المنظمات المستقلـة: هويـة حضارية

 

حسن حاتم المذكور

smathcor@web.de

بعد ان وصل نظام التحاصص الى طريقه المسدود، واصبح عبئاً على تطلعات الحركـة الجماهيرية نحو مستقبلهـا في الحريات الديموقراطية والتقدم’ اكتسب الميـل الى اعادة بناء منظمات المجتمع المدني وطنية مستقلة، ظرورة ملحة، لا لحماية نفسها مـن حالة التمزق والتشرذم والتصادم والأنهاك خلف كيانات واحزاب المشاريع الطائفية والعرقية فحسب’ بل ولتلعب ادواراً فاعلـة لحماية المجتمع من هزات وفواجع ردة المؤدلجين والمغامرين وخاصة من داخل المؤسسة العسكرية’ هذا الميل عبر عن ذاته بمحاولات ومبادرات ونشاطات عـديدة’ اصطدمت (ولحقها الأذى) بقوى ثقافة التحاصص وعقليـة الأستحواذ او الألغـاء، لكن التطورات الحاصلـة داخل المجتمع وفرز الأوراق والتحولات الأيجابيـة في الوعي الجمعي’ ضغـط على القوى الوطنية والديموقراطيـة في ان تعبـر عـن ذاتها وتمارس ادوارها ضمن منظماتها المستقلة .

بتاريـخ 28 / 02 / 2009 وبمبادرة مـن بعـض الشخصيات المعروفـة بنزاهتهـا ووطنيتهـا وتاريخها المستقيم، تشكلت منظمـة مجتمع مدني مستقلـة على عموم المانيا الأتحاديـة تحت اسـم (جمعيـة العراقيين المستقلين)، وقد عبـر دستورهـا وبرنامجهـا وبيانهـا التأسيسي عـن حالـة ايجابيـة غيـر مسبوقـة على صعيـد منظمات المجتمع المدني وخاصـة فـي الخارج، حيث كان الهم العراقي حاضراً والأنتماء الوطني قاسمهـم المشترك ومباديء الديموقراطيـة والعدل والمساواة جامعة بين المؤسسين الذين يمثلون في الأساس اغلب مكونات الطيف العراقي، وكان المشروع الوطني العراقي بوصلـة عملهـم المستقبلـي .

اشكالية يجب الأشارة اليها: هـي ان الكيانات الكبيرة داخـل العمليـة السياسيـة لا تعرف التعايش مـع الأصغر منهـا حتى ولو كان اكثر نفعـاً وايجابيـة وانسجاماً مـع التطورات والتحولات الحاصلة، انهـا اعتادت على الأحتواء والتسلط والعبث بمصير الأصغـر، لهذا مـن يبادر الى تشكيل منظمـة مجتمع مدني وطنيـة ديموقراطيـة مستقلـة، يجـد نفسـه في مواجهـة تحجيم وتحريف واحتواء وتشويـة وحتى تسقيط غيـر متكافئـة مفروضـة عليـة، ويجب ان يدفـع ضريبتهـا اذا مـا اصـر على ان يلعب دوره الوطني والأنساني داخـل كيانات مستقلـة.

هناك اصوات كثيرة داخـل المؤسسـة الحكوميـة، يبدو عليهـا الحرص على استقلااليـة منظمات المجتمع المدني، لكن لحد الآن لـم تمارس فعلها الداعم معنوياً ومادياً كي تستطيع تلك المنظمات المستقلـة ان تقف على قدميهـا دون ان تتكـي على اكتاف رحمـة القروش الطائفيـة والعرقيـة والحزبيـة .

فـي استفتاء لسفارة العراق في المانيـا، ابـدى اكثر مـن 75% مـن بنات وابناء الجاليـة العراقيـة رغبتهـم في ان تكون الهيئآت القياديـة لمنظمات المجتمع المدني غيـر حزبيـة ولا حتى مختلطـة وانما مستقلة تتمتع بالكفاءة والنزاهة، تلك هي ارادة ورغبة الجاليات العراقيـة في الخارج، لكن تلك النسبـة العاليـة لا يوجـد مـن يمثلهـا اطلاقاً داخـل العمليـة السياسيـة الراهنـة، وهذا العيب والخلل يثيـر الأحباط وخيبـة الأمـل .

فـي المانيـا وكما اشرنـا، تشكلت منظمـة مجتمع مدني مستقلـة تحت اسم ( جمعيـة العراقيين المستقلين ) وقد اثرت تلك المبادرة ايجاباً على الجاليات العراقيـة في دول اوربـية اخرى، وهناك جهود متواصلـة مـن اجـل ان يلتقي ممثلي تلك القوى والشخصيات المستقلـة في احـدى العواصـم الأوربيـة ، بغيـة التنسيق وتبادل وجهات النظر والخبـر مـن اجـل تنشيط العمـل الجماهيري الوطني الديموقراطي المستقل خارج الوطـن، خاصـة ونحـن على ابواب تطورات هامـة ومنهـا الأنتخابات النيابية العامة نهايـة هـذا العام، ومـن اجـل ان تمارس الحركـة الجماهيريـة ادوارهـا الأيجابيـة المستقلـة في تلك التطورات والتحولات، وهي التي تختزن داخل صفوفهـا الكثير مـن الكفاءات والطاقات على اصعدة الأعلام والأدب والفـن ومجالات الأبداع الأخرى، فهـل هناك مثلاً مـن هـو حريص في الدولـة وخاصـة من داخل المؤسسـة الحكوميـة ليكلف نفسـه في الأتصال بتلك القوى والشخصيات ليطلع عـن كثب على امكانياتهـا وحقيقـة نشاطاتهـا ونوعيات وقدرات كوادرهـا ومصداقيـة ولاءآتهـا الوطنيـة وكذلك برامجهـا وانظمتهـا الداخليـة الى جانب حاجاتهـا الملحـة مـن اجـل تطوير دورهـا اغنـاءً للعمليـة السياسيـة وتطويراً وتعميقاً للتحولات الديموقراطيـة ، وتقوم كذلك بالحوار معهـا وتتسائل، ايـن تقيم معارضهـا الفنيـة وامسياتهـا الثقافيـة ونشاطاتهـا الأجتماعيـة وعلاقاتهـا مـع المؤسسات الثقافيـة والأجتماعيـة والأنسانيـة للدول المقيمين بهـا، ومـا توصلت اليـه في اظهـار الحقيقـة العراقيـة امام المجتمعات الأوربيـة وغير الأوربيـة، وهـل ساهمت حقاً في اعادة الأعتبار الى الشخصيـة الحضاريـة والتاريخيـة لعراق ما بين النهرين والذي اساءت اليـه وشوهتـه حـد اللعنـة سلوكيات وممارسات النظم الشموليـة والدكتاتوريـة المتخلفـة، ويسألون ايضاً، ان كانوا يملكون قاعـة او مجرد غرفـة متواضعـة يمارسون داخلهـا تعليم بنات وابنـاء الجاليات العراقيـة لغتهـم الأم وتذكيرهـم بأنتماءهـم الوطني وترسيخ العادات والقيـم والتقاليـد الحميـدة لمجتمهـم العراقي ... ؟

كـل تلك المهام الوطنيـة هي مـن واجبات منظمات الجاليات العراقيـة المستقلـة، فهـل هناك ايضاً مـن سأل، كيف تمارسون ادواركم وتغردون وطنياً وديموقراطياً خارج اسراب نظام التحاصص والمشاركات الفوقيـة ... ؟

السفارات العراقيـة في الخارج، هـي في الأساس ليس اكثر مـن مؤسسـات (حصص) تابعـة حصراً للنظام العام للمحاصصـة وتوزيـع الأسلاب وغير مؤهلـة لفهـم الأهميـة التاريخيـة لأستقلاليـة منظمات المجتمع المدني في الخارج، ولا تستوعب معنـى الحراك المستقل خارج قطيـع حزب الطائفـة والقوميـة .

بالتأكيد هناك مـن يفهـم الحاجـة الملحـة لوجود منظمات مستقلـة متمسكـة بالمشروع الوطني طريقاً للمجتمع العراقي نحـو مستقبلـه، رافضـة بشدة كـل مالـه علاقـة بالمشاريع الطائفيـة والعرقيـة التي افرزت الأشكاليـة المستعصيـة والمدمرة للنظام التحاصصـي، كذلك هناك مـن لا يبخـل على تلك المنظمات بالدعـم المتواضع معنوياً ومادياً’ وهـذا ما تنتظره التشكيلات الوطنيـة المستقلـة الفتيـة .

لا يمكن للوطـن ان يكتسب هويتـة الحضاريـة ان لـم تكـن منظمات المجتمع المدني المستقلـة للحركـة الجماهيريـة الواسعـة طليعـة النضال مـن اجـل البنـاء والتطور والتقدم، ومـن يتجاهـل تلك الحقيقـة لا يمكن لـه الا ان يكون معوقاً بصيق الأفق الطائفي العرقي .

لمـاذا لا نحاول ان نجعـل مـن الأنسان العراقي قيمـة وطنيـة عاليـة، ان لـم يكن هـو الوطـن ذاتـه ... ؟ .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com