|
هوية العراق (إنسانه رخيص)!! سهيل أحمد بهجت عاد النقاش حول هوية الدّولة العراقية وبقوة بعد مشاركة العراق مؤتمر الجامعة العربية ودول أمريكا اللاتينية في الدوحة، وقد سبق لي أن كتبت أكثر من مقال حول هوية العراق، والمؤسف أن الأحزاب والجهات "المنتخبة"!! والتي كتبت الدستور هي ذاتها التي تتخاصم وتتبادل الاتهامات حول الهوية التي ينبغي تعريف العراق بها، هل هي هوية قومية أم دينية؟، والجدير بالملاحظة أن الدين نفسه يسبب نوعا من الإشكالية، كالنصوص التي تنص على "احترام الدين الإسلامي" وهي صيغة قابلة للتأويل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فقد يكون الاحترام بمعنى توفير الحرية للتدين بالإسلام ـ حاله حال الأديان الأخرى ـ وقد يستخدم النص ذاته ضد أغلبية العراقيين، كأن يُمنع المذهب الشيعي (مثلا) من التداول بحجة ـ أنه مذهب يكره الصحابة وبالتالي لا يحترم الإسلام "الأموي" ـ إذا فمشكلة الدستور هوغموضه أولا وافتقاره للحس الوطني ثانيا. أنا ضد عروبة العراق وضد جعل الإسلام دين الدولة الرسمي وضد وصفه بأي صفة عرقية ومذهبية، والذين اعترضوا على المالكي في وصفه للعراق بأنه "عربي" هم أول من طبل وزمّر للقوميين العرب وبوّسوا خدود حامي حمى البوابة الشرقية "صدام البعث"، ولماذا كانوا منافقين حينما شاركوا في كتابة هذا الدستور المريض، الأرجح عندي أنهم كتبوا الدستور بهذه الصيغ "الغيبية" ليجعلوها قنابل موقوتة وموجهة ليفجّروها حينما يريدون، وإلا لوكان نص الدستور صريحا في أن "الهوية العراقية قائمة بذاتها"، حالها حال الهويات "البريطانية" و"الأمريكية" و"الكندية" لكان حال العراقيين غير الحال ولكنا الآن دولة في طور التفوق لا التقوقع، والحقيقة أن الدستور مصاب بالعطب لأن من كتبه أرادوا منه أن يكون كذلك، والدستور نفسه إذ يعطي باليد اليمنى يأخذ ما أعطى باليد اليسرى، والمؤسف أن جهات دينية وطائفية وعنصرية متعددة ساهمت في إفشال وضع دستور قصير موجز وواضح. لا أدري، وليتنا ندري، ما الفائدة في وضع هوية دينية وقومية للعراق؟ وما الذي استفاده العراقيون طوال 80 سنة من خطاب الهوية الفارغ والاحترام الكاذب "للإسلام"!! بينما "الإنسان" المسلم قبل غيره يهان ويداس بالأقدام، فها هي الدول الغربية تتيح للمنظمات الإسلامية ولغير الإسلامية الحرية الكاملة من دون أن تكون هوية تلك الدول "مسيحية" و"يهودية"، وحتى لووضعوا هوية كهذه فهي لا تتحول، كما هوعندنا، إلى سيف رقابة مسلط على رقاب الناس. إن العراق كان موجودا كنواة حضارية قبل كل "المكونات"!! وبالتالي لا معنى من هذا النقاش الفارغ الذي يهدف من وراءه صعلوك من الصعاليك ومملوك من المماليك إلى التغلب على رقاب الناس، لا زلنا شعبا يفتقر إلى الحرية، فلم نجعلها هدفنا الأسمى ولا كانت مطمحا لنا، بل لا زالت مناطق كثيرة من العراق تعبد "البطل القومي" و"السيد بن السيد" و"العلامة الفهامة" وغيرها من خزعبلات العصور البائدة، فكان ينبغي أن يعرف العراق بأن هويته هو"العراق" ولا حاجة للمواطن العراقي بأن تلون هويته الوطنية بهوية ما ورائحة وطعم كالماء الذي يهب الحياة وهولا طعم له ولون، سوى أن العراق بلد الحرية والإنسانية ومواطنه محترم حتى لوكان أصله صينيا وهنديا وكيوليا وأي انتماء بشري آخر، ولكن ماذا نفعل بجمهرة من الأحزاب الطائفية والقومجية من التي تريد جعل العراق "سوق عكاظ" آخر، كل شيء فيه غال، إلا الإنسان فهورخيص جدا، وكان على الأحزاب الحاكمة، ويا ليت كان هناك ولوحزب واحد، يتبنى الخطاب الوطني ولا ينظر إلى كلمة عراق على أنها "فارغة تحتاج إلى إظافة تعريف"، وكأننا في صف من صفوف مدارسنا التي تخرج ـ عذرا إن قلتها ـ الأغبياء والفاشلين والرؤساء. مشكلتنا أننا لا نتعض ونحن نلدغ من الجحر ذاته لا مرتين بل ألف مرة، فرجال الدين عندنا على الأغلب، ينظرون إلى مفاهيم الحرية والديمقراطية والإنسانية نظرتهم إلى أمر مريب قد يخرج منه عفريت من عفاريت جهنم في أي لحظة، وهذه كارثة ما بعدها كارثة، فالمستبدون والمغامرون الباحثون عن السلطة يستفيدون من هذه الكوارث الكثير جدا، والفقير المسحوق يؤيد ويبصم بالعشرة لمن يتاجر بمعاناته وأطفاله.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |