بيني وبين الحياة


السيدة طلعت الأنصاري

talaatalanssari@gmail.com

كنت أسبغ من جمال قلبي على من حولي أعطيت للعالم حناناً لا ينتهي كانت ينابيعي تفور وتتدفق كشلالات حنان وكان الحب والمحبة يشعان من أنفاسي ليشرقا كشمس على من حولي كنت أبرُدُ من العالم وأتغنى برحمة الله فأفيض على كل ما يحيطني من عذوبة روحي وجمال قلبي كان العالم قاتلاً كانت أنفاسه ملوثة بنفايات الحضارات التي ليس فيها من الحضارة شيء كانت روحي المعطرة تتجرح أمام تلوث الهواء والماء بالمصالح الفاسدة والتحزبات الضيقة كان كل شيء حولي تحزبات للشر لم يكن هناك إلا أصوات الأنانية والأثرة ولم يحطني إلا المتحذلقون المستميتون الحسودون كانوا لاهثين وراء نفايات الغير لقد رضي الآخرون بحثالة يهبها لهم قوي أو غني كانت كرامة أحدهم تنتحر على عتبات السطوة والنفوذ والغنى كنت أرى الجموع تنحدر مع السيل كنت أراهم ينزعون عنهم كل صفات النبل ورأيت التضحية والرقة والمحبة والعطاء والكرم والكرامة تذبح بسواطير أحقادهم ومصالحهم كنتُ شابة وعبرت علي السنون وعبرت عليها كانت الأيام تزداد قسوة كلما أقبلت أيامها ازدادت القسوة حتى صرت لا أرى إلا عيوناً تحسدني لأنني لم أتنجس بنفاياتهم ولم أخلع عني أثواب طهارتي ولا أثواب إنسانيتي ولا رميت يوماً ببرقع حيائي ورغم ذلك صرت فعلاً أقوى من الجميع وأقوى من الحياة نفسها كلما كبر ألمي كلما صغرت الحشود وصغرت الحياة في عيني حتى صارت الدنيا بكل ما فيها والعدم سواء ثم عرفت حقائق وحللت ألغازاً وانكشفت لعيوني الأستار وانهارت البراقع وأصبح الناس حولي يخافون مني مهما كثروا وصرت أنا أراهم لاشيء مهما كانوا وكلما اشتد خوفهم مني اشتد عداؤهم لي وازداد بي التسامح حتى غمرت الأرض موجات تسامحي وغرق العالم كله في بحار محبتي ورحمتي ولكن الكثيرون الذين كانوا يسعون كلهم لينشف تسامحي خسروا تسامحي ولم يفقدوا عدالتي وقصاصي وعندها علمت أن القصاص كان أمراً لا يمكن التنازل عنه وأن التسامح لابد أن يكون بحراً تغرق فيه آلامي وخطايا الآخرين تجاهي وكلما كنت أنقى كلما كرهني الملوثون ولما علمت أن التلوث ملأ العالم لم أهتم أن الجميع رضي بالحثالة فلقد كنت في أعلى قمة في الجبل ولم أعد أرى الناس فقد صغروا وتلاشوا ولم تعد عيناي تبصر إلا السماء ورب السماء وعندها مات أعدائي قهراً وكانوا يتغنون عني ويشعرون أنني كما قال الشاعر:

سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com