|
جماعة اقباط المترو ..!
اندفعت سيدة مصرية تشق طريقها وسط كومة من البشر في مترو الأنفاق؛ متلهفة إلى مقعد يقيها مضايقات الزحام، عبثاً نظرت يمنة ويسرة عن أملها المفقود ولكن هيهات أن تعثر على " إبرة " في كومة آدميين مكتظة. استكانت السيدة المصرية التي تدلي " الصليب" من عنقها يعلن بصراحة شديدة عن معتقدها، الذي كفل لها الخالق سبحانه حرية اختياره؛ ولو شاء لجعلها ونحن معها أمة واحدة فقال جل شأنه: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " سورة هود. وقفت السيدة القبطية وعلى جانبيها بنتاها اللتان تتراوح أعمارهما بين الـ13 لم تستغرقني مراقبة الأسرة القبطية أكثر من ذلك، فانتزعت نفسي من مكاني الذي نلته بصعوبة بالغة وسط هذه الأجساد التي نال منها الكد والتعب طوال النهار، ولأن الزوج كان هو الأقرب للمكان الذي أجلس فيه فقد ربت على كتفه برفق؛ فالتفت الزوج مندهشاً وحملق في لحيتي التي اجتهدت في تهذيبها جيداً على نحو يجمع بين إصابة السُنة و أن يروق للناظرين..! غادرت مكاني مفسحاً الطريق للمصرية القبطية لتجلس وتحشر بجوارها إحدى ابنتيها وتجلس الأخرى على حجرها وقد تنفست الصعداء، ووجهت الأم القبطية لي الشكر مراراً على ما تعتقده جميل غريب وغير معهود من قبطي مسلم "متطرف"..! أما قبطيتي مع كوني مسلماً فتلك حقيقة تاريخية مثبتة بالدليل والبرهان، حيث أن كلمة "قبطي" مشتقة مباشرة من الكلمة العربية " قبط " ، وهذه بدورها مشتقة من الكلمة اليونانية "أجيبتوس " بمعنى مصري، وهاتان الكلمتان " قبطي" و "مصري" ولما فتح المسلمون القادمون من شبة الجزيرة العربية عام 641 م مصر وقد ذكرت في القرآن على هذا النحو، أطلق المسلمون على السكان المحليين أسمهم اليوناني (إي-جبت-ايوس) ، وحيث أن جميع سكان مصر كانوا نصارى فقد استعمل المسلمون الفاتحين كلمة " قبط " للإشارة إلى كل المصريين. وعندما تحول هؤلاء المصريون تدريجياً إلى الإسلام، لم يظلوا قبطاً محتفظين بنصرانيتهم بطبيعة الحال، وصار الأقباط بعد تحولهم إلى الإسلام جزءا من الأمة الإسلامية، وتم التفريق بينهم وبين بني جلتهم عن طريق منحهم مصطلح "مسلمين" ودليل ذلك أن كتب التاريخ تشير أن إثيوبيا حتى سبعينيات القرن الماضي تتبع بطريرك الإسكندرية، وكان أتباعها يسمون أيضا أقباطاً سواء في إثيوبيا أو في المغرب وهم ليسوا مصريين على الإطلاق طوال قرون عديدة. إذن نحن الآن متفقين على قبطيتنا سواء أكنا مسلمين أو نصارى، ومتفقين أيضاً على حرية المعتقد؛ حيث أنها حق فطري للناس ـ كل الناس ـ لأن الله سبحانه حين خلق للإنسان العقل والإرادة وأودع فيهما القدرة على العمل فقد أودع فيه حقيقة الحرية وخوله استخدامها بالإذن التكويني المستقر في الخلقة. والقبطي سواء كان مسلماً أو نصرانياً لابد أن تتحلى حريته بضوابط حتى لا تتجاوز تلك الحرية الخط الأحمر الذي يقوده إلى إلحاق الضرر بنفسه أو بغيره، فهاهنا فقط تتوقف الحرية حتى لا تصطدم بحرية الآخرين. وكثيراً ما تعرض المجتمع البشري، نتيجة سوء استعمال الحرية، إلى آفات وكوارث لحقت بالأفراد والجماعات، فاقتضت حكمة الله تعالى رحمة بالناس جميعاً أن يضع الموازين بالقسط لحرياتهم. فشرع الله لهم الشرائع وأرسل إليهم الرسل كي يرشدوهم إلى طرائق السير بحرياتهم، وطالب الحكماء والمرشدين ـ عبر العصور ـ أن يسهروا على تطبيق استعمال الحريات في إطارها القوي السليم حتى تستقيم أحوال الناس جميعاً ويطمئن كل منهم إلى صون حريته من انتقاصها أو مصادرتها. وأهم الحريات التي منحها الله عبر تعاليم الإسلام حرية المعتقد، فقد صانها الإسلام، إلا ما كان منها منافياً لكرامة البشر وكرامة العقل مثل عبادة الأوثان. وقد أتاح للنصرانية أن تعيش في ظل دستوره الخالد "لا إكراه في الدين"، ودعا على أساسه النصارى إلى دينه فإن قبلوه دخلوا في الإسلام، وإن رفضوه لم يكرههم على شيء، وإنما سألهم أن يعطوا الجزية وهي مقابل خدمة حماية المسلمين لهم ودفاعهم عنهم في الحروب. وليس أدل على هذه الحرية الكاملة، وأن الإسلام لم ينصف الناس على أساس معتقداتهم وإنما على أساس كفاءاتهم من قول ـ المستشرق ـ آدم ميتز: (لقد قلد ديوان جيش المسلمين لرجل نصراني مرتين في أثناء القرن الثالث)، ومن المعلوم أن القرن الثالث هو العصر الذهبي بالنسبة لانتصار الإسلام. ولعل من أبرز الأمثلة على الحرية الكاملة للنصارى في ظل الإسلام، ذلك السلوك العملي الذي سلكه خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي دخل بيت المقدس وزار كنيسة القيامة ولما حان وقت الصلاة لم يجد مكاناً يؤدي الفريضة فيه إلا الفسحة الواقعة أمام مدخل الكنيسة فصلى فيها، والله تعالى يقول: (أينما تولوا فثم وجه الله) ولما سأله البعض: لماذا لم تصل داخل الكنيسة؟ إلا أن هذه الحرية التي كفلها الإسلام للأقباط النصارى يجب أن يقابلها التزام كامل بضمان امن هذا الوطن (مصر) التي تقلنا أرضها وتظلنا سماؤها، فلا يعقل أن ينال أحد الطرفين حريته كاملة فيختار معتقده آمناً مطمئناً، ثم هو في نفس الوقت يحجر على هذه الحرية ويتم تصفية المسلمين الجدد كما حدث في منطقة الأميرية بالقاهرة. حيث فوجئ أهالي هذه المنطقة الآمنة بمجهولين يفصلان التيار الكهربائي، أحدهما يطلق الرصاص من سلاح آلي علي شاب وزوجته وطفلتيهما، ويلوذان بالفرار. أصيب الزوج بـخمس طلقات وفارق الحياة في الحال، وأصيبت الزوجة بطلقتين واخترقت رصاصتان جسد الطفلة الصغيرة، ودلت تحريات الشرطة الأولية علي أن الزوجة كانت قد أسلمت منذ 3 سنوات، وحاولت أسرتها خطفها وهددوها وزوجها بالقتل منذ أشهر، فيما أكد شهود عيان بالشارع الذي تمت فيه الجريمة أن شقيق الزوجة "رامي عاطف خلة"هو الذي نفذ الجريمة البشعة. وقبل أن يقول احدهم أن هذه حالة فردية تخص مرتكبيها نذكر بملف القبطية الأسيرة التي أسلمت وفاء قسطنطين، فقد تفجرت مفاجأة من العيار الثقيل – لم تتأكد صحتها بعد - حيث كشف مراقبون أن السيدة وفاء قسطنطين قتلت في دير وادي النطرون مقر اعتقالها من قبل الكنيسة، لأنها رفضت أن ترتد عن الإسلام. والمعروف أن السيدة وفاء قبطية اعتنقت الإسلام ثم أجبرت بعد التهديد على الارتداد إلى النصرانية وانتقلت إلى دير وادي النطرون نهاية عام2004 بناء على أوامر البابا شنودة الثالث ولم تعد لبلدتها مرة أخرى. وتراكمت البلاغات الرسمية أمام النائب العام تطالبه بالتحقيق في واقعة اختفاء السيدة وفاء قسطنطين وأخريات اعتنقوا الإسلام طواعية وبمحض حريتهم، كما طالبت بخضوع دير وادي النطرون للتفتيش الصحي والقضائي والأمني والأهلي لمعرفة مصير المحتجزين داخله وهل هم على قيد الحياة أم تم تصفيتهم كما تقول الشائعات،خاصة وان الكنيسة وعدت بظهور وفاء قسطنطين علي قناة ( اغابي) التابعة للكنيسة لدحض الشائعات ولكنها تراجعت عن وعدها مما عزز من صحة تلك الشائعات .
أليس سلامة العربة التي تقلنا من سلامتنا جميعنا، هل لو انقلب المترو – لا قدر أسامة عبد الرحيم صحفي مصري
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |