|
قمّة حلف شمال الأطلسي في ستراسبورغ
قبل سنتين بالضبط، قلت في مقال نشر لي هنا، بجريدة البيان يوم 11 ابريل 2007، عنوانه : " هل سيخطو ساركوزي نحو الاليزيه ؟ : " إنني اعتقد بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد رقصت لذلك طربا، وزادت من فرحتها العارمة عندما أعلن ساركوزي ترشيحه، وقد كان الأخير، قد اثبت للعالم كله طريقته في الإدارة مؤسسا للساركوزية التي تتلاءم جدا مع المناخ الأمريكي وكيفية تبلور المواقف الجديدة التي ستدخل ثمارها في السلال الأمريكية!". وبعد أشهر، فاز ساركوزي، وأصبح رئيسا فرنسيا، ولكن من نمط جديد ! منذ أسبوع، وأنا أتابع مجريات مؤتمر قمة حلف شمال الأطلسي الذي انعقد في ستراتسبورغ الفرنسية الواقعة على الحدود الشرقية، واستمعت إلى الرئيس الأمريكي وهو يعرض أفكاره أثناء لقاء مفتوح، مفهرسا العديد من القضايا العالمية، بدءا بمجموعة الـ 20 في لندن، وانتهاء بالأزمة الاقتصادية، وبشّر بـ " عهد جديد من المسؤولية "في التعامل مع الركود الذي يجتاح العالم اليوم عام 2009 . كان مئات من الناس، يستمعون إليه، وأغلبهم من الطلبة المنحدرين من فرنسا وألمانيا، وصفق له طويلا، وهو يتحدث بصوت عال، وخاصة عندما تحدث عن الجهود الرامية إلى خفض مخزونات الأسلحة النووية، وإغلاق معتقلات خليج غوانتانامو سيئة الصيت. كما هبت عاصفة من الهتافات الحماسية عندما أصر قائلا : أن "الولايات المتحدة لا، لم ولن تمتهن التعذيب". إن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، قد أدى إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، بمعارضتهما الشديدة للحرب .. في حين أن بريطانيا، انضمت إلى الجهود الأمريكية للإطاحة بصدام حسين ونظامه، فكان أن حدثت متغيرات جد مهمة في الشرق الأوسط . اليوم، لأول مرة يسمع العالم ثناء أمريكيا لفرنسا، ففي كلام اوباما نغمة جديدة في مخاطبة نظيره الفرنسي ساركوزي، حتى وان تبلورت في خطوة رمزية، بعد أن وافقت فرنسا على قبول أحد سجناء سجن غوانتانامو من اجل مساعدة واشنطن في إغلاق المنشأة الحديدية . ويبدو أن ساركوزي كان له فضله في هذا الشأن إضافة إلى شجاعته في تحركاته على جبهات أخرى ! رد ساركوزي على نظيره اوباما بذكاء، وقال : عد إلى أوروبا في يونيو القادم كي نسير معا على شواطئ نورماندي في الذكرى 65 ليوم النصر عندما هبط المظليون الأمريكيون يتقدمون قوات الحلفاء ليحرروا فرنسا .. واستطرد قائلا: إن فرنسا لن تنسى أبدا ما قامت به الولايات المتحدة من اجل ذلك. يعد اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي الذي انعقد في ظروف صعبة قبل أيام خطوة مهمة جدا بالنسبة لإعادة أوروبا ثقتها بأمريكا من جديد .. وقد تّم التركيز على سجل التحالف في أفغانستان، وقلل السيد أوباما من حجم الاستياء الأميركي الذي أثارته بعض التقارير التي قلّلت من شأن التزام فرنسا في الحملة الدولية ضد طالبان. وقال : "أن فرنسا لم تشهد حجم المعاناة في أفغانستان"، وأشار إلى ساركوزي قائلا بأن هناك ثمة ملاذات إرهابية تشكل تهديدا صارخا ليس إلى الولايات المتحدة حسب، بل لأوروبا أيضا . ولقد تعهد أوباما زيادة كبيرة في القوات الأميركية في أفغانستان، وهو يسعى من اجل التزامات جديدة من دول حلف شمال الأطلسي، قائلا : "لقد طلبنا من الشركاء في الحلف الأطلسي المزيد من المساعدات العسكرية والمدنيين" وكان ذلك في لقاء مفتوح. ولقد حث على تغيير في المواقف في أمريكا، وقال إن هناك "عدم تقدير لأوروبا على الدور الريادي في العالم،" وأضاف وهو يسخر، رافضا تلك الغطرسة الأمريكية التي كانت في وقت من الأوقات ! ولكن ثمة مواقف مناهضة للولايات المتحدة في أوروبا، مضيفا : إن على جانبي الأطلسي مواقف ليس من الحكمة أن تستمر . إن جولة اوباما الأوربية، رفقة زوجته، لها عدة معاني كبيرة، في مثل هذه المرحلة .. وقد اهتمت به وسائل الإعلام الأوربية كثيرا لأمرين اثنين أولاهما كرئيس أمريكي جديد، وثانيهما كأول رئيس أمريكي اسود إن خطوة فرنسا ساركوزي بقرارها في العودة للانضمام إلى العضوية الكاملة لحلف شمال الأطلسي بعد غياب دام أكثر من أربعين سنة من القيادة العسكرية، يعد خطوة جريئة بقيادة ساركوزي، مما حدا بالرئيس اوباما ان يشيد بذلك . بل وأثنى على ذلك قائلا بأن فرنسا تعد "أقدم حليف، وهي الحليف الأول لنا"، فأجابه ساركوزي قائلا انها "مبادرة من الإبداع والابتكار". لقد حظي اوباما بترحاب شديد في ستراسبورغ بالرغم من احتجاج ما يقارب الألف شخص تجمعوا ملثمين من أماكن مختلفة، ومارسوا أعمال شغب عديدة ولاحقتهم الشرطة .. ويبدو أن اوباما سيعيد اللحمة الأوربية الأمريكية من اجل تحقيق أهداف لم يفصح عنها أبدا !
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |