كثيراً ومنذ البداية من سموم التطرف الأعمى، لأنه كان يدرك ببصيرة الخبير عمق الهاوية التي ننزلق إليها والحصاد المر الذي سنتجرعه جميعاً إذا ما سكتنا عن تنامي بذور التطرف والإرهاب الذي وجد ببيئة اجتماعية وانغلاقاً ثقافياً ساعد في انتشاره كالفطر بعد المطر، ولكن:

ولو أن ناراً نفخت بها أضاءت

                           ولكن أنت تنفخُ في رمادِ

أما ما ذكره الكاتب حول كلمة الهاشمي في هامش لقائه مع جموع عشائر ديالى بعد عودته من الدوحة (لو كان العراق غير العراق لكان موقفاً مع غزة غير هذا الموقف).

أقول أن هذا القول قد حمل فوق ما يحتمل وكثرت حوله التأويلات بل وبعدت في التأويل، إّ أن الهاشمي قصد أن العراق الذي عرف على مدار التأريخ بنصرة القضايا العربية ولا سيما فلسطين، فلولا ظرف العراق العصيب والدقيق الذي يمر به لكان له دور أكبر وأبين وأوضح، وأنه بهذا القول لم يكن أبداً يقصد تنزيه نفسه أو تخوين الآخرين كما ظن الكاتب وأغرب في فهم هذه الكلمة التي ما انطلقت الا لعظم المسؤولية التي يستشعرها الهاشمي.

ويستنكر الكاتب الدعوات الكثيرة والمتتالية التي أطلقها الهاشمي لإطلاق سراح العراقيين الأبرياء من السجون ممن لم تثبت عليهم التهم ولم يدينهم القضاء، ولو أنصف الكاتب لعدها منقبة للهاشمي تؤكد حرصه الكبير على أن لا تنتهك حقوق العراقيين، وتساءل الكاتب بعد هذا لمَ لم يطالب الهاشمي بإطلاق وإحسان معاملة الـ (600) العراقيين في سجون السعودية.

وكهذه المسألة إن صح وقوع حوادثها، حريا أن تعرف ملابساتها من الأطراف المسؤولة مباشرة عنها كالخارجية والقادة الأمنيين في البلدين، الذين كثرت بينهم اللقاءات للتباحث حول درء خطر الإرهاب وتحجيم تحركاته. أنا لا أتوقع أن الموضوع غاب عن أنظار الهاشمي، وما كل ما يعرف يقال وينشر، لماذا لم تشر إلى العراقيين القابعين في السجون الكويتية؟ وهؤلاء حسب علمنا كتب الهاشمي عنهم ودافع كما دافع عن غيرهم.

هو البحر من أي النواحي أتيته

                         فلُجّته المعروف والجود حاصله

ولو لم يكن في كفّه الا روحه

                        لجاد بها فليبتغي الله سائله

أما مسألة (كرسي مجلس النواب) ولا سيما بعد أن صرح الهاشمي قبل مدة "إن المحاصصة الطائفية فشلت وأنه آن الأوان لاستبداله بمعيار الكفاءة والنزاهة". فتساءل الكاتب ما دام الهاشمي دعا لهذا وعززه بقوله " أستقيل أنا وزملائي" كبداية لمشروع التصحيح، فلماذا إذن الإصرار على كرسي مجلس النواب.

نعم الهاشمي دعا لهذا، ولكن لم يستجب أحد، وضاعت فرصة أخرى من فرص الإصلاح، كان من الممكن أن تعدل المسار. وبالمناسبة إن منصب رئيس مجلس النواب من حصة جبهة التوافق كأكبر المكونات الفائزة بالانتخابات البرلمانية السابقة.

الهاشمي أبرأ الذمة، ودعا إلى التصحيح، وحين يصل الآخرون إلى القناعة التي وصلها، نكون حينها في أول الطريق إلى دولة المواطنة، ونرجو أن لا يطول الانتظار.

وأخيراً يختم الكاتب مقاله بـ (لماذا الخوف ..ولماذا الخنوع ..ولماذا التردد) أقول إن العراقيين يعلمون جيداً والمنصفون منهم خاصة، أن الهاشميمن أشجع قادة العراق الجديد عزيمة وصبراً ووفاء وسرعة في اتخاذ القرارات الحاسمة، متدرعاً بمهارات القيادية الإدارية الناجحة، وظهرت شجاعته وبسالته أوضح ما تكون في رفض وإدانة جرائم القتل والتهجير وأنه وحزبه وأنصاره ومؤيدوه وطنيون براء من الطائفية وشرورها.

لك الله يا هاشمي، وحب العراقيين الذين يميزون بحسهم الوطني الأصيل من هم القادة الحقيقيون الذين وضعوا هذا الوطن الكبير والشعب النبيل في حدقات عيونهم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com