|
نقطة ضوء .. حياة ثقافية جديدة
جواد عبد الكاظم محسن منذ بضعة عقود والمثقف العراقي يعيش حياة مرتبكة اختلت فيها الموازين، وتأثرت القيم، وتغيرت المقاييس نتيجة لتسلط الطغاة والجهلة واستمرار ظروف سياسية قاسية عاشتها البلاد ودفعت بسببها ثمناً غالياً من الأرواح والممتلكات، ومازالت المعاناة قائمة امتداداً لتلك المأساة، ولكن رغم ذلك فإن الأنظار مازالت متوجهة – بتفائل - نحو الغد بعد طي صفحة الماضي الحزين، وهناك أمل كبير بزوال غمة الإرهاب والإحتلال – وقد خفت حدتها إلى حد كبير - واستقرار الأمن وتحسن الحياة وتأمين مستقبل مزدهر لأبناءهذا البلد المعطاء . ولكي نغير واقع الخراب الشامل، ونصل للحالة الأفضل لابد من نهضة تتيح للمثقف فرصة ممارسة دوره الريادي في الحياة بصفته الفرد الأكثر وعياً والأوسع تأثيراً في المجتمع، ولكي يمارس هذا الدور المطلوب يجب توفير المستلزمات الضرورية لهذه الممارسة الضرورية التي إذا ما فقدت هذه فسيضعف دور المثقف بل يتلاشى كما حصل في أيام النظام السابق حين حارب الثقافة وأهلها فانقسم المثقفون تبعاً لما واجهوا من خطورة إلى صنفين : الأول يطبل للسلطة كي ينال عطاءها وجوائزها فهبط بالحياة الثقافية إلى الحضيض، والثاني اختفى قسراً عن أعين السلطة وأجهزتها القمعية إما هارباً في المهاجر البعيدة أو موصداً أبواب داره عليه معتزلاً المجتمع دون أن تفارقه هواجس الخوف والقلق من مفاجآت السلطة المرعبة . لا نريد أن نفتح جراحات الماضي المؤلمة، ولكن دعونا ننظر نحو المستقبل، ونؤسس لحياة ثقافية جديدة تعلم المواطن كيفية احترام الإنسان لأخية الإنسان وحبه له، وكيف يبادر ليصون كرامته، وكيف نرسخ لديه قبوله بطبيعة التنوع القومي والديني والمذهبي والفكري والسياسي، ونجعله يرفض أساليب العنف والإنتقام وحرمان الآخرين من حقوقهم الأساسية كحق العيش والحرية والإعتقاد والتنقل والعمل وغيرها، وكيف ننهج سبل الحق والعدالة ونلتزم القانون في حل المشاكل والتقاطعات، والإبتعاد عن المكاسب غير المشروعة واستخدام القوة والعنف و ( المشاطرة ) للحصول عليها . أمامنا الآن فرصة تأريخية لتحديد ملامح حياتنا المستقبلية قد لا تتكرر ثانية إذا ما ضاعت – لا سمح الله - بسبب صراعتنا التي لن يخرج طرف رابح منها أبداً، والكل مدعو هنا للوعي والشعور بالمسؤولية والإمساك بهذه الفرصة النادرة وعدم تبديدها، وفي مقدمة هؤلاء المدعوين هم السياسيون والمثقفون، وسنتجاوز السياسيين لأن عالمهم خاص ويفتقد – على الأغلب – للقيم والنزاهة والثقافة الحقيقية، وسنمسك بالمثقفين لأنهم أعلم بالسياسة من غيرهم وإن عدموا المناصب، وسندعوهم للمباشرة بتأسيس حياة ثقافية جديدة تنير الدرب أمام المواطنين البسطاء، وتصارحهم بالأخطاء، ولا تجامل المتنفذين أو تخشى سطوتهم، ونحن بحاجة إلى مفكرين وأدباء ومؤلفين يشاركون جميعاً بتظافر جهودهم في هذه المسيرة الشاقة كي يرسموا الخطوط العريضة، ويحددوا الملامح للمستقبل الذي نتطلع له، ويقطعوا الطريق على المتربصين، ويمنعوا عودة الطغاة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |