|
قرارات دول مجموعة العشرين .. والاقتصاد العراقي .. (الجزء الاول)
د. كمال البصري تتناول مناقشة اثار قرارات مجموعة العشرين على الازمة المالية العالمية ومن ثم على الاقتصاد العراقي. وبعبارة اخر تدارس التأثير على: الايراد الحكومية وعلى التجارة الخارجية والاستثمار الاجنيي، واخيرا على الدعم العالمي المتمثل بالقروض الميسرة والدعم الفني.
1. المقدمة: عقد الدول المؤلفة لمجموعة العشرين والمعروفة G20)) بلندن وفي 2-4-2009 اجتماعا استثنائيا لمناقشة سبل معالجة الازمة المالية. ومجموعة العشرين تشمل كلا: من جنوب إفريقيا وألمانيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية والأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والهند، وإيطاليا واندونيسيا واليابان والمكسيك والمملكة المتحدة وروسيا وتركيا ويتشكّـل العضو الـ 20 في المجموعة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك المركزي الأوروبي. وتشكل مجموعة العشرين نحو 85 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي. أنشئت هذه المجموعة سنة 1999، في أعقاب الازمة المالية التيْ ضربت بلدان جنوب شرق آسيا، والمجموعة عبارة عن منتدى للحوار بين الدول المتقدمة والاقتصاديات الناشئة بهدف تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي، وتمخضت اجتماعات قمة G20)) بالقرارات التالية: اولا: تقديم تسهيلات مالية، تتضمن تقديم (500 بليون دولار) لصندوق النقد الدولي لمساعدة الدول الدول التي تحتاج الى دعم، و (250 بليون دولار) لتنشيط التجارة العالمية، و (250 بليون دولار) لزيادة قدرة صندوق النقد الدولي في تقديم القروض للدول المدينة له، و (100 بليون دولار) لبنك التنمية العالمي لدعم الدول الفقيرة، و تقرر ان يقوم الصندوق النقد الدولي ببيع جزء من احتياطي الذهب لزيادة الاقراض للدول الفقيرة، ثانيا: خفض سعر الفائدة وتشديد الرقابة على عمل المصارف، واخيرا خفض الضرائب وتشجيع الانفاق الحكومي. ولا شك ان لهذه الاجراءات من اثر الايجابي في تخفيف حدة الازمة ابتداءا من النصف الثاني من العام الحالي (اذا ما التزمت الدول بوعودها) وعادت الثقة المصرفية. الا اننا لا نتوقع عودة الحياة الاقتصادية العالمية الى ما كانت عليها قبل الازمة الا بعد عامين او ثلاث اعوام. وحيث ان الازمة المالية العالمية السائدة هي ازمة سوء ادارة مالية ناجمة من النزعة الى توسيع رقعة الاسواق المالية على حساب عدم الالتزام بالضوابط والقيود. اذ لم يكن التوسع ضمن الضوابط المنطقية مع الاخذ بنظر الاعتبار الاثار المترتبة على انعكاسات قانون تناقص الغلة. الذي حصل هو التغافل بالسعي وراء الاهداف قصيرة الامد والتمادي في تقديم القروض (حتى للفئات ذات الخطورة في استرجاع قيمة القرض). انها مشكلة تغافل دور الدولة في الحفاظ على الصالح العام بمراقبة اداء المؤسسات المالية ، والاسراف بالتوسع بتوفر السيولة النقدية. بعبارة اخرى انها مشكلة الافراط بتحقيق الارباح والتفريط بالضوابط. وحيث ان المصارف (في العالم المتقدم) تمثل القلب النابض بالسيولة النقدية الضرورية لتغذية النشاطات الاقتصادية، وان شحة السيولة من شأنها ان تعطل الحركة الاقتصادية. وعليه فقد شهد العالم منذ النصف الثاني لعام 2008 هبوط متزايد في النشاط الاقتصادي. الامر دعى المؤسسات المالية (كصندوق النقد الدولي وغيرها) الى اعطاء صورة قاتمة عن عام 2009 و 2010 . ان تجاوز الازمة يتطلب ضخ سيولة نقدية، وتنشيط الانفاق مع الالتزام بالضوابط الضرورية. وعلية فان قرارات قمة G20)) تصب في الحاجة، وان نتائجها يعتمد على سرعة التنفيذ ومدى الالتزام بالتشاور واستمرار التعاون الاقتصادي. وتشير الدراسات المعتمدة من قبل صندوق النقد الدولي الى الازمة المالية ستسبب هبوط بنسب الناتج المحلي الاجمالي على الصعيد العالم اجمع وامريكا واروبا. لاشك ان هذا الهبوط في الناتج المحلي سيؤدي الى : أ. انخفاض الطلب على النفط الخام: تسبب حالة الكساد التي يشهدها العالم، الى انحسار الطلب على النفط الخام، وهذا الانحسار سوف لا يقتصر على دول العالم الصناعية التقليدية بل يشمل حتى الصين والهند. من المتوقع ان ينخفض الطلب على النفط في 2009 بحدود 1.8 مليون برميل باليوم. في مقابل ذلك اتخذت دول الاوبك اجراءات من شأنها الحفاظ على سعر النفط من خلال خفض الانتاج. ب. انخفاض الاسعار: فقد شهدت السوق الدولية هبوطا كبير في اسعار النفط الخام بعد ان تجاوزت في العام الماضي 120$ للبرميل الواحد، وصلت الان بحدود ( 35 -45 )$. في دراسة تقدمت بها مؤسسة CERA عن الاسعار، اخذة بنظر الاعتبار الاحتمالات المختلفة وتوصلت الى وجود ثلاث سيناريوهات ( لكل من سوق دبي، وبرنت، ويست تكساس)، ونشير هنا للاختصار الى سوق دبي فقط: الحالات الثلاث اعلاه تعكس تفاعل المتغيرات الاساسية في سوق النفط: الازمة المالية، وجود الفائض النفطي، وقدرة اوبك في ضبط عرض النفط، وتأثير معدل نمو الدول الاسيوية الرئيسية كالصين والهند. ان تفعيل قرارت قمة دول العشرين سوف تنقل دول العاالم من الحالة الاولى. 2. الازمة المالية وتداعياتها على الاقتصاد العراقي: ان شدة ترابط الاقتصاد العراقي مع العالم الخارجي محدودة. اذ ان الجزء الاكبر من النشاط الاقتصادي هو قطاع عام يمول من موازنة الدولة ولايعتمد على استثمارات خارجية، ولا يملك اسهم في مؤسسات خارجية. ولكي نفهم طبيعة الاقتصاد العراقي، لابد من دراسة مؤشرات الناتج المحلي. التي تشير الى تخلف ان واقع حال الاقتصاد العراقي يتصف بالضمور والتخلف التكنولوجي بكل قطاعاته. فهو يكاد يستورد كل شئ ولا يصدر غير النفط الخام. ويتأثر الاقتصاد العراقي بالازمة العالمية من خلال النوافذ التالية: نافذة الايرادات الحكومية من ثم التخصيصات الضرورية للاعمار، التبادل التجاري والاستثمار الخارجي، والدعم الاجنبي. 1) نافذة الايرادات الحكومية: مما تقدم اصبح واضحا ان هناك هبوط في الطلب على النفط الخام ومن ثم اسعاره، وعلية فان السعر المتوقع للنفط سوف يتراوح خلال الفصل الاول من عام 2009 بين (35- 50) $ ، وحيث ان المتوق لكمية النفط المصدر (لنفس الفترة ) سوف لن تكون اعلى من 1.9 مليون برميل باليوم. ولو اجرينا ثلاث سيناريوهات لايرادات النفط باعتماد الاسعار التالية: 35 ، 40 ، و 50 مع ثبات كمية التصدير والتي تساوي 1.9 مليون برميل باليوم . فان الايرادات النفطية المتوقعة (لأغراض الموازنة) للنصف الاول بالشكل التالي : 23 و 27 و 34 بليون دولارا. وعند احتساب الانفاق التشغيلي والاستثماري على نفس الاساس الذي تم عليها مصادقة البرلمان مؤخرا. فان العجز المتوقع بحسب الاحتمالات الثلاث يتراوح (20 -33) ترليون دينار عراقي. من وجهة النظر المتحفظة والمطلوبة، كان الاولى ان تخطيط موارد الموازنة على اساس الحالة الاولى، وعلى ان يجري بعد منتصف العام الحالي مراجعتها (بموازنة تكميلية ). اذا ان هذا التخطيط يجنب حصول اختناقات في الانقاق. من المتوقع ان يكون لقرارات G20 تأثير ايجابي على الحالة ومن المتوقع ان يتحسن معدل سعر النفط (50 -70 دولار) للبرميل ( بعد منتصف العام الحالي)، كما ستتوضح الصورة في امكانية تصدير النفط بمستوى 2 مليون برميل باليوم. ان امكانية تصدير النفط لا زالت دون المستوى المخطط لة (حيث بلغت في كانون الثاني 2009 بحدود 1.8 مليون برميل باليوم ولازالت بهذا المستوى). من هنا ندرك مدى الخطورة التي تمت بموجبها تخطيط الايرادات والنفقات. اما فيما يتعلق بتمويل العجز المتوقع، فأن هناك مصادر متاحة تتمثل : بالمبالغ المدورة من العام الماضي والذي يساوي (10 بليون دولار)، والمبلغ الموجود بصندوق تنمية العراق (24 بليون دولار)، والتسهيلات النقدية المتاحة بشكل قروض من صندق النقد الدولي . ومن الجدير بالذكر ان حجم الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي يساوي (45 بليون دولار). وحتى اذا ما افترضنا انه تم مواجهة العجز في عام 2009، ولكن يبقى السؤال كيف نواجه العجز في عام 2010 (اذا ما استمرت الازمة). 2) نافذة التجارة الخارجية والاستثمار الاجنبي: كما تقدم تتمحور العلاقات الاقتصادية الخارجية على تصدير النفط الخام، بسب ضمور صادرات القطاعات الاخرى وغياب الاستثمارات الخارجية. وللوقوف على حجم التجارة الخارجية ومقدار تأثر الاقتصاد العراقي بارتفاع الاسعار العالمية، هناك ضرورة لتفحص طبيعة الترابط بين القطاعات الاقتصادية ومقدار اعتمادها على بعضها وتوفير المستلزمات الزراعية والصناعية والاستهلاكية. ومن خلال تفحص المعاملات الفنية لجدول المدخلات والمخرجات لعام 1981 (وهو من دون شك يمثل حالة متقدمة بالنسبة للوضع الحالي)، نجد نمطاً ضعيفا للتشابك بين القطاعات. هذا يعني أن النسيج الهيكلي الذي يجمع بين هذه الأنشطة والقطاعات يتميز بكثرة فجواته. من هنا نستتنج اعتماد الاقتصاد العراقي على التبادل التجاري والذي يعادل ( 10 بليون دولار) من السلع الاستهلاكية. ان مؤشرات الازمة المالية تشير الى ضمور النشاطات اقتصاديا عالميا، مما يؤدي الى انخفاض الطلب العام ومن ثم انخفاض الاسعاربشكل عام حيث يوضح الجدول انخفاض اسعار النفط الى 40 $ وانخفاض نسبة اسعارالسلع غير النفطية 23% والغذائية والمشروبات 26% والمواد الاولية الصناعية 41%. الامر يدعو للقول بان التجارة الخارجية سوف تكون لصالح العراق خلال عام 2009. ولكن هناك صعوبة في التنبؤ الدقيق بمستقبل اسعار المواد الغذائية اذا ما أستمر الطلب على المواد الغذائية على وتيرة ثابتة ولم يجاريها عرض للمواد الغذائية (بسب التغييرات التي يعيشها العالم)، او نقص في الانتاج للمواد الغذائية بسب ضعف السيولة النقدية. هذا الحالة تفترض وجود احتياطي كافي في الموازنة لمواجهة الطوارئ. اما فيما يتعلق بالاستثمار الاجنبي، تشير دراسات وزارة التخطيط، ان النفقات الضرورية لاعادة الاعمار والمطلوب توفرها للفترة 2006 – 2010 تساوي (187 مليار دولار). عند احتساب مقدار التخصيصات الاستثمارية الفعلية لنفس الفترة (مع افتراض ان التخصيصات الاستثمارية الكلية لعام 2010 هي 20 مليار دولار)، نجد انها بحدود (66 مليار دولار) . ومنها نستنتج ان نسبة الفجوة او العجز في التخصيصات الاستثمارية تعادل 65%. ومن هنا تأتي ضرورة البحث عن مصادر تمويلية اخرى من خلال الاستفادة من الاستثمارات الاجنبية او العمل على تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول ذات السيولة النقدية. ان عام 2009 يوفر فرصة طيبة لحصول العراق على افضل العطاءات من الشركات الاجنبية لتطوير المشاريع الاستثمارية. اذ ان التخصيصات الاستثمارية التي توفرها الموازنة تمثل متنفس للشركات الاجنبية. وعليه فان الاستثمار الاجنبي قد يجد البيئة المناسبة في العراق اذا ما قامت الحكومة بتذليل بعض الصعوبات المالية والقانونية والادارية (التي تغري الاستثمار الاجنبي). ولابد من تكثيف الجهود الحكومية خلال 2009 لدراسة المشكلات وتبني نموذج دولي للتعامل مع الاستثمارات. وهنا نؤكد ضرورة احتضان الحكومة لفكرة ايجاد المناطق الاقتصادية المحمية: من المؤسف لقد تأخر الشروع بتأسيس مثل هـذه المناطق. لا شك ان في ذلك حلا لمشاكل غياب الامن والاستقرار وحلا بديلا عن حالة الانتظار. ان الاستمرار في تغييب مثل هذه السياسة يعني تأخير مشاريع الاعمار وحرمان مشاركة القطاع الخاص ودخول الاستثمارات الاجنبية. فان الحكومة معنية بأيجاد التخصيصات الضرورية لانشاء هذه المناطق الجاذبة للاستثمار. ولعل ايجاد منطقة اقتصادية صناعية في البصرة يعد مثالا متميزا لما لها من وفورات اقتصادية كبيرة ومتنوعة وتشكل حوافز لاستعادة الاقتصاد العراقي جزء من عافيته. ان تبسيط الاجراءات من شأنها تحسين حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي. في عام 2007 وفي سنغافورة بلغ معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي (48 الف دولار) في حين كانت حصة الفرد في العراق (3 الاف دولار) . 3) نافذة المساعدات والمنح: تعهدت الكثير من دول العالم للوقوف مع العراق في محنته الاقتصادية (في مؤتمر مدريد 2003)، وقد قامت بعض الدول بتقديم بعض من المساعدات على هيئة منح وقروض ميسرة ومساعدات فنية. ولم تتوفر لنا احصائيات دقيقة عن مقدار الدعم المقدم للعراق وما هو المتبقي. لاشك ان الازمة المالية سوف تلقي بظلها الحالك على مقدار استمرار الدول في تقديم الدعم (المادي والفني). ان الازمة المالية سوف لن يكون لها الاثر السلبي الكبير في عام 2009 ، اذ ان للعراق بعض من الموارد التي يستطيع استخدامها. ولكن المشكلة في عام 2010 اذ ماأستمرت الازمة ولم يكن لقرارات قمة G20 اثر ايجابي، اذ يكون العراق وقتها قد استنزف الموارد المتاحة في عام 2009. في نهاية الجزء الاول من هذه الدراسة، نجد ان تخطيط موازنة الدولة كان ولا يزال متأثر بالعامل السياسي اكثر مما هو بالعامل الاقتصادي. وان السياسة الاقتصادية للدولة يجب ان تبنى على اسس ستراتيجية اقتصادية، وليس على اساس القوة التفاوضية لهذا الطرف او ذاك. ان طريقة تقسيم التخصيصات المالية بين النفقات التشغيلية والاستثمارية مثال صارخ على هذه الحالة. انها حالة تفضيل يمكن ان توصف " بشراء السمكة، بدلا من شراء الصنارة"
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |