|
التكتلات: القومية والمذهبية .. والديمقراطية!
هرمز كوهاري مشكلة الدولة العراقية الحالية التي أعيد تأسيسها في 9/4/2003، سواء على نطاق الجكومة أو البرلمان أوالأحزاب المتنفذة والمسيطرة على أوضاع العراق، مثل الأحزاب الإسلامية الشيعية والكردية والعروبيون فيما بعد أنهم لم يكونوا ديمقراطيون يوما ما، ولا في نياتهم وبرامجهم تأسيس نظاما ديمقراطيا حقيقيا، فحزب الدعوة، في دعوته أسلمة الشعب العراقي، والمجلس الأعلى اي(حزب) الثورة الإسلامية ومنظمة بدر كان في نيتهم إقامة حكما إسلاميا شبيه بالنظام الإيراني وحزب الصدر (التيار الصدري وجيش المهدي) فيما بعد كان ينوي نظاما إسلاميا أشبه بالنظام السعودي أو الطلباني في أفغانستان ولكن على المبدأ الشيعي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والمطبق حاليا في السعودية!! والأكراد ما زالت تتحكم فيهم العصبية القبلية ووالتعصب القومي وسلوك الأغوات ! بدلالة سلوكهم خلال التسعينات والإقتتال الذي إستمر بين الحزبين صراعا على السلطة والمال، والتشكيلات العروبية الذين إنخرطوا فيما بعد، مثل جبهة التوافق هم أبعد ما يكونون عن الديمقراطية . وجميع هذه التشكيلات لا تجمعهم لا الديمقراطية الحقيقية ولا المواطنة العراقية، نعم تجمعهم في أقوالهم وشعاراتهم ومناقشاتهم فقط، ولكن في نياتهم البعيدة غير ذلك .ومن هنا بدأت المشكلة العراقية، كون الأحزاب التي تحكمت في المشهد العراقي لم تكن وطنية بقدر ما كانت دينية مذهبية أو قومية، وهذه التشكيلات تعمل بمبدأ إنصر أخاك في الدين أو القومية أو المذهب ظالما أو مظلوما !!، وهذا مناقض مائة وثمانون درجة عن المشروع الوطني الديمقراطي، وهذا لم يأت من الفراغ بل من التمييز القومي والمذهبي خلال أربعين سنة من حكم البعث والقوميين منذ 8 / شباط لغاية 9 / نيسان /2003 وهذه هي الطبيعة البشرية أن يلحأ الأفراد الى ذويهم في الدين والقومية للحماية، وليس من السهولة تجاوزها . وما أشبه اليوم بالبارحة، يوم الذي كتب الملك الحكيم المرحوم فيصل الأول في مذكرة سرية له قال فيها: " أقول وقلبي ملأن أسى أنه في إعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل كتل بشرية خالية من أية فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائما للإنقضاض على أية حكومة كانت، نحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعب نهذبه وندربه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف، يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لأتمام هذا التكوين وهذا التشكيل "!! ومن هنا بدأ مسخ الديمقراطية وتشويهها، في كل مظهر من مظاهرها المشهد العراقي وكل فئة أو تشكيلة تريد من خلال مبادئها تحقيق الديمقراطية وليس بالعكس، أي أهدافها القومية أو الدينية أو المذهبية أولا و الديمقراطية والوطنية آخرا . نعم هذا بالضبط هو وضعْ التكتلات السياسية، الدينية والقومية من الكرد والعرب وبقية المكونات، وأقول التكتلات لأن الأحزاب الشيعية وإن إختلفت في بعض مناهجها فهي تتكتل مع بقية الأحزاب الشيعية وهكذا بالنسبة للسنة أو الكرد !! كما كان وضع الكتل البشرية أيام تسلم المرحوم الملك فيصل الأول وموقفها من المواطنة العراقية، وأراد الأمريكيون إعادة تأسيس دولة ديمقراطية من هذه التكتلات الدينية والقومية، كما أراد الإنكليز تأسيس الدولة العراقية العلمانية من تلك الكتل البشرية التي وصفها الملك الحكيم!! فهذه التكتلات البشرية والسياسية لم تجمعهم النوايا المشتركة أي الديمقراطية والمواطنة، بقدر ما فرض عليهم تواجدهم داخل حدود سياسية مشتركة لا يمكنهم الخروج منها ومثلهم كمثل ركاب الزورق الواحد يتعاونون فيما بينهم لا محبة وإخلاصا فيما بينهم، بل إنقاذا لأنفسهم وحال وصولهم الى اليابسة قد يصفّون الحساب فيما بينهم، وحاشا أن يكون الشعب العراقي كذلك ولكن ما أقصده هو قادة التشكيلات والتكتلات السياسية الذين يؤججون نار الحقد بين مكونات هذا الشعب وهذا ما يُخشى منه بعد خروج القوات الأمريكية بإعتبار أن هؤلاء القادة وصلوا الى بر السلامة و تحرروا من خطر الغرق ونزلوا على شاطئ الأمان ولكنهم واهمون!! ولهذا جاءت كل تشكيلات الدولة ديمقراطية في مظهرها ولكنها مخالفة للديمقراطية في عملها وإداءها، فجاء الدستور متناقضا في مواده ومنها تعجزية التطبيق فكيف يمكن سن قانونا ديمقراطي لا يخالف الشريعة الإسلامية وكيف تطبق الشريعة الإسلامية لا تخالف الديمقراطية!!! مجالس النواب إبتكرت منذ إكتشاف النظام الديمقراطي وتطويره لحل أي مشكلة سياسية في الوقت نجد في العراق أن مجلس النواب أصبح معرقلا لحل المشاكل، بل لحل مشكلته الداخلية التي إستعصيت عليه وهي إنتخاب رئيسا له!!. ألف باء الديمقراطية هو تحرير الدستور والقوانين من أية سلطة أخرى غير القضاء في حين نجد في العراق سلطة الدين توازي بل تتجاوز سلطة الدستور والقانون وفقا للفقرة ( أولا ) من المادة الثانية من الدستور العراقي . النظام الفيدرالي في الدول الديمقراطية، وجد لمساعدة حكومة المركز من تحمل جسامة القضايا وعبء المسؤولية الملقاة على المركز أي تسهيل مهمة الدولة في حين نجد في العراق، الفيدرالية تعرقل أعمال الدولة نتيجة الخلافات المستعصية بينها وبين السلطة المركزية . من أسس الديمقراطية، الشفافية ولكن ما نجده في العراق هو الفساد بل مبالغة بالفساد بحيث لم يترك وراءه أية دولة أومجتمع بل سبقهم في الفساد والأنكى من كل هذا أن الفئة الحاكمة تنافس غيرها في الفساد سواء في الفساد المباشر أو التستر عليه أو الفساد المقنن، فكيف يتقاضى شخص غير كفوء ومنبوذ ترأس البرلمان لفترة بناء على المساومات يتقاضى راتبا تقاعديا أعلى من راتب رئيس الولايات المتحدة!! إذا كم رواتب ومخصصات رئيس الدولة ونوابه وزرئيس الوزراء والوزراء ومستشاريهم وحراسهم وأزلامهم والنواب بالرغم من عدم حضورهم و...و.. الخ ووالحكومة والنواب يتصرفون خارج الدستور والقوانين كأنهم فوق الدستور والقوانين !! .وحراس الشفافية هم ممثلوا الشعب ولكن في العراق حاميها حراميها . في البرلمانات الديمقراطية يحرصون على إصدار قوانين تخدم الشعب وما نلمسه من البرلمان العراقي هو إصدار كل ما يخدم مصالهم الشخصية بطريقة مخجلة غير متبعة في أي برلمان آخر مما يضر بمصالح من يمثلونهم . طالبت المرأة تمثيلها في البرلمان لعرض مطالبها ولمساواته مع الرجل، وما وجدناه في النساء اللآتي مثّلن النساء رفضن حقوقهن إستنادا الى الشريعة التي هي فوق الدستور والقانون . من أسس الديمقراطية حصر السلاح بيد الدولة وما نجده لدى الأحزاب مليشيات مدججة بالسلاح تابعة للحكام وقد وزعت قسم منها كحماية للمسؤولين أو شرطة أو جيش وهم مستعدون للعودة الى تبعية أحزابهم . ليس في أي نظام ديمقراطي ما يسمى بالمصالحة الوطنية، وقد وجدت ما يسمى بالمصالحة الوطنية كي لا تُحل ويبدو أنه لعبة للتلهية، سقطت النازية في ألمانيا لم نسمع مشروعا بالمصالحة الوطنية، ولا في إيطاليا بعد إنتهاء الفاشية، ولا في اليابان ولا في الدول الإشتراكية التي إنتقلت الى الراسمالية . إن الدستور نص على إجتثاث البعث وليس إجتثاث البعثيين، والفرق كبير وشاسع، وجاء صراحة يمنع كل حزب أو فئة تسلك سلوك حزب البعث تحت أي إسم ومسمى، المادة ( 9 ) من الباب الأول من الدستور ما نصه : "يحضر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير الطائفي أو يمهد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية، وينظ ذلك بقانون" وإذا طبقنا هذا بنزاهة فإن كافة الأحزاب الحاكمة يشمكلها هذا النص! فالأحزاب الشيعية لها مليشيات قتلت ونهبت وإغتصبت، وكان يوم البارحة ذكرى مرور سنة على ما أذكر لتخليص البصرة من إستهتار المليشيات ولم يقولوا تخليصها من عصابات القاعدة، ولكن لمن كانت تلك المليشيات إن لم تكن للأحزاب الدينية الشيعية.!! وما فعل جيش المهدي من القتل والتعذيب في السجون السرية وكذلك وزارة داخلية سابقا التي إكتشفها الأمريكان لبعض المليشيات التابعة للأحزاب الحاكمة كان لا يقل بشاعة من سلوك البعثيين الصداميين، ولكنهم غير مشمولين لا بتلك المادة ولا غيرها وفي المحافل الدولية يقول المسؤولون العراقيون :، بان لنا دستورا ديمقراطيا أكثر ديمقراطية من أي من دول الشرق الأوسط !! وكأن دول الشرق الأوسط موغلة بالديمقراطية لكي يسبقها العراق في ديمقراطيته أولا، وقد لا تعرف الدول الأوروبية وأمريكا أن في هذه الدول مبدأ يقول :" ما أسهل كتابة الدساتير والقوانين وما أصعب بل المستحيل تطبيقها "، وأن هذه الدساتير والقوانين لا تكتب للتطبيق بل للعرض فقط، كما تفعل بعض المعامل والشركات المتحايلة تنتج نوعين من البضاعة، نماذج جيدة وممتازة للعرض فقط و البقية سيئة و من النوع الردئ للبيع .!! نعم يوجد حرية الكلام والصحافة والنقد والإنتقاد، ولكن الديمقراطية ليست فقط هذا بل العدالة في توزيع الثروة والشفافية في التصرف بأموال الدولة ورعاية اليتاميى والأرامل ومكافحة البطالة وتقديم أفضل الخدمات للشعب،إنظروا الى بشاعة المنظر في تجمع عشرات بل المئات من الفقراء حول سيارات النفايات لإلتقاط ما يفيدهم، هذا ليس في دولة فقيرة بل في دولة "ممثلي " الشعب تتكدس الملايين في أرصتهم وتعدد الفلل في الدول التي كانوا لاجئين فيها !!والميزانية تفيض عشرات المليارات . في أيام القصف على بغداد، أيام حرب الكويت 91 جئت الى بغداد من شمال الموصل لإستلام الحصة التموينية فإستلمتها كاملة وفي موعدها، واليوم نسمع من أبناء الشعب من خلال الفضائيات بأن قسما منهم لم يستلموا الحصة منذ عدة أشهر ومنهم يستلمها ناقصة .ولا أعتقد أن هذا من فعل الأمريكان بل من فلاف وفلان!! كأن المسؤولين وخاصة من الأحزاب الإسلامية يريدون أن يقولوا للشعب بأن الديمقراطية أيضا فشلت فلم يبق أمامكم إلا الحكم الإسلامي العادل النزيه السمح !، وربما العروبيون يقولون لا يفيد العراق إلا دكتاتورية البعث وهكذا!! نعم هناك حرية الكلام، ولكن ماذا تفيد نا، إذا يعوزنا السكن والخام والطعام!!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |