|
9 نيسان في العراق أكثر من مجرد سقوط طاغية ..
حميد الشاكر لتسعة نيسان سنة 2003 م في العراق اكثر بكثير من مجرد معنى واحد لاغير تبلور في سقوط صنم صدام حسين المنصوب في قلب بغداد كحربة لحز رؤوس العراقيين لفترة تجاوزت الخمسة والثلاثين سنة من حكم عصابة المخابرات البعثية العفلقية الصدامية !. كما ان هذا التاريخ سيُذكر ليس فقط على اساس دخول اول دبابتين من الاحتلال الامريكي الى قلب بغداد بعد هروب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي القومية من ارض المعركة وترك الساحة خالية تماما للاحتلال يرتع بها كيفما اراد حتى سحل صنم الطاغية بمدرعة مزنجرة ورمي راسه الكبير يتدحرج على الارض لتسحبه اطفال العراق في شوارعهم مع صفعات مؤلمة منهم بما تحت الاقدام !؟. وهكذا تسعة نيسان في عراق 2003 م ليس فقط تأريخ زوال كابوس طاغوتي سياسي جثم على صدر العراق ليحول ساداتهم الى عبيد، وحرائرهم الى سبايا، ومثقفيهم الى ابواق، وسياسييهم الى ادوات تنفيذ صمّاء، واقتصادهم لمنجم ذهب ورثته العائلة المجيدية بالصدفة، وارضهم الى مقبرة جماعية تضم رفات شبابهم واطفالهم بلا رحمة !. لا ... لتسعة نيسان 2003 م صوةٌ أكثر من مجرد سقوط وثن كان يُعبد من دون الله سبحانه وتعالى على ارض الرافدين، بل انه حدث كان في حجمه قدرةٌ على تغييّر وجه منطقة، وأعادة رسم خريطة جديدة، وأقامت معادلة مختلفة تماما عن ما كانت عليه تلك المعادلة السياسية الظالمة للشعب العراقي في الدولة العراقية الحديثة ومنذ قيامها في سنة 1921م وحتى 9 نيسان 2003 م !. نعم على هذا المستوى نستطيع ان نقرأ تاريخ سقوط طاغية العراق صدام حسين ونظام حكمه المستبد الذي تشبث بالحياة لاخر لحظة من قطرات دماء العراقيين على المستويين الداخلي في تخلص الشعب العراقي من استعباد فعلي كان يمارسه هذا النظام على ابناء هذا الوطن، وعلى المستوى الخارجي ايضا والذي بانت ارتدادات امواجه المتلاطمة على المنطقة العربية وغير العربية، ولاسيما ان الجزء الاكبر من هذه الارتدادات الاقليمية وخاصة العربية منها لسقوط ذبّاح العراق صدام حسين لم تزل مرتجة بعنف ومتحركة بشكل ملحوظ في المحيط الاقليمي المجاور للعراق !. إن مايميز عملية التغيير في عراق مابعد 9 نيسان 2003 م هو انه التغيير الذي نزل الى جذور المشكلة الحقيقية والواقعية في عراق مابعد التأسيس البدائي لدولة العراق الحديثة، هذا التأسيس الذي فرض معادلة معينة قُسم فيها الشعب العراقي الى طبقات سياسية متعددة منها ماهو صالح لأن يكون في قمة الهرم السياسي وآخر ماهو صالح فقط ليكون في الدرجة الثانية من المواطنة واشغال مناصب الدولة الرفيعة والقيادية والحاسمة في رسم استراتيجيات دولة العراق الحديثة، ولهذا كان من الصعب أقامت تغيير فعلي وحقيقي في بنية الدولة العراقية الا من خلال بعض عمليات التجميل التي مرّ بها العراق الحديث حسب تقلباته السياسية في انقلاب 1958م للقائد الوطني عبد الكريم قاسم، ومابعده عند انتكاس التجربة الوطنية وعودة المدّ القومي المنغلق في 1963 م وحتى 1968 م والى الان، مما اضفى طابع التغيرات السياسية على اساسها الشكلي الفوقي فقط الذي جعل جميع العراقيين لايشعرون بالفعل بعملية تغيير بالامكان ان تنعكس سياسيا على وجودهم العراقي الجماهيري بالصميم وفي احضان حياتهم المعاشة !. أمّا تغيير 9 نيسان 2003م فقد كان وبالفعل حدثا مختلفا عن ماسبقه من محاولات تغيير سياسية، ولعليّ لااجانب الصواب في رؤيتي الشخصية للحدث ان قلت : ان التغيير الحقيقي الذي هزّ كيان الدولة العراقية واعاد ترتيب اوراقها بجدّية واعطاها ميزة التغيير الذي لمسه الانسان العراقي في حياته اليومية اليوم هو ليس يوم سقوط الصنم في 9 نيسان ( وان كان هو حدث المقدمة ) على يد الاحتلال الامريكي وبرضا واضح وصريح من قبل الشعب العراقي من هذا العام بالتحديد بقدر ماهي تلك القرارات التي اطاحت بكيان الدولة القديمة وانشاء كيان جديد لدولة تبنى ومن الاساس بشكل ينسجم مع وجود الشعب العراقي على الحقيقة !. نعم اقصد وبكل وضوح ان بعض القرارات التي اطلقها السيد ( بريمر ) اول مدير للعراق بعد هروب صدام حسين من قبل الادارة الامريكية، في حل مؤسسات الجيش واجهزة الامن والشرطة السريّة وكذا باقي المؤسسات الحزبية القمعية التي كانت تدير العراق كحزب البعث .....، هذه القرارات من وجهة نظري الخاصة هي التي شكلت وبالفعل يوم التغيير الكبير في عراق مابعد نظام المقبور صدام حسين المجيد !. وصحيح ان خطأ هذه القرارات كان فقط في الاليات وليس في الجوهر باعتبار ان قرار حلّ الدولة العراقية التي كانت قائمة كان ينبغي اطلاقه بعد تشكيل مقومات الدولة الجديدة وتهيئتها للعمل مباشرة بعد قرارات حلّ الدولة البعثية الظالمة التي كانت قائمة، ولكن مابدى انه قصور واضح هو في آلية حلّ الدولة القائمة بدون ان يكون هناك رديف عراقي اخر يأخذ ويملئ منطقة الفراغ التي سيسببه حلّ مؤسسات الدولة التي كانت قائمة فوقعت الاشكالات وبانت عورة الفراغ في المؤسسة وحصل ماحصل من انتشار الارهاب والفوضى القاتلة !. والحقيقة انا عندما ارى ان التغيير الحقيقي في عراقنا اليوم والذي استطيع ان اراهن على مستقبله الناجح سياسيا بكل ثقة هو تغيير ( حلّ الدولة التي كانت قائمة وبناء دولة جديدة ) فهذا باعتبار ان التغيير الحقيقي لايتأتى لاي شعب في العالم من خلال تغيير قمة الهرم ورؤوس نظام معين والاتيان برؤوس وقيادات جديدة لملئ الفراغ الفوقي، فمثل هذا ومع انه متكرر في عالمنا العربي من خلال الانقلابات العربية والاستخباراتية في هذا العالم المتأزم، لم يأتي بتغيير حقيقي مطلقا، ولهذا تكون مثل هذه العمليات الجراحية السياسية هي الاقرب لتبديل طغاة ظلمة بآخرين ولكن من شكل مختلف، وهذا بالضبط ماحصل في دورة عالمنا العربي خلال المئة سنة الماضية التي استنفدت من عمر هذه الشعوب العربية التي صفّقت كثيرا للتغيير ولكنها في كل مرّة تكتشف انها خدعت وانها لم تقم باكثر من تبديل كادر سياسي فاسد بكادر سياسي جديد افسد منه، وهذا كله مرجعه الى ان التغيير بالفعل اصاب الشكل الظاهري لمؤسسات الدولة، ولكن مع بقاء الكوادر والعقليات والبيروقراطيات والترهل نفسه القديم الذي استأنف حياته من جديد في الدورة التغييرية الجديدة !. أمّا ماحصل في العراق ( وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) فأن التغيير نزل الى العظم ليلغي البناء من التأسيس بكل كوادره المتعفنة، وليقيم العراقيون فيما بعد بناء دولة جديدة بعقليات ونظرات وتطلعات جديدة مع مؤسسات عسكرية وامنية ومخابراتية واقتصادية وسياسية مختلفة تماما عن ما كانت قائمة في المئة السنة الماضية، ولهذا يشعر اليوم الانسان العراقي ان عملية التغيير التي حصلت في 9 نيسان 2003 م وان كانت باهضة الكلفة عليه الا انه تغيير يلمسه اليوم في حياته المباشرة التي يمارسها في بيته وفي المدرسة وعلى مستوى حياته الاقتصادية والنفسية والسياسية والفكرية ايضا، وكل هذا لم يكن ليتحقق لولا ان كيان ومؤسسات الدولة ومن البنى التحتية قد تغيّرت، بعكس مالو كان التغيير على يد قائد عسكري ومن خلال انقلاب منظم او مخابراتي او .... الخ، فسوف لن يشعر الانسان العراقي بالتغيير الحقيقي كما هو الان شاعرٌ به !. ان هذه المعادلة العراقية السياسية الجديدة بعد 9 نيسان من سقوط نظام صدام حسين وماذكرناه من مميزات لها مختلفة عن اي تغيير فوقي حصل هنا او هناك في عالمنا العربي، هي نفسها التي كانت ارتداداتها قوّية جدا ايضا على الخارج الاقليمي للعراق اليوم، كما انها كانت شيئ مختلف بالنسبة الى الداخل العراقي ايضا، فهذه المعادلة خلقت جنينا مختلفا في وجوده عن باقي الوجودات العربية الاقليمية القائمة، وبنفس المنطق الذي ننظر اليه لمؤسسات الدولة العراقية الجديدة التي اقيمت بعد 2003 م في العراق، ينظر العالم العربي سياسيا للعراق بانه مؤسسة بنائها من الاساس مختلف عن جميع البنى السياسية القائمة في المنطقة العربية المتجانسة والمتشابه الكيان السياسي القائم، فالدول مثل افراد الناس شيئ يشبه آخر، أما عندما يخلق انسان بمواصفات وشكل مختلف عن الاخرين فمن الصعب تقبل المجموع لهذا العضو الجديد في مجموعة هياكل الدول، ولهذا ترى ان العراق الجديد بمؤسسات دولته الجديدة فيه عسرة هضم لباقي النظم السياسية العربية القائمة، وهذا تبلور في ان هذه النظم العربية مع كل تناشزاتها وتناقضاتها السياسية وتفرقها الذي يضرب به المثل لم تجتمع في حياتها الا على شيئ واحد هو التخلص من العراق القائم اليوم وبأي ثمن ممكن !. نعم الاقليم العربي عندما يدرس التغيير الذي حصل في العراق سيكتشف انه التغيير الحقيقي في هذه المنطقة التقليدية المحافظة، مما يدفع الانطباع لديها ان هذا النموذج العراقي ان اتيحت له الفرصة كاملة ليعبر عن نفسه وعن شعبه بلا عراقيل تذكر فسوف يفضح الحالة المزرية القائمة في دول ومؤسسات العالم العربي السياسية، المفروضة قسرا على الانسان العربي، وسينتج تلقائيا ومن خلال وجوده الغير مفتعل نموذجا سياسيا متقدما على المستوى الانساني والسياسي مما يجعله مادة دسمة لاغراء باقي الشعوب العربية باحتذاء التجربة العراقية باعتبار ان الشعوب العربية من صنف واحد وليس من المنطقي ان الانسان العراقي يمارس حريته وسياسته وحركته في الحياة بكل طبيعية وديمقراطية وبلا خوف او وجل او ارهاب دولة، بينما اخيه الانسان العربي غارق في الارهاب وعدم احترام اجهزة الدولة لكرامته ووجوده السياسي ... وغير ذالك، فمثل هذا التناقض سوف يخلق حالة من الفوران الشعبي العربي القائم على دولهم وحكوماتهم الغير شرعية وكذا عدم رضا على هياكل الدول العربية القائمة والتي هي من التركيب الفاسد والبنى المعقدة بحيث ان لااصلاح لمثلها الا بهدمها والاتيان عليها من القواعد واقامة بناء جديد لدول هي بحاجة الى عقول وارواح وكوادر وهياكل وقيادات جديدة بالتمام !. هذا هو معنى 9 نيسان 2003 م في العراق داخليا واقليميا، فهو يبدو اكثر بكثير من مجرد سقوط طاغية، وكم من طاغية سقط لكننا لم نرى تغييرا يذكر، وانما هو تاريخ يحمل في داخله اكثر من مجرد تغيير فوقي سياسي، وانما هو بالفعل ثورة شاملة اطاحت بمعادلة قديمة وانشأت مكانها شيئ جديدا، وعلى الانسان العراقي ان يدرك هذه الابعاد لتغييره ليستطيع فهم ما انجزته له السماء من فضل والانسان من عمل والعراقيين من تضحيات !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |