|
لماذا يبحث الإنسان عن الحقيقة إلى الأبد؟
د. جواد بشارة عندما نرغب في سرد حوادث التاريخ، سيما التاريخ المليء بالخرافات والأساطير، عادة ما نبدأ بعبارة كان يا ما كان في قديم الزمان... ولكن عن أي زمن وعن أي مكان نتحدث ؟ كونت اللغات البشرية مفاهيمها النسبية عن الزمن والمكان وكرستها للاستعمال اليومي مثل، اللحظة، والدقيقة، والساعة، واليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، والـ هنا وهناك وفي ذلك المكان وتلك البقعة الخ... بيد أن غالبية سكان الأرض لا يفكرون ولا يستطيعون حتى أن يتصوروا ذهنياً، اللامتناهي واللامحدود والسنة الضوئية ناهيك عن الزمكان الآينشتيني، وهل أن هذه المصطلحات تعني أشياءً ملموسة ومنظمة بأبعادها المعهودة؟ فكل كائن حي يحدد محيطه المكاني أو المكان الذي يخصه وما يتبع ذلك من تحديده للحيز الآمن، ومكامن الخطر، والتبعية والاستقلالية، وبالتالي يحدد الفضاء الاجتماعي الذي يناسبه. أما عن الزمان فهو كالكائن الخرافي غير المرئي، إنه يجتازنا أو يخترقنا ويرافقنا منذ الـ ماقبل إلى الـ ما بعد لا نعرف له بداية ولا نهاية. ولكن ما أن ندخل معقل الفيزياء الكوانتية أو فيزياء الكم حتى تلغى الحدود والمسافات والأوقات وكل المفاهيم المتعارف عليها. تعلمنا في الفيزياء الكلاسيكية أن المادة والطاقة لاتفنى ولا تستحدث من العدم وإنما يمكن تحويل إحداها إلى الأخرى وبالعكس، وأن الزمن يتباطأ والمسافات تتقلص وتقصر كلما زادت سرعة الجسم خارج نطاق المدار الأرضي حتى يصبح الزمكان لاشيء إذا بلغ الجسم سرعة الضوء أي 300000 كلم في الساعة . ليس من السهل فيزيائياً شرح وتوضيح العلاقة بين السرعة والزمن والمكان على الأرض لكن ذلك يبدو بديهياً عندما يتعلق الأمر بالفضاء الخارجي. فالأرقام الفلكية المتعلقة بالمسافات في الفضاء والتي تحسب بالسنوات الضوئية ـ أي ما يقطعه الضوء بسرعته الهائلة لمدة سنة أرضية واحدة ـ لا يمكن استيعابها سيما إذا كانت تتعلق بالمسافات الموجودة بين المجرات والتي تحسب بآلاف المليارات من السنوات الضوئية . فنحن البشر لا ندرك أننا جزء لا يتجزأ من نسيج الكون أي أننا جزء لا ينفصل عنه كما بين ذلك البيرت آينشتين في نظريته النسبية. يعتقد أكثرنا أننا منفصلون عن الكون حتى لو كنا في داخله وأنه وعاء مستقل بأبعاده المطلقة ونحن شيء مستقل عنه، ولكن في الحقيقة نحن لم ولن نكون منفصلين أو مستقلين عن الزمكان أو الفضاء وبعده الرابع الذي يحتوينا، تماماً كعلاقة الموجة بالماء، أي أننا لسنا سوى فرادة متميزة من مكوناته تتميز بملكة العقل والتفكير والتأمل. ومن هنا لا يمكن للإنسان إلا أن يفكر بالكون ويتأمل في حقيقته وتاريخه ومصيره، يحسب ويدقق ويقيس ويدرس ويجري التجارب لمعرفة بدايته ومآله أو خاتمته إذا كان له بداية ونهاية. بيد أن المسافات المذهلة بين مكونات الكون تقف حائلاً دون توصل الإنسان إلى الحقيقة. ما هو السبيل لقطع تلك المسافات الفلكية وتجاوز حدود مجموعتنا الشمسية إلى تخوم مجرتنا درب التبانة، ومن ثم الخروج منها لزيارة المجرات المجاورة لها والتي تبعد عنها ببضعة عشرات أو مئات المليارات من السنوات الضوئية؟ فهذه العوالم بعيدة جداً وتحتاج إلى وقت طويل يحسب بمليارات السنوات الضوئية أيضاً لبلوغها، لكنها بعيدة بالنسبة لنا ولمحدودية سرعتنا في التنقل والترحال والتجول في الفضاء الخارجي. تخبرنا النظرية النسبية بأنه لا يمكن لأية كتلة مادية أن تنتقل بسرعة تفوق سرعة الضوء لبلوغ هدف ما فسرعة الضوء هي الثابت الكوني المطلق في هذه النظرية ـ أثبتت تجارب مختبرية حديثة سنة 2008 إمكانية تجاوز سرعة الضوء ـ وقد أظهرت الديناميكية النسبوية بأن طاقة الجسم المادي تتزايد طردياً مع تزايد سرعته وتصبح طاقة لا متناهية عندما يبلغ الجسم سرعة الضوء لذا لن تكون هناك مركبة فضائية بشرية يمكن أن تبلغ أو تتخطى سرعة الضوء لأنه لا يمكن للبشر تزويد مثل هذه المركبة بطاقة تفوق الطاقة اللامتناهية وهذا ما سوف يمنع البشر من إجراء اتصالات مع عوالم توجد خارج المجموعة الشمسية عدا بعض النجوم القريبة من المجموعة الشمسية كنجمة بروكسيما دي سونتور Proxima du Centaure التي تبعد عن الأرض 4 سنوات ضوئية، فغالبية النجوم في مجرتنا تبعد عنا آلاف السنوات الضوئية، والكثير منها يبعد عنا ملايين السنوات الضوئية. وتأتي النظرية النسبية لتقدم لنا الحل والوسيلة التي تقلص المسافات بشرط التمكن من السفر بسرعات كبيرة تقرب من سرعة الضوء. وإذا استحال علينا اليوم السفر بسرعات كبيرة فنحن نأمل أن تسعفنا التقنيات والتكنولوجيا المستقبلية في الاقتراب من سرعة الضوء وبلوغ سرعة المليار كلم في الساعة. فلو تخيلنا في المستقبل البعيد نجاح الإنسان في صنع سفينة فضائية تتزايد سرعتها تدريجيا وتبحر في الفضاء لزيارة مجرة آندروميد Andromède المجاورة لمجرة درب التبانة والتي تبعد عنها بـ 2 مليون سنة ضوئية أي حوالي 10000 مليار كلم، سوف يكتشف رواد المركبة الفضائية البشرية ظاهرة مثيرة وعجيبة وملفتة للانتباه. فالرحلة ستستغرق زمناً طويلاً وعليهم اتخاذ كافة وسائل الراحة والاحتياطات اللازمة التي اعتادوا عليها على الأرض والتعود على تنامي التغيير في الجاذبية أو الثقالة، والتأقلم مع عملية التسارع التدريجي. تنطلق المركبة من سرعة صفر وتزداد تدريجياً لتصل خلال الخمس دقائق الأولى إلى 10000 كلم في الساعة وتقطع مسافة 1350 كلم عن الأرض وبعد ساعة من الانطلاق تبلغ المركبة سرعة 130000 كلم في الساعة وتبتعد مسافة 200000 كلم عن نقطة الانطلاق وبعد بضعة دقائق معدودة تتجاوز المركبة مدار القمر على بعد 350000 كلم من الأرض وبعد انتهاء اليوم الأول من الرحلة تطير المركبة بسرعة 3 مليون كلم في الساعة وتقترب من مدار كوكب المريخ . وستحتاج المركبة الفضائية الأرضية في رحلتها العجائبية هذه إلى أسبوع لتتجاوز حدود مجموعتنا الشمسية واجتياز مدار كوكب بلوتون آخر كواكب مجموعتنا الشمسية وأبعدها عن الشمس لتقطع مسافة تبعد أكثر من 5 مليار كلم عن الأرض. في هذه المرحلة من الرحلة تبلغ المركبة سرعة 20 مليون كلم في الساعة وهي السرعة التي تجعل المركبة تقطع المسافة بين الأرض والقمر في دقيقتين. وبعد مضي 8 أشهر على بدء الرحلة تبلغ المركبة سرعة 650 مليون كلم في الساعة أي حوالي ثلثي سرعة الضوء تقريباً. هنا وفي هذه المرحلة سوف يلاحظ طاقم المركبة تغيراً ملموساً في نظام الإبحار ولوحة القيادة وعند القيام بالقياسات الرياضية العلمية لمعرفة ما تبقى من مسافة لبلوغ مجرة آندروميد سيلاحظون أنهم قطعوا بالفعل ربع المسافة التي تفصلهم عن الهدف، أي مجرة آندروميد، عكس توقعاتهم وحساباتهم التقليدية التمهيدية التي أجروها على الأرض، وسوف تبدو مجرة آندروميد على مبعدة 5،1 مليون سنة ضوئية بينما كان التقدير الحسابي للمسافة هو 2 مليون سنة ضوئية. فكيف تم اجتياز 500000 سنة ضوئية في غضون ثمانية أشهر أرضية فقط، لأنه حتى لو أبحرت المركبة بسرعة الضوء ما كان بالإمكان اجتياز أكثر من 8 أشهر ضوئية حسب الحساب الأرضي؟ وعندما يحاول رواد المركبة الفضائية الأرضية قياس المسافة التي تبعدهم عن الأرض سوف يجدون أنها ما تزال قريبة بل ربما أقرب مما اعتقدوا. ليس فقط أن الأرض لاتبعد عن المركبة بمسافة 500000 سنة ضوئية، ولا حتى 8 أشهر ضوئية، بل ولا حتى المسافة الفعلية التي قطعوها، فحسب بل هي أقصر بمقدار الربع من المسافة المقطوعة فعلاً. عند ذلك سيكتشف رواد المركبة الأرضية أنهم بسفرهم بسرعة تقرب من ثلثي سرعة الضوء سيخلقون تقلصاً بمقدار الربع من المسافة المقطوعة. وهذا ليس وهماً أو خيالاً علمياً بل حقيقة علمية محضة تطرقت إليها وتناولتها النظرية النسبية بإسهاب . فالفضاء أو المكان ليس مطلقاً بل نسبياً وكذلك الزمن. فعندما نراقب مجرة آندروميد من الأرض ونقيس المسافة نجد أنها تبعد 2 مليون سنة ضوئية لكن هذه المسافة تتغير تبعاً لتغير سرعة المراقب للمجرة الذي يقوم بالقياس بين المجرة والأرض ولو قام أحد بالقياس وهو يطير بسرعة الضوء فإن المسافة بين الأرض ومجرة آندروميد ستنعدم distance nulle. ولو عدنا إلى رحلة المركبة الفضائية الأرضية المتجهة نحو مجرة آندروميد، بعد سنة من انطلاقها وبنفس ظروف التسارع الثقاليaccélération gravitationnelle واقتراب سرعتها من سرعة الضوء فإنها ستصل في لحظات معدودة إلى نصف المسافة المحسوبة على الأرض بين هذه الأخيرة ومجرة آندروميد أي إلى نقطة تبعد بالتساوي بين الأرض والمجرة. وعند القيام بمناورة معاكسة للعودة إلى الأرض ستختصر المركبة المسافة إلى النصف وتستغرق الرحلة ذهاباً وإياباً سنتين أرضيتين لتجد أن الزمن قد سار بانسيابه الطبيعي وإنه مضى على الأرض مئات السنين. لايمكننا معرفة حدود الكون اليوم فمجرتنا درب التبانة وحدها تضم أكثر من 200 مليار نجمة مع ملحقاتها وتوابعها من الكواكب والأقمار الطبيعية وهناك مليارات النجوم المشابهة لشمسنا بالحجم والتركيبة، ومنها 100 مليار تحوي مجموعات شمسية وكواكب تشبه كواكب مجموعنا الشمسية. وهناك 4% كتقدير متوسط من تلك المجموعات الشمسية، أي حوالي 4 مليار يمكنها أن تحتوي على الحياة الذكية وذلك داخل مجرتنا وحدها حسب تقديرات العلماء المتخصصين في هذا الحقل . ما تزال عملية ولادة نجوم جديدة مستمرة من الغيوم الغازية nuages de gaz والبلازما الفلكية plasma galactiques ومن خلال التحليل الطيفي للضوء القادم من تلك النجوم والمجموعات الشمسية يتضح أن هناك وجود طاغي لعنصر الليثيوم Lithium وعنصر البور bor وعنصر البيريليوم béryllium ولهذا الاكتشاف دلالة بالغة الأهمية إذ أن هذه العناصر الثلاثة هي التي ظهرت في فجر تكون وولادة الكواكب في المجموعات الشمسية. وكما يقول عالم الفلك فرد هويل Fred Hoyle إن من المؤكد تقريباً بأن التركيبة الكيميائية للكون هي ذاتها في كل مكان وزاوية منه. فالكتلة الكلية للكون تتكون من 90% من الهيدروجين و 9% من الهليوم وتسعة أعشار الواحد المتبقي مكون من الأوكسجين والكاربون والنيون والآزوت. وهي نفس العناصر الموجود في تركيبة الكواكب. ويعتقد الخبراء المتخصصون بأن الغلاف الجوي البدائي لكل الكواكب في الكون يتكون من نفس هذه العناصر. وحسب تجارب ميللر miller و بونامبيرونا Ponnampéruna عرفنا أن تلك الأغلفة الجوية، لاسيما المشابهة لغلاف الأرض، هي التي تقوم بخلق وتوليد المكونات العضوية للمادة الحية إذا توفرت عوامل خارجية محفزة كالرعد والبرق والأعاصير والزوابعéclairs et Orages. من هنا بوسعنا الاعتقاد أن الحياة يمكن أن تظهر وتتطور في عدد هائل من كواكب الكون كلما توفرت الظروف المناخية والطبيعية الملائمة واللازمة لذلك والتي تقوم بعملية التفاعلات الكيميائية المكثفة والمتعددة بين الجزيئات العضوية Les Molécules بغية خلق الحياة وخلق الكائنات الحية غير الأرضية. ولكن هل الكائنات الحية غير الأرضية مجرد أوهام صنعها الخيال الجمعي لبني البشر؟ أيعقل أن تكون المعادل للجان والشياطين والعفاريت التي تزدحم بها الكتب السماوية؟ هل هم موجودون فعلاً؟ ومن هم أصلاً؟ إننا نقول هم ولانعرف عن أية هيئة أو أشكال لتلك الكائنات، ذلك أننا إن تحدثنا عنهم فإنما نتحدث عن شيء نجهله تماماً. أمن الممكن أن تحصل تغييرات جذرية بعد لقائهم وتعيد البشرية النظر في حساباتها ومعتفداتها، أم أن الدهشة المنبثقة عن اكتشافهم سرعان ما ستخبو ليعود كل شيء إلى ما كان عليه سابقاً؟ فالحياة ليست سوى نتيجة طبيعية لتطور الكون وكلما ازداد عدد النجوم المشابهة لشمسنا في مجرات الكون اللامتناهية في العدد سيكون هناك حتماً كائنات وحضارات فضائية متقدمة ومتطورة، عاقلة وذكية، منها ما يشبه البشر في كل شيء تقريباً، ستحاول الاتصال بنا كما نعمل نحن اليوم للاتصال بها بإمكانياتنا التكنولوجية البدائية الحالية. ويمكننا تصور الكون باعتباره كينونة حية ومفكرة تضم كل المخلوقات في الوجود وليس فقط كوننا المادي الظاهر والقابل للمراقبة أو بعبارة أخرى يمكننا اعتبار الكون الظاهر تجلي ملموس للخالق المبدع ودلالة على وجوده لكنه قطعاً ليس الإله الذي وصفته وقدمته لنا الأديان السماوية والوضعية واحتكر معرفته والاتصال به رجال الدين وحدهم. وعلينا أن نتأمل في قول آينشتاين بخصوص علاقة الإنسان بالكون: "لا يستطيع العقل الإنساني في ما وصل إليه من تطور في الوقت الحاضر أن يحيط بالكون، إننا أشبه بطفل صغير يلج مكتبة كبيرة مليئة بالكتب حتى السقف وتتوزع بين لغات مختلفة، إن الطفل على علم مسبق بأن هناك من هو مسؤول عن كتابة محتويات هذه الكتب، إلا أنه لا يدري من هم هؤلاء الذين ألفوا الكتب وكيف أنجزوا هذا الكم الهائل من المؤلفات والكتب، كما أنه لا يفهم اللغات التي سطرت بها تلك الكتب، وعلى الرغم من ذلك يستطيع الطفل أن يتحسس خطة محددة في ترتيب تلك الكتب، إنه تنظيم غامض لا يستطيع فهمه بشكل كامل، ولكنه يستطيع إدراكه على نحو مبهم" أي أن هناك إدراك غريزي لدى الإنسان بما حوله وما يحيط به من وجود وكائنات. وهذا هو شأن الإنسان اليوم وعلاقته بما يحيط به من عوالم ومخلوقات. وكما يعتقد فيرنر فون براون Warner Von Braun مخترع القنبلة الذرية وعالم الفيزياء النووية الشهير في كتاب " وجود الكائنات الفضائية" أننا لايمكن أن نكون المخلوقات الوحيدة العاقلة في هذا الكون ولايمكن أن يكون هذا الكون الشاسع خالي من الحياة الذكية عدا ما هو موجود في كوكب الأرض الذي لايمثل أكثر من ذرة غبار في صحاري الأرض مقارنة بعظمة وحجم الكون وبالتالي لايمكن أن يكون الكون عبثياً ومجرد أكسسوار للأرض والحياة البدائية فيها وإنما يحتوي بكل تأكيد على حيوات عاقلة وذكية ومتطورة جداً وتسبقنا بملايين السنين" ويقول علماء آخرون أن تلك الحضارات الكونية المتقدمة تراقب كوكبنا وترعاه عن بعد وتسجل كل ما يجري فيه من تطورات وأحداث على مر الزمن وتقوم بأرشفة تاريخه، وسوف تعرض علينا تلك الوثائق Documentations السمعية ـ البصرية والمجسمة لتكشف لنا كل شيء بما في ذلك سر الحياة وأصل المادة ومصير الوجود ولكن بعد أن ينضج الإنسان بما فيه الكفاية ويصبح عقله جاهزاً لتقبل الحقائق كما هي لا كما وردت إليه بأقلام البشر والمنتفعين وأصحاب المصالح وعقولهم القاصرة، والذين قاموا بتشويه ومسخ حقيقة ما جرى منذ ملايين السنين إلى يوم الناس هذا. فالحضارات الكونية العديدة التي زارت الأرض منذ ملايين السنين وحتى عصرنا الحاضر تكتفي بالمراقبة عن بعد وبالاتصالات المحدودة والمنتقاة بعناية فائقة مع نخبة من البشر، من العباقرة والعلماء والمفكرين، والتدخل لإنقاذ الإنسانية من تدمير نفسها بنفسها في حالات الضرورة القصوى ولكن بصورة خفية وغير معلنة . وهناك معادلة علمية معروفة بإسم معادلة غرين بانك équation de Green Bank وضعها العالم الحائز على جائزة نوبل ملفين كالفن Melvin Calvin ومن حوله علماء معروفين ممن يتمتعون بمكانة علمية رفيعة مثل كارل ساغان Carl Sagan و أوتو ستروف Otto Struve و فيليب موريسون Philip Morrison و سو شو هيونغ Su Shu Huang تحسب الحد الأقصى والأدنى للحضارات الكونية التي تحوي حياة عاقلة وذكية متطورة ومتقدمة تكنولوجياً وقدرت تلك المعادلة العدد الأدنى بـ4 آلاف والعدد الأقصى بـ 50 مليون في مجرتنا درب التبانة وحدها حسب نتيجة هذه المعادلة N=R+fp ne fl fi fc L حيث يرمز كل عنصر من عناصر المعادلة إلى مايلي: R+ يشير لمتوسط عدد النجوم المشابهة والمعادلة لشمسنا التي تولد كل سنة. fp ويشير إلى عدد النجوم القابلة لاحتواء كائنات حية. Ne يشير لمتوسط عدد الكواكب التي تدور في فلك شموسها والتي توفرت فيها الشروط اللازمة لنشوء وتطور الحياة فوقها . طبعاً الحياة كما نعرفها وندركها نحن البشر على الأرض. fl ويشير إلى متوسط عدد الكواكب التي يمكن أن تتطور فيها الحياة . fi ويشير لمتوسط عدد الكواكب التي يعيش فيها أقوام وكائنات بلغت حداً من الاستقلالية في الفعل والعمل . fc ويرمز لقسم من الكواكب التي تحتوي على شعوب متطورة توصلت إلى مرحلة متقدمة وحضارة تقنية رفيعة. L ويشير إلى متوسط عمر حضارة، نظراً إلى أن حضارتين متشابهتين ومتعادلتين لاتمتلكان أية فرصة للتلاقي والاتصال فيما بينها ـ بسبب المسافات الكونية الهائلة التي تفصل بينهما ـ وكان مدير العلاقات العامة في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا NASA وهو آلبرت شوب Chop قد كتب سنة 1965 " مما لاشك فيه أننا مراقبون من قبل حضارات كونية خارج الأرض . وقد علق عليه مك غوان Mc Gowan " كان عليك أن تقول نحن محكومون من قبل تلك الحضارات وليس مراقبون فقط . وأعقب عليه بالقول الأب المخترع للصواريخ البروفيسور أوبيرث Pr Oberth بالقول " إن أطروحتي تثبت أن حضارات كونية متقدمة تكنولوجياً جداً ومتفوقة علينا كثيراً تعرف الأرض وتراقبها باستمرار وقد قامت بزيارات عديدة منذ آلاف السنين بمركبات فضائية ذات تقنيات ومحركات دفع لايمكن تخيلها من قبل الإنسان وهي قادمة من خارج مجرتنا ولديها محطات وقواعد على بعض كواكب مجموعتنا الشمسية كالمريخ وهي تعرف كل شيء عنا لأنها هي التي أوجدتنا على الأرض". ويخطط الإنسان اليوم لإنشاء محطات فضائية دائمة في الفضاء وعلى سطح القمر تكون نقاط انطلاق لرحلات فضائية أبعد لاكتشاف تخوم الكون ويسعى للقيام باتصالات كونية مع حضارات أخرى حين تتهيأ له الفرصة والقدرة التكنولوجية لذلك. وهكذا انتقلت فرضية وجود حياة وحضارات كونية خارج الأرض من مجال الخيال العلمي والأطباق الطائرة Ovnis إلى مجال العلوم التطبيقية والمختبرية والقيام بالأبحاث الجوهرية سيما داخل منظمة سيتي Search for Extraterrestrial Intelligence- SETI للبحث عن حياة ذكية لا أرضية أو خارج الأرض. والقيام باتصالات صوتية لاسلكية بأجهزة راديو تلسكوبية radiotélescopes ضخمة في كل مكان على الأرض في محاولة لتسلم أو تلقي رسائل صوتية تأتينا من حضارات أخرى من عمق الفضاء. ووفق مبدأ اللامركزية الكونية، لم تعد الأرض، مركزاً للكون كما كان يعتقد الإنسان في الماضي وما أدخلته في ذهنه الأديان السماوية من مفاهيم عن مكانته وأهميته في الوجود، وبات بمقدور أي كوكب يدور حول نجم أن يبدع نمطاً حياتياً في إطار اشتراطات معينة، عبر معادلة دريك-ساغان عن هذه الإمكانية، إذ ربطت احتمالها بعدة عوامل كسرعة ولادة النجم في مجرتنا وتواجد كوكب يحقق اشتراطات دنيا لإيواء الحياة واحتمال إقلاع ظاهرة الحياة عليه وارتقائها من ثم إلى حضارة، وأخيراً وليس آخراً العمر المتوسط للحضارة التكنلوجية، لكن المعادلة على الرغم مما جرى حولها من مناقشات لم تفلح في حسم معضلة الكائنات الحية غير الأرضية، لقد تعزز مبدأ اللامركزية إثر الاكتشافات المثيرة التي حدثت مؤخراً والتي أكدت وجود المواد الضرورية للحياة في الفضاء الكوني حيث تنخفض الحرارة إلى ما دون 270 تحت الصفر المئوي، وكأنا بتلك المواد تنتظر الظروف الملائمة كي تنتشر وتبعث بنمط جديد إلى مسرح الحياة، لربما أنها تساقطت على الأرض في أزمان موغلة في القدم وبرزت الحياة على الأرض من ميتات النجوم المنتمية إلى الجيل الأول من النجوم الكونية منذ عدة آلاف من ملايين السنين، لقد حقنت السحابة البدئية الجنينية مجموعتنا الشمسية وبغزارة بتلك المواد وكان أن دخلت تلك المواد في خلايانا ونسجينا، ويمكننا القول حقاً أننا من الغبار الكوني أتينا وإليه نعود، لا بل إن فروقنا الفردية قد تعزى إلى الأصول المتباينة لتلك المواد، الحديد في دمائنا مثلاً يرجع إلى تفجر النجوم القديمة الأكبر كتلة من الشمس، فكلما كان النجم أعظم كتلة مزق نفسه بسرعة ملحوظة، يقودنا ما تقدم إلى احتمال أن يكون الكون بأسره كائناً حياً هائلاً وأننا لسنا فيه إلا خلايا صغيرة مفصولة، وما هم فيه أيضاً إلا خلايا مشابهة، يبسط هذا الافتراض الإشكالية المتعلقة بمبدأ الشمولية للقوانين الفيزيائية حيث تعزى الشمولية في حالة هذه القوانين إلى ضرورة اتساق وتآلف الأجزاء المختلفة للمتعضية الحية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |