|
التحالف الإيراني – الإسرائيلي الخفي
د. شاكر النابلسي -1- لماذا تحرص أمريكا في عهد إدارة الرئيس أوباما على التهدئة والحوار مع إيران؟ ولماذا يوجّه الرئيس أوباما، رسالة فيديو مسجلة إلى الشعب والنظام الإيراني يوم 20/3/2009 بمناسبة "عيد النيروز" أو رأس السنة الإيرانية، (وهي الذكرى السادسة لغزو العراق)، يؤكد فيها التزام إدارته الدبلوماسية، والسعي لإقامة علاقات بنَّاءة بين الولايات المتحدة وإيران والأسرة الدولية؟ وكانت كلمات أوباما الدافئة تقول لإيران في مناسبة هذا العيد: " إن هذه المناسبة تقليد قديم بلحظة تجديد". وتحدث أوباما خلال رسالته إلى إيران، عن الدور الثقافي الإيراني عبر القرون، لافتاً إلى مساهمات الإيرانيين الأميركيين، في تعزيز المجتمع الأميركي. فهل لأن إيران الآن، برأي بعض المعلقين، أكثر المجتمعات الشرق أوسطية ديناميكية وقوة؟ يقول روجر كوهين الكاتب في الشؤون الدولية في صحيفة "الإنترناشيونال هيرالد تريبون" في مقاله (إيران واليهود والبراجماتية): لدى أمريكا مصلحة قوية في إقامة علاقات مع أكثر المجتمعات ديناميكية في المنطقة. وأكبر ما يخشاه الأوتوقراطيون من الخليج إلى القاهرة، هو إحراز تقدم في العلاقات الإيرانية - الأميركية، لأنه سيزعزع استقرار جميع العلاقات الإقليمية الثابتة والحميمة، بما فيها علاقة واشنطن بإسرائيل. -2- من المعروف أن إيران تضمُّ الآن أكبر عدد من اليهود (25 ألف يهودي) في الشرق الأوسط المسلم- وربما كان في المغرب هذا العدد أيضاً، أو يزيد- في دولة تطلق الآن، أكثر الخطب التهديدية اللاذعة ضد إسرائيل. وما أصاب ما يزيد على مليوني مسلم (شيعة وسُنَّة) فروا من إيران منذ 1979، نتيجة عذابات وأحكام بالإعدام، دفعت بهم إلى الهجرة، أصاب كذلك ضحايا الثورة الخمينية من اليهود. ويقول روجر كوهين في مقاله السابق الذكر، أنه من المستحيل معرفة مدى القمع، الذي يتعرض له يهود إيران، حيث أن المجتمع الإيراني غير حر. ولكن الأمر الأوضح، أن قضية الصقور ضد إيران، تعتمد على رؤية لنظام رهيب، بدون الشعور بقصوره، معادٍ للسامية بصورة محمومة لدرجة أنه سيقبل بإبادة نووية حتمية، إذا كانت من الممكن أن تدمر إسرائيل أولا. وهذا يبرز بشكل واضح في خطابات أحمدي نجاد ضد إسرائيل وضرورة إزالتها من خارطة العالم. ويتحدث كوهين عن مدى المرونة والبراغماتية التي تتميز بها القيادة الإيرانية في الماضي والحاضر، قائلاً: "أعتقد أن البراغماتية الإيرانية، التي تعرف أن قوتها تكمن في التصميم على بقاء الثورة. لقد أدت البرجماتية الإيرانية إلى التعاون مع إسرائيل في أيام الحرب الباردة، وأنهت حرب العراق، وتجنبت غزو أفغانستان عام 1998، عندما قُتل دبلوماسيون إيرانيون هناك؛ وحققت تعاوناً مع أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في قضية أفغانستان. وتوضّح حركة المد والجزر الليبرالي منذ عام 1979، مدى أهمية وجود اليهود فيها." -3- كانت علاقة إسرائيل مع إيران وثيقة للغاية، ومتجذِّرة في النسيج الاجتماعي للشعبين الإيراني واليهودي. وظلت هذه العلاقة وثيقة حتى بعد قيام الثورة الخمينية 1979. وفي ذلك الوقت، كانت طهران تبدو طبيعية في علاقاتها مع العالم. ولكن بعد ثلاثين سنة، أصبحت طهران في نظر الإسرائيليين والأمريكيين دولة إرهابية، يجب التعامل معها عسكرياً وبالقوة، وليس كما يريد الرئيس أوباما في هذه الأيام. وفي بداية الخمسينات، كان بن غورون مؤسس الدولة الإسرائيلية، يسعى لأن تحوز إسرائيل على الحظوة المتناهية لأمريكا. وأن تظهر لأمريكا على أنها الشريك المخلص للمصالح الأمريكية في المنطقة. ولكن موقف الرئيس إيزنهاور في تلك الحقبة كان مختلفاً، وكان يريد أن تكون علاقات أمريكا مع دول الشرق الأوسط علاقات مباشرة ، وتدافع عن مصالحها في الشرق الأوسط بنفسها، دون وسيط، ودون مساعدة إسرائيل. -4- وتجاه هذا الموقف الأمريكي، اتجهت إسرائيل في عهد شاه إيران السابق إلى إيران، من أجل تكوين توازن مقابل ثقل الدول العربية. وتعاونت إسرائيل مع الشاه، كما يُبيّن بوضوح تريتا بارسي رئيس "المجلس الوطني الأمريكي – الإيراني" في كتابه (التحالف الخائن Treacherous Alliance) الذي صدر عن جامعة "ييل" الأمريكية عام 2007. وفي هذا الكتاب يشرح بارسي طبيعة التحالف والتعاون العسكري الخفي غير المعلن بين نظام الشاه وإسرائيل، وتعاونهما في تدريب ودعم العناصر المتمردة في الشرق الأوسط، خاصة بعد فوز اليمين الإسرائيلي بزعامة مناحيم بيجن عام 1977، والذي أدرك أن السلام مع العرب مستحيل. فتابع بيجن ما بدأه بن غوريون – كما نرى بعد قليل - بخصوص تحالف الأقليات في الشرق الأوسط، وبدأ هذه الخطوة بغزو لبنان 1982، وإخراج منظمة التحرير وسوريا من لبنان، ومحاولة تنصيب المسيحيين المارونيين كخطوة نحو استقلال وتعزيز الأقليات في الشرق الأوسط. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فلم يتم تنصيب المسيحيين المارونيين، بل على العكس، ظهر "حزب الله" في جنوب لبنان، وقويت شوكة المقاومة اللبنانية. وكان بن غوريون قد بدأ باتجاه الدعوة إلى تحالف الأقليات في الشرق الأوسط بما فيها الأتراك، والفرس، والدروز، والكرد، والأمازيغيون، في المغرب العربي والمسيحيون الموارنة في لبنان، والأقباط في مصر، بالإضافة إلى اليهود وغيرهم من الأقليات الأخرى المنتشرة في العراق. وقال بن غوريون، إن العرب في منطقة الشرق الأوسط ليسوا هم الأكثرية، ومن الضروري تشجيع جميع الرغبات في الاستقلال لهذه الأقليات، وخلق جزر في مواجهة دعوة القومية العربية، التي كان يتبناها في ذلك الوقت حزب البعث، ومن بعده عبد الناصر. -5- وزادت إسرائيل على تعاونها وانفتاحها على إيران بخطوات مثيلة نحو أثيوبيا وتركيا، من أجل تقوية الردع الإسرائيلي، والحدِّ من عزلتها، ولكي تُظهر لأمريكا مدى أهميتها وثقلها، في منطقة الشرق الأوسط. واستمرت هذه العلاقات تتطور وتقوى، بين إسرائيل وإيران الخمينية، وخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية 1980. ويقول اليستر كروك المستشار الخاص السابق لخافيير سولانا (1999-2002) والعضو السابق في "لجنة ميتشل" التي شكَّلها الرئيس الأمريكي كلينتون للتحقيق في أسباب اندلاع الانتفاضة الثانية في فلسطين المحتلة عام 2000، في مقال له في مجلة (اللوموند ديبلوماتيك، عدد28، شباط/فبراير 2009) تحت عنوان (عندما كانت إسرائيل وإيران تتحالفان سراً): من المعروف أن التعاون الإسرائيلي – الإيراني في بداية الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980، كان واضحاً وقوياً خاصة في المجال العسكري والتدريب والتموين، مما أقنع الإيرانيين بمزايا العلاقة مع إسرائيل، وخاصة في المجال العسكري والتسليح. وزاد من قوة هذه العلاقة، عندما قامت إسرائيل بإقناع أمريكا بضرورة توريد أسلحة إلى إيران 1980، بما عرف فيما بعد، بفضيحة "إيران غيت"، التي زعزعت حكم الرئيس ريجان رغم تحذير الكونغرس الأمريكي، من هذه العملية وغيرها من العمليات المشبوهة، كفضيحة تمويل "الكونترا" في نيكاراجوا.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |