بغض العرب من النفاق .. رؤية اسلامية!

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

في احيان كثيرة ماتقوم بعض الروابط الفكرية او اللغوية او الايدلوجية او الطبقية ..، بتشكيل عنصر بناء وقيام للامم وللشعوب، وايجاد روابط مفاهيمها الانسانية، كما انه كثيرا ماتبحث الشعوب والامم والجماهير نفسها عن مرجعية توّحد من تواجدهم الاجتماعي، وتهب الهوية لوجودهم المعنوي، من مثل مانقرأه تأريخيا من أن اكثر الشعوب والامم القديمة كانت ترجع لاسم اب عظيم او نبي مرسل ليقيم من هوية اجتماعها الانساني كبني اسرائيل او الرومان او بني ساسان او قريش .. وهكذا استمرّت كثيرا المرجعية الابوية لهذا المجتمع القبلي الانساني آنذاك !.

كما انه بروز المرجعية القومية واللغوية كذالك كانت في يوم من الايام هي المرجعية والرابطة التي تجمع شتات الامم وتوّحد من وجودهم الانساني الاوسع حضارية من القبلية البدائية، وحتى اليوم تلعب المرجعية القومية اللغوية فعلها لقيام الشعوب والامم من العربية وحتى الكردية والاخرى .... وهكذا !.

ولاننسى بهذا الصدد الرابطة الطبقية التي كانت ايضا موجودة تاريخيا وهي لم تزل تشكل عنصر مرجعية اجتماعية لبعض قيام الشعوب والامم كالذي اقيم من مجتمعات اشتراكية بأسم الطبقة البروليتارية العاملة او بأسم الرأسمالية الفردية من جانب آخر!.

نعم هناك مختلف في معادلة قيام الشعوب والامم ومرجعياتهم الفكرية والروحية واللغوية والطبقية ..، تجسدّ في قيام المجتمعات الدينية التي اتخذت من الشعار الديني خطابا ومرجعية يخاطب الروح والعقل والانسان، ليكون في مابعد رابطة تحرق جميع مسافات اللغة والقومية والطبقة والقبلية الابوية .... لتستبدلها بعنوان الايمان بالله والدين والمعنوية لتصهر جميع تلك العناوين في عنوان واحد اسمه الايمان، ولترى مختلف الطبقات وكثير من القوميات ومعظم القبائل والارتدادات منصهرة في بوتقة ومرجعية الايمان والدين، كالذي هو حاصل بالفعل بالرؤية الاسلامية التي تطرح نفسها كأطار فوق جميع الاطر الضيقة والمرجعيات المحدودة للوجود الانساني في هذه الحياة !.

ان مايميز الاطروحة الاسلامية عن غيرها من الاديان والمرجعيات وباقي المسميات التقليدية للاجتماع الانساني انها الاطار الوحيد الذي صهر القوميات مضافا اليه الطبقات، وكذا جميع العناوين والمناسبات، وزيادة على ذالك حتى الاديان الاخرى والاعتراف بشرعيتها، كنموذج قابل لئن يكوّن المرجعية العالمية لقيام ( الامة ) او المجتمع، مضافا لذالك مايعتقده الاسلام نفسه انه الامة الوحيدة التي اشرفت عليها يد السماء في التأسيس والقيام من العدم لتكون أمة وسطى بأذن الله وتكون أمة واحدة بوحي الله سبحانه بكل ماتعني الوحدة من روابط !.

قال سبحانه :(( ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون ))

وفرق كبير بين اجتماع مؤمنين بأرادتهم الايمانية الدينية لتشكيل مجتمع بأسم الدين والتدين، وبين ان يقيم الله سبحانه وتعالى هذا الاطار بشكل عبادة ليكون مجمعّا ومرجعية مفروضة وغير قابلة للتفتيت باسم الامة التي لها قانون ورؤية محددة ومرجعية واساليب تفكير وعمل ونظام متكامل قائم من وحي السماء !.

ولايعني هذا مطلقا ان الاطار الاسلامي للامة المسلمة وكغيرها من باقي الايدلوجيات الاجتماعية الانسانية قد دعت الى تحجيم باقي العناوين والروابط الانسانية الاخرى لغوية وقومية وطبقية ... وغير ذالك، بل ان مايميز الاطار الاسلامي انه من الاطر المرنة التي تقبل بشرعية الاطر الاجتماعية القومية واللغوية والطبقية والدينية الاخرى، مضافا لذالك ان هذا الاطار الاسلامي نفسه لم يتخذ له قومية مخصوصة كالذي حاصل في اليهودية كأيدلوجيا فكرية في شعب الله المختار او لغوية او طبقية معينة لتكون هي المرجعية الايدلوجية الفكرية الكبرى !.

صحيح هناك وفي هذا المفترق من الطرق مَن يسأل : وماذا يعني في الكثير من النصوص الرسالية الاسلامية الواردة في قول الرسول الاعظم محمد ص بحق العرب كما روي عن انس قال قال رسول الله ص :(( حبّ العرب ايمان وبغضهم نفاق )) الا يعني هذا اعلى درجات التمييز القومي لشعب وجمهور على آخروصناعة شعب الله المختار من جديد ؟.

وكيف لنا ان نفهم ماذكرته آنفا عن شمولية الاطار الاسلامي مع مانقرأه من رفع للشأنية العربية على غيرها من الشأنيات اللغوية القومية الاخرى في قول الرسول الاعظم محمد ص عن ابي ذر قال قال رسول الله ص :(( بغض بني هاشم والانصار كفر وبغض العرب نفاق )) أليست هذه قومية ولكنها بلباس ديني مقيت !.

الحقيقة ان الاسلام يعتبر القومية وخاصة عند تضخمها الى عصبية وتعنّصر على اساس انها جاهلية نتنة كما ورد عن العظيم رسول الله محمد ص، بل ويعتبر الفكر الاسلامي الاتكاء على القومية كوحدة اجتماعية انسانية ماهي الا ارتداد الى الخلف، وانغلاق وتقوقع الى الداخل في مرجعية المجتمعات المتحضرة والمتنوعة، وعلى هذا رأى الاسلام القومية من جانبها السلبي على اساس انها مرض خطير وانتكاسة جاهلية مرعبة !.

لكنّ الاسلام في الجانب الاخر من القوميات الانسانية رأى انها فطرة خلقية (( شعوب وقبائل لتعارفوا )) بل ورأى في التنوع القومي نوع من الايات الخلقية العظيمة لله سبحانه وتعالى التي تنوعت فيها (( الالوان والالسنة والقوميات والاشكال والاخلاقيات والشعوب والقبائل ....)) وعلى هذا ومن هذا المنطلق لم تلغي الاطروحة الاسلامية الحق في القومية باعتبارها فطرة خلقية، واكثر من ذالك تجسدّت الفكرة الاسلامية كفكرة تبحث لخطاب البشرية عن قالب بشري في اقنوم القومية واللغة العربية، لتصبح هذه القومية الباب او النافذة التي من خلالها تطلّ اطروحة السماء والوحي الالهي العظيم من خلالها لمخاطبة باقي البشرية من الاقوام والشعوب والقبائل الاخرى المتنوعة والانسانية، فكان رسولها المبشر والمنذر عربيا، وكتابها ووحيها المذكر بلسان عربي مبين !.

نعم على قدر هذا المستوى تكون الميزة للسان وللقومية العربية باعتبار انها الظرف الطبيعي التي من خلاله يطلّ وحي السماء على الانسانية ولااكثر، كما انه يكون الاسلام غامضا وغير مفهوم تماما اذا اراد اي انسان ان يؤمن بهذا الدين اذا لم يكن لديه وعي وادرام وفهم اولا لقوانين اللسان العربي المبين، وثانيا ادراك واعي للنمطية السلوكية والاخلاقية والفكرية للقومية العربية التي خاطبها القرءان الكريم وتفاعل معها عضويا وبنى كل او معظم احكامه على اساليب وانماط سلوكيات هذا الانسان العربي المحمدي الكامل والاصيل !.

والى هنا يمكننا فهم وصايا الرسول الاعظم محمد ص وحثه على حب العرب مرّة في قوله :(( حبّ العرب ايمان وبغضهم نفاق )) باعتبار انه من المستحيل ان تصل لفهم اسلامي واضح وصريح وحقيقي ودقيق وانت تحمل كمية من الكراهية لهذه القومية التي نزل القرآن وبني الاسلام على هيكلها اللغوي، ومن الصعب في الحقيقة تصوّر فهم سليم للاسلام بلغته العربية واساليبها البلاغية وقوانينها اللغوية ... من انسان يحمل الكراهية لهذه الامة، فالجمع بين الكراهية للعرب وبين حب لغتهم التي هي لغة القرءان، او الكراهية لهم والانفتاح على قوانين لسانهم الذي هو القاعدة لفهم تصورات واساليب واليات الخطاب القرآني الاسلامي في النهائة أمرٌ متعذر ومن الصعب ايجاده لاي انسان في هذا الوجود، فعين البغض عن كل جميلة اعمياء وعين الرضا عن كل عيب كليلة، وهذا جانب !.

ثم الجانب الاخر لوصية الرسول الاعظم محمد ص بالشأن العربي يتبلور ان العظيم محمد ص بغض النظر عن رؤيته تلك لقضية قالب الشريعة الاسلامية الذي لايفهم الا من خلال هيكل لغة العرب، هو كذالك يدعو الى الحبّ القومي المنفتح الذي لايميّز بين قومية واخرى، فصحيح ان محمد الرسول ص حثّ الباقين لامر ما على عدم كراهية العرب واعتبار ان هذه الكراهية تورث النفاق، لكنه في المقابل يرفض كل كراهية لاي قومية انسانية اخرى من العرب انفسهم ومن غير العرب ايضا، وما مقولته في سلمان الفارسي ونسبته لاهل بيت الرسول محمد ص الا دلالة على : ان الاسلام المحمدي لايعترف باي يعنصّر لقومية على اخرى ويشجب اي عصبية جاهلية ترتدّ بهذه الامة الى انغلاق القومية وظلامية دعوتها التقسيمية للبشر، وعلى هذا نفهم : ان محمدا العظيم ص مع انه شجب وادان كراهية العرب باعتبار انها كارثة على كل مسلم غير عربي، هو كذالك شجب الكراهية باطلاقها ومن اين اتت وكيفما كانت ولجميع القوميات واللغات الانسانية الاخرى !.

تمام : في الحديث الاخر الذي روي عن الرسول الاعظم محمد ص عن طريق آخر كانت اللغة مختلفة في حديث :(( بغض بني هاشم والانصار كفر، وبغض العرب نفاق )) ليؤكد ماذهبنا اليه : من ان ادانه البغض للعرب بسبب انها الطريق المفضي حتما الى عدم فهم الاسلام ومن ثم عدم الايمان بمبادئه وافكاره ووراثة النفاق فيما بعد على أثره، وعلى هذا الاساس جائت الادانه الرسالية شديدة الوضوح ومقسّمة الى جزئين :

الاول : بغض بني هاشم والانصار كفر، باعتبار ان حملة الاسلام هم بني هاشم، والنص القرآني صريح بوجوب الحبّ والموّدة لبني هاشم في قوله سبحانه وتعالى :(( قل لا اسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى )) من منطلق : كيف لك كراهية ال البيت الرسول وفي نفس الوقت الايمان بوحيهم الاسلامي الذي لادليل على مصداقيته الا صدق بني هاشم وسمو اخلاقهم وامانتهم المعروفة، ولهذا اوجب الله مودة اهل البيت لانهم الطريق الى الايمان وبغضهم الطريق الى الكفر فافهم ؟.

ومن منطلق ان الانصار مجتمع المدينة والحاضنة الاساسية لحركة القرءان والاسلام في الزمن المدني، فكيف لمبغض الانصار الايمان اذا لم يستطع الانفتاح عليهم بالحب، لينفتح على واقعهم الاسلامي فيما بعد ليؤمن بكل ما آمنت به الانصار من كلمة التوحيد والاسلام ؟.

الثاني: أما الجزء او القسم الثاني من الحديث فمختلف، وأقل درجة في الادانه حيث ان مبغض العرب ليس كافرا وانما منافقا، وفي هذه الاختلافة اشارة الى ماذهبنا اليه، وهي لايمكن لكاره العرب ان يكون صحيح الاسلام ابدا او نقي الفهم الصحيح للاسلام بلا شائبة نفاق وتعجرف!

ان حب العرب ليس هو مطلوبا لذات العربية القومية بقدر ما هو طريق لحب الاسلام والايمان به وفهمه على مانزل به لاغير، وامة العرب كغيرها من الامم والشعوب والقبائل فيها الصالحون ايضا وفيها المنافقون والكفّار كذالك، وعلى العرب ان يدركوا من خلال هذه النصوص الرسالية الشريفة بحقهم انهم اول من يطلب منهم حبّ باقي القوميات الانسانية الاخرى قبل ان يُطلب من الاخرين الانفتاح عليهم وحبهم والميل العاطفي نحوهم، اي عليهم ان يبتكروا الطرق والاليات والاساليب والاخلاقيات التي تقربهم من حبّ العالمين لهم، وليكونوا قدوة ومبادرة فعلية لتهيئة الطريق لالتقاء بالاخر الانساني كي يعبدّوا الطريق لحبهم ومودتهم التي هي الطريق لحب الاسلام والانفتاح عليه والايمان به، أما ان سلك العرب كل مامن شأنه تنفير الامم من اخلاقهم وزرع الكراهية لهم والبغض لانماط حياتهم، فليعلموا انهم يصدّون عن الايمان بالله والاسلام والقرءان، وانهم فهموا قول الرسول الاعظم محمد ص بصيغته الخاطئة عندما اعتقدوا بانه تشريف لاتكليف عليهم !.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com