|
دَمُ الشَهيدْ
قاسم محمد الكفائي عراقي مقيم في كندا عنوانُ مَقالتي هذه هوعنوانٌ لمُحاضرةٍ كانَ قد ألقاها الشيخ مُحَمّد مَهدي اللآصِفي (تلميذ ٌ ومقربٌ الى الشهيدِ مُحَمَّد باقر الصدر آنذاك – واليوم ممثل آية الله السيد على الخامنئي في النجف الأشرف) في المَوسِم الثقافي السنوي (بداية السبعينات) الذي تعقدُه مكتبة ُالأمام ِالحكيم العامةِ بجهودِ طبقةٍ من المثقفين الأسلاميين في تلكَ الحقبَة. من بين الحضور كان نعَيِّم آل مُظهر رئيسُ إتحاد العام للجمعيات الفلاحيّة ( قتلهُ صدام بالسُم قرابة عام 1979 لأنه من جماعة البكر، وكان حضورُه يشيرُ الى أن حزبَ البعث العراقي كان في دَور التخطيطِ لأجتثاثِ الفكر الأسلامي وتعطيل ِ حَرَكتهُ في المُجتمع ِالعراقي) . كنتُ حاضرا فيها وأنا شابٌ يافعٌ أعدو خلفَ مَظاهرِ ومَوجاتِ الأفكار، وأبحث ُ فيها عن عِلم ٍأو بدون ِعِلم . فما زالت بعضُ مفاهيم ومفرداتِ هذه المُحاضرة عالقة ًبذاكرتي ولم أنسَ منها إلاّ القليل . الآصِفي وكما عرفناهُ شخصية ٌ علمية ٌمؤثرة، يُحبهَا عامة ُالشبابِ الواعين، والطبقاتُ المُثقفة ُعلى اختلافِها الفكري والعقائدي . فكانَ مؤثرا في غزارةِ علمهِ، وطريقةِ طرحهِ، وسَلاسَتةِ . لكنّ أكثرنا يعرفُ أنَ الشيخَ هو ثمرة ٌمن شجرةٍ أنتجَت معهُ ثمارا أسمُها محمّد باقر الصدر ( تقدست روحُه الطاهرة ) . فلو حدّثنا اللآصفي آنذاك عن قيمةِ أول قطرةٍ مَسفوحَةٍ تسقطُ على الترابِ من دم ِالشهيد، وكيف أن الملائكة تتلقفهُ حالَ استشهادِه بلطفٍ وحُبٍ، وهو في منزلةٍ يعلمُها اللهُ وملائكتهُ ورسُلهُ ! فماذا سَيُحدثنا شاهدُ العَصرِ إذن عن أول ِ قطرةٍ من دَم ِ مُحمّد باقرِ الصَدر سَقطتْ في سبيل ِالله والوطن ِ والشعبِ على أرض الفُراتيَن وتبرّكا بها، يومَ سفكها الطاغوتُ صَدام حُسين في نيسان عام 1980 ؟ حقيقة ٌ تعجُّ ريحُها في صَدري منذُ سنين ٍ مَضتْ ويا ليتني لم أجدْ تقصيرا في مؤسساتِنا المَعنية في عمليةِ استحضار وترتيبِ وطرح مَعالم شخصيةِ السيد الصدر على أساس الأستحقاق من خلال مَرجعيتهِ التي انفرد بخصوصيتِها، وفكرهِ الذي تجَدَدَتْ به علومُ الأوَّلين، ووطنيتِه التي حرّكت كلَّ ساكن ٍ ومُتحَرِكٍ لأسقاطِ عرش ِالطاغوت، فكانت نتائجَها مُوَفقة ً لتضعَ صدامَ ونظامَه في المُربع ِ الذي يَستحِقهُ، وكانت النهاية َالمُخزية . فالعراقُ اليوم بحاجةٍ الى تعميم ِ روح ِالوطنيةِ التي اختصَّ بها السيد الشهيد، والتأكيد عليها كونها المِعيارُ الأمثل والأنقى في تجاوزِ الخلاف والأختلاف الفكري والمذهبي والعقائدي الذي نجدُه في عموم أحوال الناس . لقد حَرصَ السيدُ الصدر في بياناتهِ الوطنيةِ في آخر مَرحلةٍ من حياتهِ على وجوبِ اسقاطِ نظام صَدام المُستبد على يدِ كلِّ عراقيٍّ غيور بعيدا عن فوارق الدّين والمَذهب والقوميّة . فكان ينادي أخاهُ السني على قدَر ندائهِ لأخيه الشيعي، وينادي أخاهُ المَسيحي على قدر ندائهِ للمسلم . فرسّخ قواعدَ المحبةِ والتسامح ِ بعدما أزالَ الفوارقَ والحواجزَ . فصبرَ على الشهادةِ ليدفعَ حَياتهُ ودمَهُ ضريبة ً لمواقفهِ . هكذا كانت أختهُ العلويّةِ الطاهرةِ آمنه الصدر( تقدّسَت روحُها الطاهرة ) عندما دافعَت عن دينِها وأخِيها على عَتبةِ بابِ الطاغوت المُستكبرِ، المُستبد حتى استشهادِها وإخفاء جسدِها الطاهرِ والى اليوم . لذا فأن المسؤولية َ المُلقاة َ على عاتق ِ مؤسساتِنا الوطنيةِ يجب أن لا تختلف في كيفيةِ رَسم ِ الصورةِ الحقيقيةِ في جَميع مَحافلنِا الوطنيةِ، ومنتدياتِنا التي يجب أن تكونَ عنوانا مُعبرا عن حقيقةِ شخصيةِ مُحمّد باقر الصدر، وتصحيح ِ بعض أخطاء الغفلة في رسم ِتلكَ الشخصيّة، وحصرِها من خلال نتاجهِ الفكري المتمثل بكتابَي ( اقتصادُنا وفلسفتُنا ) كونَ هذين المُؤلفيَن هما محطة ُ اتفاق ٍ واختلافٍ ما بين الناس، فهما بالأساس يعرضان ويناقشان ويستنبطان مفاهيمَ ويعطيان حُلولا يُمكنُ القبولَ بها أو الرّدَ عليها ( المؤلفان صارا مصدر اشعاع ٍ فكريٍّ وحضاري لجميع المُنتديات العلمية الدولية )، لكن روح الوطنية التي تسَلح بها السيد الصدر لمواجهة الطاغوت وتبَنيها عمليا هي الكفيلة ُ بسَدِّ كلِّ الثغراتِ التي تواجهُِ رَكبَ البناء المَدني والحَضاري والأجتماعي في عراقِنا الجَديد، وَتجمَعُ أبناءَ العراق الذين دافعَ عنهُم على اختلافِهم بدون ِفوارق . فالوطنية ُ هيَ الأنتماءُ النقي الذي لا يحمل الضد كما حمَلهُ ( المِحراث والديالكتيك ) . فاسهلُ المُمكن أن ُنعرّف نتاجَهُ الفكري من خلال شخصيتهِ العلميةِ العامة، والخطأ هو أن نعرّفَ شخصيَتهُ الرفيعةِ من خلال َنتاج ٍ منفرد . أيضا كتابهُ الأسُس المنطقية للأستقراء، البنك اللاربوي في الأسلام، مجتمعُنا، كتبُه في علم الأصول، والعقيدة، والفقه، وبحوثُ الخارج، جميعُها درجة سُفلى من هرَم ٍ عملاق ٍ وكبير، وفكر ٍ يتجدّد . المطلوبُ منا أن لا نخذلَ الواقعَ في غفلةٍ نحنُ لا نُريدُها . معَ ان البناءَ الثقافي السَليم في المُجتمعاتِ ليسَ بالسَهل اذا لم ُتحدِّد مواطنُ الضَعفِ والقوةِ في عمليةِ التغيير الثقافي والعِلمي المَنشود . لقد انفردَ السيدُ الصدر بزعامتهِ كمرجع، وطرُوحاتهِ كفيلسوفٍ ومفكرِّ، واهتماماتهِ على صَعيدِ التغييرالسياسي والحَوزةِ في النجفِ الأشرف . فجعلَ منها رَغمَ كلِّ الحواجزِ والمصاعبِ التي تعترضُ حركتهُ الرِياديّة ونجاحَها في كلِّ مَناحِي الأبداع المَعرفي، والثقافي قلعة ً علمية ً رَصينة ً حيثُ أثرى رفوفهَا العلميةِ بفكرهِ الرَصِين الذي افتقرت له حواضِنُ العلم في سائرِ البلدان . لقد أحيا صدامُ المقبور موقفَ جدِّه مُعاوية بن أبي سُفيان من الأمام علي بن أبي طالب - عليه السلام – ما بعد استشهادِه وتوليه هو الخلافة زورا عندما أمر حكومَتهُ وعمومَ الخطباء والناس بسَبِّ الأمام ِعلي عند ذكره، وقد دامَت هذه الظاهرة لأكثر من أربعين عام حتى جاءَ الخليفة ُ الأموي العادل عُمَرُ بنُ عبد العزيز – رحمه الله - وألغاها نهائيا وأمرَ بعقوبةٍ في حال ذكرها . فما بعد استشهاد السيد الصدر لا يمكن لأنسان عراقي أن يجرأ على ذكر إسم السيد محمد باقر الصدر بدون أن يسبَهُ، أو يتهكمَ عليه، وهذا ما أدمى قلوبَ المُحبين والتابعين . فكانت التقية هي الأولى من باب ( سبوني ولا تتبرأوا ) . اليوم صارَ صدامُ حسين هو المقبور بحق، وصارَ أتباعُه ومريدوه في خزي بعد خزي . وصارَ مُحَمّد باقرُ الصدر ملاذا وطنيا لكل العراقيين، وقبرُه شامخة ٌ مَعالمُهُ، تزورُه الملايين من عشاقهِ في كل عام . أبرأُ الى الله واليكَ من أعدائك سيدي يا أبا جعفر، وسلامٌ عليكَ وعلى أختِكَ الطاهره التحياتُ الطيبات أبدا ما بَقِيتُ وبقي الليلُ والنهار .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |