نزار حيدر متحدثا لمجلة (ما نه وه) الصادرة باللغة الكردية في محافظة السليمانية: (حلبجة) ادانة مستمرة ضد العنصرية .. لهذه الاسباب يبرر (المثقفون) جرائم الطاغية الذليل

 

نزار حيدر

nhaidar@hotmail.com

توطئة

اجرى مراسل مجلة (ما نه وه) ـ البقاء ـ الصادرة باللغة الكردية في محافظة السليمانية باقليم كردستان العراق، الزميل آزاد محمد، حوارا صحفيا مع نزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، جرى فيه الحديث عن الجريمة التي ارتكبها النظام الشمولي البائد ضد مدينة (حلبجة) واهلها.

كما جرى الحديث عن دور المثقف في التاسيس لحرية التعبير، والكفاح ضد الديكتاتورية.

ادناه نص الحوار:

 

 السؤال الاول: 

 على الصعيدين العالمي والعربي، لم يعرف الراي العام، جريمة (حلبجة) كجريمة ابادة جماعية ضد الشعب الكردي؟ لماذا؟ هل يحاولون طمس معالمها وحقيقتها؟ ولماذا؟.

 الجواب: 

 لقد بذل نظام الطاغية الذليل صدام حسين الكثير جدا من الجهود السياسية والاعلامية والديبلوماسية للتستر على جرائمه البشعة التي ارتكبها بحق الشعب العراقي، والتي تقف على راسها جريمته النكراء في حلبجة، والتي لا زال الاهالي الابرياء يعانون منها بصور شتى.

 فلقد اشترى النظام وماكينته الدعائية الكثيرجدا من الضمائر الميتة، من اعلاميين و (مثقفين) وسياسيين واعضاء في حكومات وبرلمانات ورؤساء احزاب، بالاضافة الى العديد من قادة وزعماء العالم والمنظمات الدولية، فاغدق عليهم الاموال الطائلة لاسكات صوتهم والحجر على افواههم، حتى لا ينبسوا ببنت شفة عما يجري خلف السور الحديدي الذي اسمه العراق.

 ولقد اعان المجتمع الدولي والنظام السياسي الشمولي الحاكم في البلاد العربية الطاغية على انجاز هذه المهمة، من خلال سكوتهم المطبق على ما حصل من جريمة مروعة، بالاضافة الى انهم تعاونوا على الاثم والعدوان بسكوتهم على جرائمه، ومحاولة التستر عليها بكل الطرق والوسائل.

 ولان جريمة النظام في حلبجة تورط فيها اكثر من طرف دولي، ان من خلال تزويد النظام بالسلاح الكيمياوي الفتاك، او من خلال تقديم الادوات اللازمة لتطوير سلاحه الفتاك المحرم دوليا، لذلك فان جريمة النظام في حلبجة تحملت القسط الاكبر من محاولات التستر والتجاوز وعدم الحديث عنها، لان كشفها كان يعني فضح اكثر من طرف وجهة دولية ممن شاركت في الجريمة سواء بشكل مباشر او غير مباشر، ولذلك اتفق الجميع على واد الحقيقة في محلها وعدم الحديث عنها لا من قريب ولا من بعيد، خاصة في فترة ما قبل اجتياح العراق للجارة الكويت، عندما كان المجتمع الدولي مستفيدا من النظام، وعلى مختلف الاصعدة، اما بعد ازمة الكويت، فلقد حاولت بعض الدوائر الدولية، كالولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا، توظيف الجريمة لتحشيد الراي العام الدولي لصالح تشكيل جبهة عالمية موحدة ضد النظام، فاوعزت الى بعض دوائر الاستخبارات للافراج عن بعض المعلومات المتعلقة بالجريمة، فنفضت غبار السنين عن بعض وثائقها، ليتحدث عنها الاعلام من اجل صناعة راي عام ضد النظام، وتاليا تبرير الحرب وحتى اسقاط النظام في التاسع من نيسان عام 2003.

 اما بالنسبة للعالم العربي، فان النظام السياسي الحاكم، وكما نعرف جيدا، عضو فعال في نادي الديكتاتورية والاستبداد والنظام الشمولي الذي يتمتع فيه النظام البائد بعضوية فعالة كذلك، ولذلك كان قرار الانظمة العربية ان لا تتحدث عن الجريمة وتقمع كل من يحاول ان يتحدث عنها، او يثيرها بشكل او بآخر، لتتستر على نفسها ولا تفضح واقعها المر والمؤلم.

 الحقيقة التاريخية المهمة التي ارى ان من المفيد جدا تثبيتها هنا بشان الموقف من الجريمة آنئذ، هو ان التيار الديني في البلاد العربية، وعلى راسه تنظيم (الاخوان المسلمين) الذي ينتمي اليه الحزب الاسلامي المشارك الفعال اليوم في السلطة في بغداد، هو الاخر التحق وقتها بالموقف الرسمي، وللاسف الشديد، فقرر ان لا يتعامل مع الجريمة، وان لا يتحدث عنها حتى لا يضطر لادانة النظام آنئذ، وعندما فاتحه التيار الديني الكردي بالامر وطلب منه تفسيرا لعدم اصداره بيان ادانة او على الاقل تعاطف مع اسر الضحايا، كان جوابهم انهم لا يريدون اثارة نظام صدام حسين، ولا يريدون تخريب العلاقة الحسنة القائمة بينهم وبينه، الامر الذي ادى الى انشقاق التيار الديني الكردي عن التنظيم الام، في قضية مفصلة يعرفها العارفون بخفايا الامور.

 ان ما يؤسف له حقا، هو ان الجميع اصطف خلف النظام البائد في جريمته النكراء في حلبجة، عندما سكتوا وتستروا عليها وبرروها في احسن الفروض، فكان شعبنا الكردي الصابر هو الضحية ليس لجريمة النظام فحسب، وانما ضحية التواطؤ الاعلامي والسكوت على الجريمة.

 ان جريمة النظام في حلبجة، دليل ادانة مستمر ضد العنصرية المقيتة التي وظفها النظام للنيل من شعبنا الكردي في العراق، وتحت مسميات العروبة والقومية والامة العربية، وما كان النظام لينجح في مسعاه لو كان العرب قد ادانوا الجريمة وسعوا الى فضح خفاياها وادانتها والتعاطف مع اسر الضحايا.

 السؤال الثاني: 

 نحن نعرف ان احدى اهم واجبات ومسؤوليات المثقف، هو كفاحه من اجل توسيع هوامش الحرية والوقوف بوجه الديكتاتورية، الا اننا، للان، نرى ان الكثير ممن يصف نفسه بالمثقف في العالم العربي، لا زال يدافع عن الطاغية الذليل صدام حسين، ويحاول تبرير جرائمه، ومنها (حلبجة) ما سبب ذلك؟.

 الجواب: 

 ليس غريبا على انصاف المثقفين، ومثقفي البترودولار مثل هذه المواقف، فـ (المثقف) الذي يقف يوميا في سوق العبيد يبحث عن ظالم يشتري قلمه وموقفه ورايه ومقالته، لا ننتظر منه الا مثل هذه المواقف الذليلة التي تسئ بدرجة كبيرة الى الثقافة والى الرسالة المقدسة التي تقترن عادة بالثقافة وبمهمة المثقف.

 هؤلاء يبتعدون عن الحقيقة المرة لانها تدينهم، فهم جزء لا يتجزا من الاسباب الحقيقية التي اودت بحياة الامة، عندما برروا للانظمة الديكتاتورية ودافعوا عن الانظمة الشمولية، فتحولوا الى ابواق في جضرة السلطان، ينفخ بها لتصرخ بصوتها النكرة متى ما اراد واقتضت مصلحته.

 ان المثقفين هم عماد التغيير الحضاري عند كل شعوب الارض، الا عندنا، فلقد باع المثقفون انفسهم للسلطان فتحولوا الى سبب حقيقي لتراجعنا وتاخرنا، فعمت الديكتاتورية في بلداننا، والتي انتجت كل هذا التخلف والامية والفقر والجهل، والسحق المنظم لحقوق الانسان، حتى لقد تحولت امتنا الى شعوب بلا كرامة بشكل رسمي.

 ان تبرير (المثقفين) لجرائم النظام البائد، في حلبجة وفي المقابر الجماعية وفي الانفال وفي السجون وفي ساحات الحروب العبثية، هي التي انتجت جرائم عظمى كالتي شاهدناها مؤخرا في غزة، وان سكوت (المثقفين) عن جرائم النظام هي التي ساهمت في عملية التخدير التي اصيبت بها الامة، لدرجة انها تنظر يوميا الى ما يحدث في غزة من دون ان تتحرك شعرة في شاربها، لانها توطنت على الذلة وتدجنت على مشاهد القتل المروع، فلم تعد تهتز لها مشاعر وهي ترى كل هذه المآسي التي تمر بالامة، ولقد فات (المثقفين) الذين برروا للنظام جرائمه الشنيعة، ان من يبرر جريمة انما هو يبرر كل جريمة، وان من يسعى لاقناع جمهوره باحقة ظالم في ممارسة جريمة، انما يسعى، في نفس الوقت، لاقناع نفس الجمهور باحقية ظالم آخر في ممارسة جريمة مماثلة، والفرق الوحيد بين الحالتين، هو ان القناعة في الحالة الاولى تاتي بالفعل وفي الثانية بالقوة، اي في المرة الاولى قناعة معجلة وفي المرة الثانية قناعة مؤجلة، وهذا ما حصل للامة وشعوبها التي آنست الظلم والضيم والقتل والجريمة.

 السؤال الثالث: 

 كيف اثرت الانفال على العلاقة بين الشعبين العربي والكردي في العراق؟ وهل انها احدثت شرخا بينهما؟.

 الجواب:

 لقد تابعت شخصيا قصة (حلبجة) والاثار المترتبة عليها منذ لحظة وقوع الجريمة، ولذلك فانا لا ابالغ قط اذا قلت بان الفاجعة تحولت الى احد الاسباب الاستراتيجية التي ساعدت على صياغة التحالف العربي الكردي للنضال ضد الديكتاتورية التي كانت تحكم في بغداد، وان المتتبع لمسيرة حركة المعارضة العراقية، يلاحظ ان كل جبهات العمل المشترك ومؤتمرات التعاون والتنسيق بين مختلف فصائل حركة المعارضة، تبلورت وتشكلت بعد وقوع الفاجعة، وذلك لسببين:

 الاول؛ هو ان الشعب العربي في العراق شعر بفداحة الذنب جراء ارتكاب النظام للجريمة البشعة بمسميات العروبة والقومية، ولذلك تحولت حلبجة الى ادانة مستمرة ضد العنصرية والشوفينية المتسترة بشعارات القومية.

 الثاني؛ هو ان الشعب الكردي في العراق تيقن من انه لا مناص من التعاون مع بقية العراقيين لاسقاط هذا النظام الذي بات يهدد الكرد بوجودهم وليس باحزابهم او بثقافتهم او ما اشبه، ولذلك تركه منهم كل من كان يتوسم فيه ولو القليل جدا من احتمالات التغيير في السياسات العامة للنظام.

 لقد حولت حلبجة ساحة الصراع مع النظام البائد الى حرب وجود من جانب، والى حرب عراقية شاملة ضد الاستبداد والديكتاتورية من جانب آخر.

 ان العراقيين جميعهم، يعلمون جيدا بان النظام البائد كان (عادلا) في توزيع ظلمه على الجميع، وان بنسب متفاوتة، ولذلك، لم يشا الكرد تحميل الشعب العربي في العراق مسؤولية ارتكاب النظام لجريمة حلبجة، كما ان الاخير لم يشا ان يبرر للطاغية فعلته الشنيعة، اما الزمرة القليلة المستفيدة من النظام والتي حاولت ان تبرر له جريمته، والتي بقيت مصالحها مرهونة ببقاء النظام ووجوده في السلطة، ففيها من العرب والكرد، ومن مختلف شرائح المجتمع العراقي، وهؤلاء لا يمثلون حقيقة الموقف الشعبي الذي كان يرفض النظام وسياساته، ولذلك فالعراقيون فرحوا بزوال النظام وسقوط الصنم، وبقيت الزمرة التي شاركته الجريمة، والتي ظلت معزولة عن المجتمع العراقي، وهي ذاتها التي لا زالت ترتكب الجرائم بحق العراقيين تحت مسميات (المقاومة) في محاولة منها لتقويض العملية السياسية الجديدة في العراق والعودة بالبلد الى سابق عهده تحكمه اقلية صغيرة تستاثر بكل شئ وللعراقيين الفتات اذا ما فكرت ان تمنحهم شيئا، كما كان الحال ايام النظام الشمولي البائد، نظام الطاغية الذليل صدام حسين.

 السؤال الرابع:

  يرى البعض بان الانفال واخواتها، تمثل كوارث ستعاني منها الاجيال القادمة، فهي ليست جريمة في التاريخ، فكيف لنا ان نحول دون تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل؟.

 الجواب:

 ان كل جريمة قابلة للتكرار اذا نسيها الناس، وان كل فعل منكر يمارسه ظالم، قابل للتكرار اذا لم يتذكره الناس ولم يستفيدوا منه فيتعلموا منه التجربة ويقفوا على الاسباب والدواعي، للحيلولة دون تكراره.

 بشان الانفال واخواتها، اعتقد باننا مقصرين كثيرا في توثيقها واثارتها كل عام، بل كل يوم، اذ كان يجب علينا، كعراقيين، ان نحيي الحدث بكل الطرق والوسائل والاساليب، ليبقى حيا في ذاكرة الناس، لان شعبا تخونه ذاكرته، وان امة لا تمتلك ذاكرتها ولا تحتفظ بها، لهي امة قابلة لان يتكرر عندها التاريخ باسوا صوره.

 يجب ان نحيي الذكرى بكل السبل، بالنصب التذكارية والصورة والبوستر والكتاب والبحث والفيلم الوثائقي، وفي كل شئ ممكن.

 وقبل كل شئ، يجب ان نحيي الذكرى الاليمة بتخليد ذكرى الشهداء من خلال انصاف اسرهم وعوائلهم، خاصة ايتامهم، الذين يجب ان يلقوا كل الرعاية والعناية من قبل الدولة العراقية لينموا ويشبوا ويترعرعوا بشكل سليم، ان على صعيد الصحة او التعليم او التربية او فرص العمل، ليكونوا ذوو شان في المستقبل القريب، ينتقموا للضحايا بالعلم والعمل الصالح والانجاز الحسن والمشاركة الفعالة في بناء البلد بعيدا عن الاحقاد والضغائن وروح الانتقام، بل على اسس الاخوة والمحبة وحب الخير ونبذ الظلم والعنصرية والطائفية، وعلى اسس الحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، من اجل عراق آمن وشعب كريم يعيش بسعادة وحرية.

 يعتقد البعض، ان استذكار جرائم الحكام في كل عام مثلا، يثير الضغائن والاحقاد بين الناس، ناسين او متناسين بان التاريخ بحسناته وسيئاته هو جزء لا يتجزا من تكوين الحاضر والمستقبل، ولذلك فان مادة التاريخ حصة مشتركة في كل المدارس والجامعات والمعاهد، وفي كل الاختصاصات والمجالات، وفي كل العالم، كما ان كل الكتب السماوية خصصت صفحات كثيرة جدا للحديث عن تاريخ الامم والشعوب والقرون والانبياء والصالحين، من اجل ان يبقى الماضي حاضرا بتفاصيله من اجل مستقبل افضل، ام انهم يريدوننا ان نضحك على ذقوننا، فنحتفي بكل ما هو حسن، او هكذا نتصوره، ونتغاضى عن كل ما هو سئ، فنقول للاجيال بان من حكمنا على مدى النيف والثلاثين عاما المنصرمة هم ملائكة يمشون على الارض، وعندما يسالني الطفل الكردي، ترى من قتل ابي في حلبجة بالسم؟ ومن قتل امي واخي وجيراني في الانفال؟ وعندما يسالني الطفل في الوسط والجنوب عن هوية قاتل ابيه الذي دفنوه حيا في مقبرة جماعية، او امه التي دفنوها حية مع طفلها الرضيع في مقبرة جماعية، اجيبهم بالقول {لا تسالوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم}.

 ثم، لماذا يستذكر امثال هؤلاء جرائم ويتناسون اخرى؟ ويستذكرون مجرمين ويتناسون آخرين؟ فلماذا، مثلا، يصرون على استذكار جرائم صبرا وشاتيلا والمجرم التي ارتكبها، شارون، ويتناسون جرائم حلبجة والانفال والمقابر الجماعية والمجرم التي ارتكبها، الطاغية الذليل صدام حسين؟ ما الفرق بين جريمة واخرى؟ وما الفرق بين شارون وصدام؟.

 ان الجريمة هي الجريمة بغض النظر عن هوية مرتكبها ودينه وقوميته، فلماذا الكيل بمكيالين، فنخلد واحدة ونطمس معالم اخرى.

 اننا عندما نخلد ذكرى جريمة انما نريد ان نبعد شعبنا عن ارتكاب مثلها، سواء من خلال تثقيفه على تحدي الجريمة وعدم التورط بها مهما ضغطت عليه الظروف السياسية او ما اشبه، او من خلال اثارة حساسيته المفرطة من الظلم والظالم، حتى لا يصفق لظالم ولا يتعامل مع ظالم ولا يقبل بعمل ظالم، وان يقف الى جانب المظلوم حتى اذا ظلم على يد ابيه او اخيه.

 ان استذكار جرائم الظالم، تصنع مناعة قوية في نفوس الناس ضد الظلم والجريمة، ولذلك، يجب ان نحيي ذكرى الجرائم، لنحيي ذكرى الضحايا والشهداء الذين ضحوا من اجل عراق جديد خال من الاستبداد والديكتاتورية والظلم والقتل والعنصرية والطائفية والتمييز.

 نسال الله تعالى الرحمة والمغفرة لكل شهداء العراق الذين ازهقت ارواحهم بسبب سياسات النظام البائد.

وختاما، اود ان اقدم جزيل شكري وتقديري للاخوة في مجلة (ما نه وه) خاصة الاخ آزاد محمد، لاتاحتهم لي هذه الفرصة الثمينة لاطل بها على القراء الكرام.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com