|
المقاومة القذرة بين سقوطين
سهيل أحمد بهجت كان يوم 11 آذار 1917 يوما هز المجتمع العراقي من الأعماق، فقد كان إيذانا بانتهاء الحكم العثماني الفاسد الذي لم يهتم بتاتا بتطوير العراق وإخراجه من طور البداوة والعشائرية سواء في الصحراء والسهول وتلك العشائرية التي استفحلت في المناطق الجبلية، ولكن هل استفاد العراقيون من الوجود البريطاني في العراق على غرار تجارب مماثلة مثل هونغ كونغ وماكاو؟ الحقيقة أن ذلك لم يحصل، فقد ارتكبت المرجعية الشيعية "الشيرازي" آنذاك أحد أكبر أخطائها حينما أوعزت إلى شيوخ العشائر والوجهاء بالقيام بحركة و"ثورة"!! ضد الوجود البريطاني، وكان ذلك في عام 1920 أي أن نواة دولة حديثة لم تكن قد نبتت بعد، كما أن سرعة إنجاز حكومة عراقية في ذلك الوقت هيأ العراق للدخول في صراع طائفي وقومي على السلطة، وكان هذا الصراع يتمظهر بمظهر "الشعارات الوطنية"، بينما كان في الواقع انقلابات وصراعات طائفية حادة. للأسف، كانت المرجعية الشيعية، حالها حال المؤمنين بها، تتعامل مع شعارات الوطن والانتماء إلى العراق بمقاييس متناقضة ومشوشة مدفوعة بالعاطفة أكثر من كونها ((تحركات عقلانية))، وبالإضافة إلى ما سبق فإن المرجعيات الشيعية أخطأت ثانية حينما انسحبت من بناء الدولة العراقية، ولسوء حظ العراقيين، فإن الشيرازي كان المرجع الأعلى وهوالذي كان يختلف كلّيّا عن آية الله كاظم اليزدي الذي لم يكن يرى أي مشكلة في التعامل مع البريطانيين، وكان أن فتح أية الله اليزدي أبواب المرجعية للمبعوث البريطاني ستورز الذي أعجب ببساطة هذا العالم البسيط وذوالسلطة الروحية، وهكذا ضيعت قرارات مستعجلة وخاطئة لكونها مبنية على العاطفة الدّينية والقومية فرصة مشاركة أغلبية العراقيين في بناء دولتهم (لاحظوا معي كيف أن حارث الضاري أثر سلبا على العرب السنة في إقناعهم بعدم المشاركة في الانتخابات وتبين مدى فداحة الخطأ في اتباع هكذا فتوى). وحينما تم تهميش القطاع الأكبر من العراقيين في بناء البلد، أصبحت السلطة لقمة سائغة في أفواه القوميين ومن شتى ألوانهم إضافة إلى الشيوعيين، وكانت النتيجة كارثية، فرغم مساويء العهد الملكي إلا أنه بدا بالمقارنة مع العهد الجمهوري الذي جاء بانقلاب دموي وكأنه حكم الملائكة والأتقياء، فقد جلب عبد الكريم قاسم واليساريون والقوميون عهود الدم والمشانق إلى العراق وما جره البعثيون القتلة المنحطّون على البلاد كان أكبر من أن يتصوره حتى أكبر العقول الفكرية. من المؤسف حقا، أن المرجعية الشيعية والطبقة المثقفة في الوسط الشيعي (والتي كانت تكاد تكون المعارضة العراقية الأقوى للبعث) تبنت الخطاب الديني العاطفي والذي لم يتضمن أي حديث عن الديمقراطية إلا في عراق ما بعد البعث وصدام والذي أطاح به التحالف الغربي الديمقراطي عام 2003 ونحن هنا إذ ننتقد الخطاب الإسلامي لا ننتقده إلا من حيث كونه افتقر إلى البرنامج الوطني الذي يستطيع لم شمل المعارضة العراقية وتوحيد كلمتها في وجه الفاشية والطائفية البعثية. مؤخرا ومن خلال التجربة تبين لكتلة الائتلاف العراقي أن الإسلام السياسي ـ بالإضافة إلى كل خطابه الضعيف ـ لا يناسب العراق، بل ويضر بمستقبل الشعب والبلد وبالتالي لا بد من تغيير جذري فكري في تنظيم التحالفات السياسية على أُسس وطنية، والإسلام السياسي هنا لا يختلف عن المناهج القومية في فشله كمشروع سياسي، إلا أن الدور السلبي لرجال الدين "الشيعة والسنة" هوالذي كشف للمواطن العراقي عن مدى خطورة الطائفية السياسية، فقد تبنى رجال الدين في كلا الطائفتين ـ مع استثناءات هنا وهناك ـ خطابات "المقاومة" و"مقارعة المحتلين"!! و"مواجهة الاستعمار"!! الأمر الذي جلب للبلاد الهلاك والخراب والتخلف والطبقية وقبل كل شيء قتل النفس الإنسانية المحترمة، فلا توجد مقاومة شريفة، بل كلها "مقاومة إرهابية إجرامية ملوثة" كان من واجب الأمريكيين والعراقيين أن يسحقوها بكل القوة، من هنا نجد أن "المـقاومة القذرة" هي التي دمرت العراق من الشيرازي وحتى "الضاري".
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |