فلترة الثقافة والمثقف الأردني

 

جهاد علاونه

jehad_alawneh@yahoo.com

أذكر مرة أنني قرأت قصة عن أحد الخلفاء المسلمين العرب الذين كانوا يحاسبون المثقفين على الإلحاد وإدعاآت النبوة، وقد جيء لأحدهم يوماً برجل إدعى النبوة، فلما مًثُلَ بين يدي السلطان قال له السلطان .

- لمن بعثت ؟

-لم أقرر أن أبعث لأحد لأن رجالك قبضوا عليَ قبل أن أبعث لأحد .

إنها عملية (الفلترة الثقافية الأردنية) فالمثقفون مفلترون فلترة واضحة فهم يختفون بعد أول سنة تخرج، ومنهم من يسافر للخارج ولا يستطيع التفرغ للعمل الثقافي إلا بعد 30 عاماً .

إن هنالك عملية فلترة وتفكيك للمثقف الأردني، بحيث يصبح الشارع في كل عام خالياً من الثقافة والمثقفين، ومن السياسة ومن السياسيين.

إنها من قبل دائرة تنظيف الشوارع، فالشوارع نظيفة من أثر الثقافة حتى أنك من الصعب أن تجد ورقة أو كتاباً أو جريدة يومية بمتناول الناس .

إنهم يقلترون الثقافة والمثقفين بحيث تخرج لهم في النهاية وجبة دسمة كما يشتهونها هي : بلا لون أو رائحة أو نكهة .

وهذا جواب كافي وشافي، فالمثقفون في الدول العربية يقبض عليهم قبل أن يصلوا دعواتهم السياسية والثقافية ببعضها البعض، فالشيوعي في الأردن يقبض عليه ويسجن قبل أن يصل الحزب، واليساري الإجتماعي يقبض عليه قبل أن يصبح يسارياً، والرسول يقبض عليه وتصادر رسائله قبل أن تصل إلى ساعي البريد .

لقد قبض على صاحبنا قبل أن يتنبأ لأحد،وكذلك الحراك السياسي مصاب بشلل لأن المثقف يطارد أو يبعثونه للعمل في الخارج قبل أن يقوم بتأليف أول كتاب ٍ له .

ومنذُ زمنٍ وأنا أسألُ نفسي نفس السوآل: لماذا لاتوجد في الأردن أهرامات فكرية، موسيقية، غنائية، أدبية، سياسية، مسرحية، صحفية، لماذا الأهرامات فقط في مصر، سوريا, بغداد...إلخ .

وتدخل القاهرة لترى الأهرامات الغنائية، أم كلثوم، عبد الحليم، فريد الأطرش، محرم فوآد, محمد فوزي، وأهرامات كتاب ومفكرين، سلامة موسى، دُريني خشبه, شبلي شميل، طه حسين ...إإسماعيل مظهر، العقاد،إلخ.لماذا لا توجد في الأردن مثل تلك الأهرامات العالية، حتى ولا أهرامات صغيرة، هل العقلية الأردنية وطبيعة التضاريس لا تؤدي إلى ولادة فنانين مثل السوريين والمصريين ؟

يبدوا أن الموضوع أصلاً متعلق بالحراك السياسي والثقافي وهذا ما دفعني لكتابة مقالً من هذا النوع، فمنذ إسبوعٍ إتصل بي سياسي أردني بارز ومثقف يساري لا يشق له غبار وطلب مني الكتابة عن الحراك السياسي والثقافي في الأردن أو على الأقل في المنطقة التي أسكن بها أنا وهي محافظة (إربد) وصفنتُ!!..بيني وبين نفسي برهة وتذكرتُ قبل عشرة سنوات أو 11إحدى عشرسنة ِ كيف كان لي مجموعة من المثقفين في الجامعة جامعة اليرموك وكيف كنا نتحادثُ بالسياسة والثقافة، وكانت تلك مجموعة قوية جداً ولكن بعد فصلي أنا وبعد تخرجها هي إتجه كل واحد إلى عمله بعيداً عن الآخر حتى أن القضاءُ والقدر منعنا أن نلتقي ولو بالصدفة .

ولكن العلمانييون منهم ذهبوا إلى السعودية للعمل هنالك، وكان هذا صدفة من دون تخطيط مسبق، وكذلك الماركسي ذهب ليعمل بالسعودية وبالذات في مكة، والإسلامي السلفي الأصولي ذهب صدفة للعمل في البحرين الذي يواجه خطر المد الشيعي ..إلخ .

ولكن صدفة لم يلتق أحد بأحد، ولم يأذن القضاء والقدر لتنمية المواهب، حتى أن الموسيقي أصبح يعمل إمام مسجد وترك الموسيقا صدفة لأنها حرام .

المثقفون الأردنييون يموتون قبل أن يأذن الله لهم بالموت أو قبل أن يأتيهم عزرائيل، فمن المعروف علمياً أن المثقفين الأردنيين لا يعيشون طويلاً .

الحزبي في الوطن العربي وفي الأردن يصل إليه شيوخ الدعوة إلى منزله ويسحبونه إلى المسجد حياءاً منه ومن ثم يلتفون عليه بالمصالح المالية فإن إستجاب كان ذلك رزقاً ساقه الله إليه وإن لم يستجب كان قضاءاً وقدراً أن يعيش مهموماً ومديوناً .

إن الحراك السياسي والثقافي معدوم في الأردن لأن هنالك آلة إسمها (الفلتر) في الأردن تفلتر جميع المثقفين فلترة هوائية ومائية بحيث يصبح البلد في النهاية خالياً من الخريجين الجامعيين المثقفين.

إذن لو لم تكن هنالك آلة تفلتر الثقافة والمثقف في الأردن؟ فما تفسيركم لخلو الشارع السياسي والثقافي من المبدعين؟

إنها عملية فلترة أكثر تواضعاً من القرصنة .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com