|
مصر الرسمية كل يوم تصُغر حتى الانهيار الكبير!
حميد الشاكر مؤسف جدا ما وصلت اليه مصر الرسمية بكادرها السياسي الذي يقوده الرئيس مبارك في عهده الذي امتدّ اكثر من ثمانية وعشرين سنه، بلا تغيير فعلي ملموس في تحسّن الحالة المعيشية لهذا الشعب او رفاهية السلام الذي وعد بها هذا الانسان او على الاقل بعض الايفاء بالوعود السياسية بالانفتاح الذي انتظرها المصريون طويلا في عهد مبارك بلا مجيئ لها وبلا مؤشر يشير الى قرب وصولها وتحققها على ارض الواقع !. بل العكس تماما هو الذي أتى على لسان النتائج بعد ثلاثة عقود من حكم الجنرال مبارك لمصر، فالحالة المعيشية للفرد المصري في تدهور يوم بعد آخر، ورفاهية السلام تبخرت في شوارع الصفيح والعشوائيات الفقيرة التي تزداد كثافةحول عنق القاهرة لتخنقها كل يوم، وتردفها كذالك بيوت المقابر المتزايدة، مضافا لذالك هذا التضييق السياسي الغير مسبوق في تاريخ مصر الحديثة على الاحزاب والتيارات والتجمعات السياسية المصرية، ومنعها من التعبير عن ذاتها او المشاركة في صنع القرار والحكم في مصر حتى بدت مصر الطليعية بتاريخها من افقر الدول في المنطقة في حراكها وانتعاشها السياسي الذي يليق بحاضرة عربية واسلامية كمصر في القرن الواحد والعشرين العولمي والمنفتح رغما عن انفه!. والحقيقة كان تمنينا متواضعا ان تقف الحالة بمصر العروبة والثقافة والنهضة بعد السلام وعهد مبارك على هذا الحدّ من التدهور الاقتصادي للفرد المصري، او النكث بوعود رفاهية السلام، او حتى غض الطرف لحالة التضييق السياسي الغير مسبوق على هذا الشعب الاصيل بكل كوادره السياسية المتحركة والحيّة والفاعلة، ولكن تطوّر الحالة المأساوية لمصر الرسمية وتدهور كل اعضائها الفسلجية، وشيخوخة عمرها المبكرة، هي مايقلقنا حقيقة على مصر الروافد العربية والاسلامية التي كنّا نتوقع لها الكثير الكثير من النمو والتطور والتقدم في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم، ولكن ومرّة اخرى لكنّ ما ادخلنا في حالة من التسائل والحيرة بل والذهول واحيانا الامتعاض والغضب، ان مصر هذه التي نعيش اليوم معها هي ابدا لم تكن في يوم من الايام مصر التي كنّا نعرفها وتوقعنا لها ان تكون في المقدمة دائما !. نعم مصر هذه التي امامنا في الالفية الثالثة ليست هي مطلقا مصر النهضة ولاهي مصر الثقافة والريادة، ولاهي كذالك مصر العقل والصناعة والتطّور والحضارة والامل لهذه الامة، ولاهي مصر التي كان دورها لايقل في الثقافة والسياسة والتطوّر عن اي حاضرة اوربية في زمن نهضتها، الا ان هناك فيروسا مرضيا ما وفجأة دخل على الجسم المصري ليحوله الى كيان هزيل ومنهك ومتدهور وآيل للسقوط يوما بعد يوم !. وما الذي اصاب هذا العملاق المصري حتى ينتكس هذه النكسة في المجال الصناعي والتكنلوجي بله عن الاقتصادي والسياسي ؟. واين مصر الفعل العربي والاسلامي والدولي ؟. وكيف استطاعت بعض العوامل ان تحوّل مصر من عملاق في كل شيئ الى هيكل متقزم في كل شيئ ؟. والاغرب مما فات كله كيف قبلت مصر المصريين على حدّ تعبير هيكل ان تقبل بلعب دور مقدم الخدمات الدعائية لاغير لدول الاستعمار ومن ثم منصة للخدمات الصهيونية في المنطقة العربية والاسلامية ؟. وحتى على هذا المستوى نستطيع ان نقول وببالغ الحزن ان مصر الرسمية حتى بهذا المستوى لم تسلم من الانتكاسة ايضا، ففشلت حتى في ان تكون ايجينت جيد لتقديم الخدمات للصهيونية والامبريالية الاستعمارية في العالم ؟. يبدو ان كل الاجوبة التي بالامكان تغطية مساحة الاسألة التي طرحناها في المرض والتدهور الكياني لمصر العربية والاسلامية يتلخص في بعدٍ واحد اصيل لاغير: هو ضعف القيادة السياسية لهذا البلد وانهيار كامل طاقتها الادارية والفكرية والابداعية الصناعية لخدمة هذا الوطن !. ان ادارة الجنرال الرئيس حسني مبارك لدولة مصر الحديثة بدأت أول مابدأت في رحلة توليها للسلطة بتجريد مصر من دورها السياسي الاقليمي والدولي بالتدريج من خلال خطة فرض السلام الموهوم بينها وبين اسرائيل الى ان عزل الرئيس حسني مصر تماما عن جميع اوراقها السياسية التي وفرتها لمصر ثورة 1952 م بقيادة جمال عبد الناصر، وثمّ بعد ذالك لعب الرئيس حسني مبارك على تغييب الهامش السياسي الداخلي للمصريين انفسهم بحيث جفف موارد الاحزاب والتيارات والجماعات المصرية السياسية وهمشها بالمطلق ليجعل من حزبه الحزب الوطني الحاكم اليوم الدائرة الضيقة للمنتفعين من السلطة في مصر، وبعد ذالك التفت هذا الرئيس المصري الى اذرع الدولة المصرية وفخر صناعاتها ليقوم بعملية غريبة وعظيمة من نوعها لبيع كل ماتقع عليه يديه للقطاع الخاص باسم الانفتاح والاقتصاد الحرّ حتى تجريد الدولة تماما من كل فكرة صناعية تتمكن من جعل الدولة ادارة تنموية كما هي ادارة سياسية ايضا،..... والى ان وصلت ادارة الرئيس حسني مبارك وتدريجيا في التنقل بمصر من مرحلة الى الاقل منها الى مجرد تحويل مصر كلها الى عرّاب فقط لسياسة السلام او الادق الاستسلام في المنطقة العربية والاسلامية للهيمنة الصهيونية المتوسعة في منطقة الشرق الاوسط !. واليوم وبعد ان صلت مصر ( وجودا ودورا وتقنية وصناعة وثقافة وعلما واقتصادا وسياسة وتطوّرا ....) الى أسوأ اوضاعها الواقعية، والى ان بدت بشكل كيان صغير جدا اقصى ما يطمح اليه المشاكسة العلنية المفضوحة على مشيخة قطر التي نجحت بما لم تنجح به مصر في القضايا الاقليمية ومنها اللبنانية والفلسطينية او الدولية كقمة اهل الجنوب الاخيرة الاقتصادية والتنموية، او ملاحقة حزب مقاوم كحزب الله لتشويه صورته خدمة للصهاينة، او فقط ومجرد اللعب على الاوراق الطائفية لتغيير مسار المطالبات السياسية الداخلية المصرية من الحقوق الى حماية نفس النظام والتمترس خلف الخطر الخارجي الطائفي الزاحف من ايران ....، نقول اليوم مصر هذه الضعيفة والمتقوقعة وفاقدة للدور المناسب لوجودها هي في خطر حقيقي وانهيار محتم ينذر بخطر قادم لامحالة ولكن ليس مما يرّوج له النظام في مصر باسم الطائفية وغير ذالك من اسماء كالحفاظ على الامن القومي لمصر، وانما الخطر الذي ينبغي ان يلتفت اليه المصريون انفسهم هو نفس سياسة النظام القائم عليهم بعد ان فقد كل اوراقه التي تضمن شرعيته في الاستمرار بحكم مصر ّ!. نعم الخطر الذي سيطلق رصاصة الرحمة على كل الوجود المصري اليوم هي تلك السياسات المصرية التي تحولت من سياسات كان ينبغي لها التفكير بكيفية تطوير مصر صناعيا والارتفاع بها اقتصاديا والبحث لها عن دور سياسي يليق بمصر كدولة ..، الى سياسات تشعر ان الغاية العظمى من وجودها هي كيفية الاستمرار في الحكم وتهيئة الارضية لتوريث الحكم ليتحول الى مقاطعة فرعونية لعائلة معينة، بالاضافة الى انتهاج سياسة تقديم الخدمات للغرب الصهيوني مقابل عدم مطالبة هذا الحليف الغربي المنفق على مصر الادارة في مصر باي شيئ يتعلق بالاصلاحات السياسية او التغييرات الحقوقية للمواطن المصري وهكذا !. ان هذه السياسة هي في الحقيقة التي تزرع بذور تشظي المجتمع المصري من الداخل كما نراه بالفعل اليوم وانقسام اهله والخطر الحقيقي على وحدة مجتمعه المصرية، كما انها هي من سوف تغامر بكل مصر لتشرق شمس صباح يوم من الايام لنجد ان هناك حربا طائفية او دينية او اهلية بين المصريين انفسهم، ولايعتقدن النظام في مصر ان سياسة ( فرق تسد ) الاستعمارية هي كفيلة فقط باستمرار وبقاء حكم نظامه لاغير (وهنا اسأل مجرب كالعراقيين )، بل الخطر في هذه السياسة داخليا انها كما تفرق ليسود حاكم هي تفتت ايضا وتقسم المجتمع وتودي بوحدة الوطن كذالك !. اما مايتعلق في السياسة الخارجية للنظام في مصر، فلتعلم هذه الادارة السياسية المصرية ان حتى على مستوى تقديم الخدمات للغرب ولعب العرّاب لسياسة الاستسلام للصهاينة، حتى في هذه المفاصل وغيرها فان شيخوخة النظام في مصر فشلت فيها ولم تعد تعطي لمصر اي مكانة دولية، او اوراق سياسية تضمن للنظام في مصر تفوقه في هذه الناحية على الاخرين، لاسيما ان الصهاينة انفسهم لم يعد يعنيهم او يهمهم الموقف المصري من العملية برمتها بعد ان فقدت مصر كل اوراقها العربية والاسلامية وحتى الشعبية الداخلية ايضا !. ان المصريين اليوم انفسهم وليس نظامهم على مفترق طرق حقيقي، وإن لم يبادروا بانقاذ بلدهم ووحدة مجتمعهم، ولملمت ماتبقى من وطنهم بعد ان بيع قطعا مجزأة بالاسواق العالمية، فسوف تغرق السفينة المصرية من الثقف الذي تتحرك فيه قيادة الرئيس المصري حسني مبارك وحاشية حكمه والمنتفعين منه، وهم حقيقة بين خيارين، أما الاستماع لمخططات النظام السياسي القائم على حكمهم والتي تبدو انها سائرة بمصر الى كارثة حقيقية، وأمّا الاخذ على يد المخطئ وتغيير مسار الدفة وانقاذ مصر من الغرب، وليفهم المصريون من هذا الكلام اي معنى الا معنى الغش لهم او عدم الحب لمصالحهم وعزهم وانقاذ شوكتهم من الانهيار التام !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |