|
أزمة ـ مؤسسة ـ الدولة العراقية.. تناحرسياسي ام تخلف اداري؟
إن مفهوم القيادة السياسية في الدولة الحديثة هو ـ الإدارة المؤسسية لاجهزة الدولة ـ وكل مسؤول سياسي أو تنفيذي هو ـ مدير ـ للإدارة المكلف بقيادتها..ابتداء من ـ إدارة ـ رئاسة الجمهورية والحكومة ..ونزولا إلى اصغر قسم أو شعبة في هرم الدولة أو مؤسسات المجتمع العامة والخاصة ..ويخضع جميع هؤلاء المدراء لمعايير التوصيف الوظيفي ومقاييس الأداء المؤسسي وفق للدستور والقوانين التنفيذية المتممة له..ويجري اختيارهم واستبدالهم وفق ذلك. وليست تلك ـ المناصب ـ السياسية والتنفيذية هبة من الرحمن لـ ـ قائد ضرورة! ـ او تفويض شخص مُنتَجَب من السماء على المستضعفين في الارض..أو وصاية ـ شُلَّة ـ من الأولياء (الصالحين او الطالحين ) على الرعية!.. فان لم تدرك القيادات السياسية ـ الحكومية والحزبية والمجتمعية ـ وتطبق ذلك تكون قد انزلقت إلى الدكتاتورية والانغلاق والتخلف والعزلة عن مسار حركة التطور التاريخي..وعََجََّلَت بأُفول نجمها..شاءت أم أبت.. فالفوضى والتخبط السياسي والحزبي والحكومي ـ الذي تعيشه معظم مؤسساتنا الحكومية والخاصة ـ ناجم بالدرجة الأولى عن عدم النضج الاداري في مختلف قطاعات العمل الحكومي والحزبي والخاص والمجتمعي.( هذا التخلف في الرؤية الادارية هو نتاج لرؤية سياسية متخلفة لمفهوم العمل السياسي ، لان السياسة هي ـ ادارة ـ للشأن العام ). وما يزيد من انفضاح ذلك الخلل ـ الإداري ـ وخطورته ..كون العراق مُلزم تاريخيا .. شعبا ودولة .. بحتمية الانخراط في تيار التنمية الشاملة الذي تفرضه الظروف الذاتية والموضوعية..الداخلية والإقليمية والدولية. ومن ابرز مستلزمات نجاح هذه التنمية هو : توفر القوة البشرية المتخصصة ، المؤهلة والمدربة والعاملة كـ ـ فرق عمل ـ بقيادة مدراء كفوئين ومبادرين ونزيهين. لذلك فان أي متابع للشأن العراقي منذ عقود من الزمن ـ حيث كانت تسود انماط متخلفة من ادارة الدولة والمجتمع ـ ومع نشوء الحاجة الملحة لبناء دولة تنموية دستورية في السنوات التي اعقبت الاحتلال وسقوط الدكتاتورية عام 2003..سيدرك إن ـ الأزمة ـ التي واجهت وتواجه ـ مؤسسة الدولة ـ العراقية هي في جوهرها : ندرة الإدارات الكفوءة في مختلف الميادين القيادية والتنفيذية. فما تزال الكثير من مؤسساتنا الحكومية والخاصة متخلفة الأداء ، وضعيفة الإنتاجية ، ورديئة الإنتاج ..نتيجة لوجود هذه العناصر ـ الإدارية ـ غير الكفوءة وغير النزيهة ..التي تدير بعض الوزارات والمؤسسات والادارات بمنهجية وعقلية بعيدة عن مفاهيم ـ الادارة التنموية الحديثة ـ التي تتطلب : · الكفاءة المهنية. · النزاهة التنموية العادلة. · التخصص الداعم للمهمة الإدارية. · المسؤولية الشخصية عن نتائج الإعمال ونتائج الأخطاء. · المأسسة في جميع مفاصل وحلقات العمل الإداري والتنفيذي. · التنسيق مع جميع الإطراف المشاركة والداعمة للإنتاج أو الخدمات. · المساءلة كمنهج ثابت لتقييم ومراجعة العمل وتطويره. · الشفافية في جميع مراحل الدراسة والتحليل والتخطيط للمشاريع وعند تنفيذها وتقييمها وتشغيلها. · المشاركة بفعالية من قبل جميع الأفراد المكلفين بالمشاريع والخدمات في مناقشة مستلزمات نجاح تلك المشاريع بكافة مراحلها.. · تفويض الصلاحيات كأحد أهم مؤشرات العمل الإداري المشترك بين القيادات الإدارية الرئيسية والإدارات الثانوية.. لهذا فقد انتجت المراحل المتعاقبة من العمل الحكومي والمجتمعي غير المؤسسي خلال العقود الاخيرة ـ وماتزال ـ اشكالا غريبة ومريبة من ـ الادارات ـ السياسية والاقتصادية والمجتمعية المفسدة للدولة والمجتمع..نتيجة ـ إدارة ـ بعض المؤسسات الحكومية او المجتمعية بعقلية وانماط ادارية متخلفة ومتعسفة وطفيلية وغير منتجة ..شبيهة بـ: · إدارة القبيلة المنغلقة خارج الحضارة والمستكبرة على الاخر. · إدارة العصابة المُستلِبة ..الخاطفة للغنائم قبل فوات الاوان. · إدارة القطيع المطيع الممنوع من التساؤل. · إدارة البقالة الآسيوية القروية الراكدة على هامش الانتاج. · إدارة المعبد القابع في قرارة الصحراء والغموض. · إدارة السجن العبودي الابتزازي المجهول العنوان. ولإطلاق الحوار التنموي لتطهير الدولة والمجتمع من الأوبئة ـ الإدارية ـ التي اشرنا إليها سالفا ،والتي تعيق عملية التنمية الشاملة ـ ويشكو منها في العلن جميع أهل الحكم ومعارضيهم ـ لابد أن نتساءل عن حالنا اليوم ونترك الحوار معكم مفتوحا والجواب لكم صريحا: 1. هل توجد ـ إدارة سياسية للدولة ـ كفوءة ومنسجمة مع ذاتها ـ لأدارة العملية السياسية ( الدولة بسلطاتها الثلاث ـ التشريعية والتنفيذية والقضائية)؟ · بعد أن تفسخت ـ المحاصصة الطائفية والعرقية ـ في جسد الدولة والمجتمع وتفشت أوبئتها دماءً وخراباً وتخلفاً وتشرداً . · وأضحت تعيق عمل الحكومة في جميع الميادين الاقتصادية والخدمية بما فيها الأمنية حيث غدت ـ المحاصصة ـ احد اخطر مصادر ديمومة الإرهاب. · وتشل الدور الرقابي والتشريعي لمجلس النواب . · وتوَسع الفجوة التنازعية بين الرئاسات الثلاث. · وتستبعد الاداريين المتخصصين البنّائين ، وتجري خلف الهدامين الذين هددوا ويهددون السلم الاجتماعي والذين يسعون لاقحام الوطن والمواطن في كهف التخلف( باسم المصالحة الوطنية). 2. هل توجد ـ ادارة اقتصادية ـ كفوءة لصياغة توجهات وخطط رشيدة للاقتصاد الوطني وادارة تنفيذها في هذه المرحلة التي تعصف الازمات فيها بالاقتصاد العالمي والوطني؟ في وقت تطنب الفوضى في الاقتصاد العراقي الانتقالي ( من الاقتصاد الموجه الى الاقتصاد الحر !!!!) إلى جانب غياب رؤية وخطة اقتصادية وطنية تنموية متكاملة ومتوازنة تحدد هوية واتجاهات الاقتصاد الوطني..وتختار الكفاءات الوطنية الاقتصادية لإدارته ـ بعدا عن المحاصصة البغيضة ـ .. لأن هذا النهج الإداري المرتبك في المؤسسات افرز ـ من بين اوبئة متفاقمة وتنوعة ـ تنازعا خطيرا بين ـ إدارات ـ الوزارات والمؤسسات الاقتصادية. 3. هل توجد ـ ادارة زراعية ـ مخططة ومنفذة ومراقبة ـ قادرة على اعادة العراق الى قائمة الدول المكتفية ذاتيا والمصدرة للمنتجات الزراعية؟ في وقت يشكو الفلاح العراقي من الجفاف وغلاء المحروقات وارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات واللقاحات وانقطاع التيار الكهربائي ، وإغراق الأسواق بالمنتجات الزراعية والحيوانية ـ الرخيصة ـ من الدول الشقيقة والصديقة التي يتسلل منها الإرهاب ( كما تقول المصادر الرسمية الامنية). 4. هل توجد ـ ادارة صناعية ـ مؤهلة لتحويل العراق الى دولة صناعية من خلال استثمار الموارد المالية والمواد الاولية والطاقة المحلية والقوة البشرية الوطنية، وتجنب الانزلاق نحو استيراد الايدي العاملة الاجنبية غير الضرورية المُهَددة للأيدي العاملة الوطنية؟ في وقت ينحب فيه الصناعيون العراقيون من كساد بضائعهم وتوقف معاملهم وورشهم بسبب التنافس غير المتوازن مع السلع التي أغرقت الأسواق المحلية ، ونقص الطاقة الكهربائية لمعاملهم وضعف الدعم الحكومي لهم. 5. هل توجد ـ ادارة ثقافية ـ راغبة ومؤهلة لاستقطاب جميع المثقفين العراقيين داخل الوطن وخارجه لمشروع ثقافي وطني مزدهي بالتعددية والتنوع؟ حيث تتجاوز طاقات المثقفين ومبادراتهم الفردية والفرقية ـ كهف الثقافة الرسمية الغامض ـ ، ويتطلع مئات آلاف المثقفين العراقيين المشردين خارج الوطن إلى مبادرة مؤسسية واضحة وشفافة لتنظيم عودتهم ـ كمنتجين مبدعين لا كشحاذين ـ للمساهمة في إعادة إنتاج الثقافة الوطنية وفق مبادئ حرية الفكر وحقوق الإنسان. 6. هل توجد ـ ادارة سياحية ـ تنموية متخصصة قادرة على منافسة موارد النفط بالموارد السياحية المتنوعة على مدار العام وفي عموم العراق؟ ونحن نتابع الشكاوى المرة لاهل السياحة عن: فتح سوق السياحة العراقية ـ الدينية الرائجة اليوم ـ للشركات الإيرانية وغير الإيرانية وبأسعار زهيدة تدمر القطاع السياحي الوطني. 7. هل توجد ـ ادارة رياضية ـ تستهدف ايجاد البنية الاساسية لجعل الرياضة نشاطا شعبيا يمتد الى كل بيت في العراق؟ ولايمضي يوم دون ان نسمع صرخات الاندية الرياضية العراقية العريقة التي تشكو الافلاس في زمن التنافس في ـ سوق الرياضة ـ الاقليمية والدولية والمحلية.وتفتقر المحافظات العراقية الى ملعب واحد تنطبق عليه معايير الملاعب الدولية، مثلما يشكو شبابنا وفتياننا من عدم وجود الملاعب الشعبية التي تحتويهم. 8. هل توجد ـ ادارة للطاقة ـ تحمي الثروات الوطنية وتطورها لخدمة التنمية لجيلنا وللاجيال القادمة؟ والى الامس القريب ونحن نشاهد تقاذف كرة انقطاع الكهرباء بين وزارة النفط ووزارة الكهرباء،ولم نكتسي ـ كمواطنين عراقيين ـ بالرخاء يوم وصل البرميل إلى 150 دولار لكننا شركاء في المصيبة عندما انحدر الى الـ 40 دولار! !!؟ 9. هل توجد ـ ادارة للخدمات ـ تحدد الحاجات الحضارية المدنية للفرد والمجتمع وتضع المعالجات الجذرية السريعة والفعالة لتلك الاحتياجات في جميع بقاع الوطن؟ وثغر العراق الباسم ـ البصرة ـ يجترع الماء المالح منذ قيام الدولة العراقية الى اليوم! ؟..والسليمانية المُنتجة للربيع تستجدي الماء ! ..وأحيائنا تعوم بالمستنقعات المتوارثة حولا بعد حول.. وشوارعنا تحن إلى خمسينات القرن الماضي، وأطفالنا يسبحون بماء المجاري في بيوتهم ومدارسهم. 10. هل توجد ـ إدارة صحية ـ وقائية وعلاجية ترتقي إلى مستوى الكارثة الصحية التي تطحن بالعراقيين منذ أكثر من ربع قرن؟ ويدير أطباؤنا العراقيون المغتربون بنجاح أرقى المستشفيات في أمريكا و أوربا والدول العربية والإسلامية. ومستشفياتنا يتدافع فيها المرتشون والمرضى في أجنحة العلاج ، ويهرب أبنائنا بأمراضهم إلى مصائد المستشفيات في الخارج لاستنزاف عافيتهم وأموالهم.
11. هل توجد ـ ادارة للموارد المائية ـ تقي الناس من الظمأ والوطن من الجفاف؟ حيث يشحذ الطامعون بوجود العراق سيف التعطيش بوجهنا لكسر ارادتنا واحباط اختياراتنا. 12. هل توجد ـ ادارة للبيئة ـ تنقي الوطن من التلوث والبيئة من الاوبئة والانسان من الاورام؟ وماتزال ملفات الاوبئة التي حقنتها الآلة الحربية الامريكية في جسد العراق والعراقيين مغلقة ويحرم الاقتراب منها؟ 13. هل توجد ـ ادارة لدعم مراكز البحوث والدراسات المتخصصة ـ في جميع الحقول والميادين العامة والخاصة؟ ونحن في زمن لاتقوم فيه أية تنمية دون توفر الدراسات العلمية الرقمية الدقيقة؟ 14. هل توجد ـ ادارة للمؤسسات الداعمة ـ لجودة العمل الاداري التخصصي..مثل: · مختبرات القياس النوعي للمنتجات؟ · مراكز الاستبيان؟ · مراكز البحوث التخصصية؟ · مؤسسات التدريب والتاهيل؟ · مراكز التقييم والاختبار؟ 15. هل توجد ـ ادارة لصياغة التشريعات الخاصة بالمعايير والمقاييس ـ يسترشد بها المنتج ، والمستهلك ، والمُسَوِّق. · ان الكثير من السياسيين يحسنون دغدغة مشاعر ـ العامة ـ واطلاق الشعارات الفاقعة التي ترضيهم ، بينما يضع الاداريون المحترفون الكفوءون الخطط القابلة للتنفيذ ، لتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي والمعرفي للانسان ـ وان كانت تلك الخطط موجعة وتتقاطع مع الاوهام التي اشاعها السياسيون في نفوس الناس ـ. · السياسيون ـ المتحاصصون ـ يحسنون بث المسكنات في نفوس اتباعهم بالانكفاء للجزئيات ، وتغريبهم عن مصالح المواطن والوطن..والاداريون المبدعون يحللون الواقع ويشخصون المشكلات ويطرحون الحلول ويقترحون البدائل ويحددون منهجيات التنفيذ ويقودون فرق العمل لانجاز المشاريع. · في داخل كل عراقي خطاب سياسي صاخب يجلجل منذ عقود..ولكن لايوجد في كل ادارة حكومية مدير ناجح ونزيه. · معيار نجاح السياسيين ـ الطفيليين ـ ( بقائهم في السلطة وادامة قدرتهم على شراء ذمم اعوانهم ) ..ومعيار نجاح الاداريين المبدعين( انتاج مادي ومعرفي يثري المواطن ويقوي الوطن ..انتاج قابل للقياس والمساءلة ). · ان السياسيين ـ الاستحواذيين ـ يفرغون الدولة من المدراء الكفوئين ..لان المدير ـ القائد ـ هو الممثل الحقيقي للتراكم المعرفي والقيادي لمؤسسة الدولة التنموية الحديثة..وليس السياسية الذي يغتصب الوظيفة الادارية بقوة المعايير غير المهنية!. · يستعين السياسيون الفاسدون الاستعانة بالعناصر غير الكفوءة ـ الطفيلية ـ لادارة مؤسسات الدولة بديلا للمدراء المتخصصين الكفوئين ، لستر عوراتهم والتعتيم على مفاسدهم لاجل مسمى، لكنهم لايستطيعون ان يمنعوا انفضاحهم امام الناس الى اجل غير مسمى. · السياسيون ـ المستبدون ـ يجنحون الى تقييد السلطات بايديهم..ولذلك ينتهون الى الانشغال بهوامش القضايا ـ المنافع الشخصية ـ ويفقدون القدرة على التحكم بدفة الادارة السياسية ..والاداريون المبدعون ـ يُفوِّضون ـ صلاحياتهم لمن دونهم حسب متطلبات انجاح المشاريع. · السياسيون ـ الطفيليون ـ يخشون انكشاف المعلومات..والاداريون المبدعون يرتكزون الى دقة وشفافية المعلومات. ان المرحلة الحالية الدقيقة من تَشَكُّل الدولة العراقية الحديثة تتطلب وجود ادارات وطنية كفوءة ونزيهة ومتمدنة..قادرة على الانفتاح على احدث مفاهيم الادارة في العالم المتقدم لتجاوز ركام التخلف وتكوين الادارات الحكومية المنتجة والمجتمع المتحضر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |