مقبرة الإمبراطوريات .. خوفاً من مستنقع أفغانستان!

 

أ.د. سّيار الجميل

akhbaarorg@googlemail.com

أقّر الجنرال بتريوس قائد القيادة المركزية الأميركية، بأن أوضاع أفغانستان تتجه نحو الأسفل، ويحتمل أن تزداد سوءا، وان السياسات المتبعة في العراق، لا يمكن أن تكون حلا لمشاكل أفغانستان. إن التهديدات قوية فيها، وان الغزو الأميركي الذي أطاح بطالبان عام 2002، لم يقض قضاء مبرما على حركتها وعناصرها، إذ أنها وبمساعدة عدة أطراف قد استعادت السيطرة على مناطق كبيرة من البلاد. ذلك أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم تتمكن من الحفاظ على المكاسب التي حصلت! ويضع بتريوس اللائمة ضمن ثلاثة عوامل أساسية لنمو الإرهاب الآن، هي: تمويل من تجارة المخدرات، والملاذات الآمنة في باكستان، والإحباط من جراء بطء التنمية في تلك البلاد المنسحقة.

وأضاف: «يجب مساعدة شركائنا الأفغان، وتهيئة قوتهم لالتقاط الأنفاس التي سوف تتيح للشعب أن يصمد بنفسه أمام الإرهاب لأن الشعب العراقي كانت له تجربته الذاتية من خلال حركات الصحوة هناك«. كما ينبغي البدء في توفير الخدمات الأساسية، بدلا من مجرد بقاء الأفغان كالأشباح يكافحون من أجل البقاء». لقد أمر الرئيس باراك أوباما بمزيد من القوات الأميركية، وإرسال 17000 مقاتل لدعم 38000، مع دعم عدد من القادة الميدانيين هناك من أجل مضاعفة عدد القوات الأميركية إلى 60000. وحسب بتريوس، فإن الطفرة الكبيرة التي حدثت في العراق، والتي لا يمكنها أن تحدث في أفغانستان بسبب اختلاف البنية التحتية بين البلدين.. وعليه، فهو يحتاج إلى المعاندة في ملاحقة الأعداء المتطرفين ـ حسب تعبيره ـ، ولابد من بناء وتطوير الشريك، وتقديم المساعدة إليه!

فما الوضع في أفغانستان؟ من المؤكد أن طالبان تتلقى مساعدات كبيرة من أطراف عدة، كما أن زراعة الأفيون وإنتاجه وتهريبه، تعد دخلا أساسيا في تغذية طالبان بالموارد.. وان العمق الباكستاني بكل ما له من مؤيدين أقوياء يشكل حاضنة ووعاء لعودة طالبان إلى الواجهة، وبكل شراستها هذه المرة.. خصوصا وأنها تشعر اليوم بقوتها أمام تراجعات السياسة الأميركية عقب مجيء اوباما إلى سدة الحكم. إن هناك من يقول بأن الحالة ضبابية اليوم، وان مجرد إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان قد لا يكون كافيا. وعليه، هل يمكن للرئيس أوباما أن ينجح في مهمته بأفغانستان؟ وهل له الصبر الطويل أمام تلك التي يسمونها منذ فترة طويلة بـ «مقبرة الإمبراطوريات»، إذ أنها قادرة على سحق المحتل الأجنبي منذ 2000 سنة؟

إن الخلل ليس في متغيرات اوباما، بل بدأت المعاناة الأميركية منذ إدارة بوش التي اهتمت بالعراق استراتيجيا، إذ نقارن قوة الإنفاقات على الحرب في العراق منها في أفغانستان، فضلا عن أن بعض المخططين العسكريين والخبراء السياسيين قد عبروا عن أسفهم لقلة الجنود هناك من اجل الحفاظ على بلاد واسعة، والخشية من الانزلاق إلى سيطرة حركة طالبان. لقد ازدهرت حركة التمرد منذ ذلك الوقت، وبدأ تحرك مقاتلي طالبان مستغلين مساحات هائلة من الأراضي، وخاصة في الجنوب، ولم تتمكن قوات حلف الأطلسي من ملء الفراغات الجغرافية الصعبة.

منذ دخول أوباما البيت الأبيض، بل ومنذ زمن الحملة الانتخابية، فقد وعد بإرسال اثنين من ألوية إضافية والمقدرة بـ 7000 جندي إلى أفغانستان. وعندما مّرت فترة الانتقال، اظهر بعض المخططين العسكريين الأميركيين عن خطط إضافية لإيصال عدد جنودهم إلى 30000 جندي. ولكن ؟ لماذا بدأ اوباما بإجراءات جديدة، وخلال أيام من توليه منصبه، وخصوصا تعيينه ريتشارد هولبروك، مهندس اتفاقات السلام في منطقة البلقان، من اجل تنفيذ سياسة جديدة في أفغانستان ؟ ولماذا ازداد الجدل بين الأميركيين حول ما سمي بـ «الطفرة»، إذ كيف يمكن للقوات أن تنجز عملياتها في ظل تحركات سياسية جديدة ؟

أفغانستان هي نفسها التي قرأت عن تاريخها كونها من أصعب البلدان التي استعصت كثيرا على كل الغزاة الكبار والصغار.. إنها تستوعب الضربة القاسية، ولكنها تبقى تنام بعين واحدة، ثم تستعيد نشاطها من دون أن تغير جلدها أبدا. وهكذا، كان لابد لكل من استعادة سلسلة القصة الطويلة دوما بدءا باحتلال الاسكندر المقدوني ووصولا إلى البريطانيين عام 1880 ومرورا بالسوفييت بعد مائة سنة بالضبط في الليلة الأولى من عام 1980 وانتهاء بالأميركان عام 2002.. إن المشكلة في أفغانستان لا تكمن بالهيمنة على الريف، بل في السيطرة على المدن.

واليوم، يقّر الأمريكان باختلاف العراق عن أفغانستان اجتماعيا وبنيويا واقتصاديا وحضاريا، فالمجتمع العراقي مدني ومتعايش بطبعه. أما الأفغاني فهو قبلي في مجمله، وقد أنهكته الصراعات الداخلية ولكنه قابل لاستيعاب التطرف وحاضنة لتنظيم القاعدة.

إن خططا أميركية اليوم للاهتمام بأفغانستان وكيفية التعامل مع مستنقع صعب، مع انتقادات للرئيس حامد قرضاي مدلل الإدارة الأميركية السابقة، بعد انطفاء بريقه، فهو عاجز على اعتقال أباطرة المخدرات، ولا يستطيع الخروج من قصره المحصن بالدبابات في كابول. ويبدو أن الأوضاع الأفغانية ستتبلور عن مستجدات جديدة تكمن من ورائها أسرار لا يبوحون بها.. منها ما يتعلق بتحقيق أهداف شركات متحالفة في أفغانستان لا يهمها إلا مصالحها على حساب رمي الأموال والأرواح أسفل حفرة الجرذان، كما وصف العملية اندرو بيجافيج في كتابه الجديد: «حدود القوة: نهاية الاستثنائية الأميركية»!

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com