|
عكاظ وألومبياد القمم العربية!
توفيق أبو شومر arabicbloggersunion@googlegroups.com سمعتُ تعليقا ظريفا من أحدهم، وهو يتحدث إلى صديقه: اليوم سيُفتتح سوقُ عكاظ، ابتسمتُ وأنا أحاول أن أعثر على وجه شبهٍ بين مؤتمر القمة الذي يُعقدُ اليوم 30/3/2009 وبين سوق عكاظ، فاعتصرتُ ذاكرتي محاولا إيجاد وجه الشبه بينهما، فلسوق عكاظ ومؤتمرات القمة موعد ثابت محدد في كل عام، فالأول كان يعقد في أواخر ذي الحجة، أي قبل موسم الحج بأيام قليلة، أما الثاني فهو يعقد في بداية فصل الربيع، حين تتفتح الأحلام والطموح والرجاء والآمال العربية برجاء غدٍ أفضل. أما عن تفصيلات أنشطة سوق عكاظ، فكانت بالطبع تختلف عن مؤتمر القمة العربي،فقد كان سوق عكاظ يُنتجُ ثمراتٍ متعددة الأشكال والألوان، متعددة المذاقات، فكان يُصلحُ بين القبائل المتحاربة، ويُنجب أروع قصائد الشعر، ويُبرز أبلغ الخطباء والأدباء، ويُثري الاقتصاد العربي في الجزيرة العربية، بتبادل السلع والبضائع، وكانت ترعاه التقاليد القبلية والأعراف العشائرية، فكلٌ كان يعرف مكانه وموقعه، وكانت تُضربُ القبابُ للشيوخ والنقاد والمصلحين، وكانت تنزعُ من الداخلين إليه الأسلحة، فهو نشاطٌ ثقافي وتجاري وسياسي، فيه تُعقد المعاهدات وتُوقَّعُ المصالحات، وتُدفعُ دياتُ القتلى. أما في مؤتمرات القمة، فإن منتجاتها من القرارات ماتزال بعد عشرين مؤتمرا لا تُلبي طموحَ فقراء العرب ومظلوميهم، كما أنها لا تُلبي طموح العربي البسيط الحالم بالمستقبل، ففي كل مؤتمر يظهر صراعٌ جديد، وبعده تزدهر الخلافات، بين دول عربية كثيرة، بسبب كره بعض الزعماء لبعض الرؤساء، وغيظ بعض المسؤولين من بعض ولاة الأمر، والغريب أن الخلافات بين الرؤساء والملوك والأمراء العرب، لا تنتهي بانتهاء جولات البطولة في المؤتمر، وإنما تستمر ّشهورا وسنوات، وتتفاقم المآسي بعد أن يشتعل الخلاف بين شعبي رئيس وأمير، ويتحول الشعبان من صيغة الأخوَّة العربية، إلى صيغة العداوة الأبدية، وفي الغالب لا يظهر في مؤتمرات القمة أشخاصٌ كهرم بن سنان والحارث بن عوف، زعيمي الإصلاح في سوق عكاظ ليصلحا بين عبس وذبيان، بعدما دقوا بينهم ( عطر منشم)!، إلا بعد جهدٍ وعناء كبير، وفي الغالب تنتهي القمة، بلا صلحٍ وبلا حرب، وقد استبدلت القمةُ العربية الجاهة العربية التقليدية بالجامعة العربية التجديدية،بدون أن تتمكن الجامعة المسكينة من القيام حتى بدور الجاهة العربية. والغريب أن (بوس) لحية رئيس لأمير، وأمير لرئيس، واحتضان وزير لمسؤول كبير، وعبط ملك لملك، تُنهى الخلاف في طرفة عين،بين شعبين عربيين عريقين، مدة لا تقل عن نصف عام،وحين يزول سوء الفهم بين مسؤولين، يظلّ الشعبان المتخاصمان في حالة ذهول من هول المفاجأة، بعد أن تورطا في خلافات ظلا يظنان بأنها خلافات في المبادئ والأهداف وفي الرؤى والتوجهات، وفي السياسة والمنطلقات، وفي الأيدلوجيا الفكرية! كما أن المواطنين العرب يشعرون بأن الخلافات بين أوطانهم أكبر بكثير مما كانوا يتوقعون، حينما يقفون على الحدود بين دولتين عربيتين يجمعهما رباط التاريخ واللغة والأهداف، ولا تشفع لهم قصيدة فخري البارودي الذي قال حالما: بلاد العُرب أوطاني، من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن، ومن مصر فتطوان.. فعلى الحدود بين الدول العربية يعرف من يرغبون في العبور حجم الكارثة العربية العربية. أما إذا أراد العربيُّ أن يحصل على إقامة في دولة عربية شقيقة، فإنه سيصاب بخيبة أمل في إجراءات الإقامات المعقدة، والتي لا تنطبق إلا على من يحملون جوازات سفر أجنبية، كما أن العربي نفسه الذي يحمل جنسية أخرى، غير عربية،إذا أراد أن يحظى بالاحترام والتقدير، فعليه أن يُبرز في نقاط الحدود العربية جواز سفره الأجنبي، ليحظى بابتسامة رجال الحدود والجمارك، ويسمع عبارة الترحيب : You are Welcome أما إذا رغب العربي في الحصول على جنسية عربية، غير جنسيته، فإنه سيموتُ قبل أن يُحقِّق حلمه. وقد وصل الأمر ببعض العرب أنهم يعتقلون عربا كثيرين بتهمة الجاسوسية، لا لدولة من دول الأعداء، بل لأنهم جواسيسُ لبلادهم العربية التي يحملون هويتها. و بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربية الحادية والعشرين، فإنني أقترح بأن نحوّل المؤتمر، إلى مناسبة قومية رياضية، نستمتع فيها بالفرق الرئاسية العربية، ونسهر لمتابعة الجولات الخطابية لهذه الفرق الرئاسية، فمنافسات الرئاسة تحظى باهتمام الجماهير العربية دائما، لا للقرارات التي تصدر عن الألومبياد قبل انعقاده بفترة زمنية كافية، بل للمنافسات التي تدور في ساحة المؤتمر، وأفضلها دائما وأكثرها شعبية، هي المنافسات التي تدور وراء الكواليس، حين ينزعُ أبطال أولمبياد القمة أزياءهم الرياضية، ويمارسون حياتهم الحقيقية بلا رتوش ويتولى طاقمٌ إعلاميٌّ مُدرَّب على متابعة حركات وسكنات أبطال الأولمبياد العرب، وينقلون بالصوت والصورة الاتهامات والأقوال الجارحة والتهديدات التي تتبادلها الفرق الرئاسية، وذلك لإثراء المخزون العربي من الأحقاد! فقد صارت القمم العربية الرئاسية مشوقة، لا لما يرتديه الرؤساء العرب من أزياء أولمبية عربية( موحَّدة)!! تدل على أن العرب جميعهم من أصلٍ واحد، ومن أب واحد، ومن تراثٍ واحد، بل لأن اللغات واللهجات العربية،التي تسود في المؤتمر تشير أيضا إلى الوحدة والتضامن بين أبناء يعرب ابن قحطان!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |