رأي في اجتثاث البعث والمصالحة

 

جاسم الحلفي

ali_icp@yahoo.com

لم يكن الحزب الشيوعي العراقي مع فكرة اجتثاث البعث أصلا، ليس لأنه لا يملك رؤيا عما فعله النظام البائد من خلال سياسة تبعيث المجتمع وتشويهه بل ان الامر عكس ذلك تماما. فالحزب الشيوعي عانى الكثير من سياسية البعث وبطش أجهزته القمعية، منذ انقلاب  شباط 1963 الأسود، وفقد جراء تلك الممارسات البشعة، خيرة قادته ومناضليه وأصدقائه، هذا غير الملاحقات والفصل والاعتقالات والمحاكمات الصورية.

لكن حينما طرحت فكرة الاجتثاث لأول مرة في (مجلس الحكم) في اواسط عام 2003،  رفض الحزب ممثلا بسكرتيره الأستاذ حميد مجيد موسى، تلك الفكرة، معللا رفضه، بسؤال جريء: كيف يمكن للضحية ان تسلك سلوك جلادها؟. فنحن ضحايا ممارسات أدينت في كل وثائقنا ولقاءاتنا، ورفضناها ووقفنا ضدها سنوات طويلة،  فكيف يمكن ان نلجأ الى ممارسات كنا ضحايا لها. فالفكر لا يمكن اجتثاثه بقرارات فوقية، او بأوامر إدارية، إنما بانتهاج الديمقراطية، واتخاذ السلوك السليم، والممارسات القويمة سبيلا وطريقا جديدا. و ان اول خطوة يجب اتباعها فورا ودون تأخير، هي إنصاف ضحايا النظام السابق، من ذوي الشهداء و المفصولين السياسيين، والمهجرين وفي مقدمتهم الكرد الفيليين والمبعدين ، وتعويضهم تعويضا عادلا، وتقديم التسهيلات الضرورية لمناهضي الدكتاتورية والحروب والاضطهاد، سواء كانوا أحزابا او شخصيات سياسية وعسكرية ونقابية وفنية واجتماعية، وتقديم الدعم المناسب لهم كي يسهموا في بناء العراق الجديد.

 بالمقابل، لا ينبغي ان يؤخذ الضحية بجريرة المجرم، والتأكيد على الفرق بين البعث كحزب استغل السلطة لممارسة القمع والإرهاب حتى ضد عدد من قياديه ، وبين المنتسبين له سواء من اقتنع بفكره، او انتمى له بالترغيب او الترهيب.

وان التعامل مع هذه القضية لا ينبغي ان ينطلق من الثأر والانتقام، بل من اعتبارات مصالحة وطنية شاملة تستند على إعلان الطلاق مع نزعات التسلط والاستبداد والتفرد وتعتمد مبدأ المصارحة والمكاشفة والاعتذار للشعب عن تلك الحقبة الدموية من التاريخ العراق، وإدانة كل عمل لحق الأذى بالإنسان العراقي وبالوطن وثرواته. ولابد ان يتم ذلك كله ليس من خلال أخذ تعهدات صورية، وإنما بقناعة تنطلق من ان العراق الجديد سيكون قويا حينما تترسخ قيم التنوع وتتوسع المشاركة السياسية فيه.

 ان الرهان على هذه التوجهات لا يعني بأي حال من الأحوال إعفاء المجرمين عن ما اقترفت أياديهم من جرائم بحق الشعب والوطن والجيران، بل يجب ان يقول القضاء كلته بشأنهم.

والمفارقة هي حينما طرح الحزب الشيوعي موقفه المسوؤل والعادل والمتوازن هذا لم يتفق معه سوى احد أعضاء (مجلس الحكم) آنذاك، فيما ساد الوجوم الوجوه من هذا الطرح " المغالي في تسامحه " على حد وصف احدهم.

اما اليوم وبعد ان غير الكثير من السياسيين قناعتهم بذلك،  وأصبحت المصالحة الوطنية سياسية مقنعه، ومقبولة ولا مناص منها لوحدة واستقرار العراق، فلا بد من المضي بها إلى أخر الشوط بمسؤلية وعدالة وتوزان، وهنا تكمن ثوابتها الاساسية التي بدونها تفقد المصالحه قيمتها وقوة جذبها. فالعراق لكل العراقيين، الذين يتوجب عليهم الاشتراك في تحمل المسؤوليات لبناء بلدهم الذي أثخنته جراح الحروب والإرهاب، وبات الفساد يعشعش في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع. لذا لا ينبغي في كل الأحوال الابتعاد عن التوازن حين يتم تتبع خطوات المصالحة الوطنية، فالإنصاف هو المعيار الوحيد لتطمين الضحايا، كي يشعروا ان الظلم الذي لحق بهم قد ولى الى الأبد وان استعادة حقوقهم وتعويضهم عن سنوات الذل والهوان والحرمان هو نصب العين.

فالضحايا لا يريدون اكثر من ان يكون العراق لكل العراقيين، وان الهوية العراقية، هي الهوية التي يحتكم لها، والمواطنة هي الأساس، والكفاءة والنزاهة هما المعيار في التفاضل.

وهناك قضايا قد تبدو شكلية في ظاهرها لكن لدلالاتها مغزى كبيرا، منها تحويل بعض السجون الى متاحف، وإقامة نصب تذكارية لأبرز جرائم النظام وتبشيعها في الوعي الشعبي، كي لا يفكر احد مستقبلا بتكرارها بأي حال من الأحوال! 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com