سايكوباثية "السياسي" العراقي وعلاجات "الفقيه"!!

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

 من الضروري لنا كعراقيين أن نعرف حقيقة وسبب المشاكل الكبيرة والكثيرة التي نعانيها، الطموح العراقي هوفي بناء عراق متحد وديمقراطي وآمن، والواقع هونقيض مكون من التشتت والطائفية والقومية العنصرية التقسيمية، ولكن هل نستسلم لهذا الواقع المرّ ونتركه يتحكم بمصير الأجيال القادمة من العراقيين؟ والاستسلام والتشاؤم ها هنا توأمان لا يفترقان في تحطيم الشعوب وإيقاف تقدمها، فكثيرا ما نرى

بين شرائح المجتمع من ينشر ثقافة اليأس والاستسلام و"أن التخلف هوقدر العراقيين" وأن هذا التخلف والجهل شيء مغروز فيهم، وهذه الصفة في رأيي لا تقل خطرا عن الإرهاب ذاته، فقد كان وعاظ وملالي صدام والبعث ينشرون بين الناس ثقافة التشاؤم و:"أن الدنيا مقبلة على الخراب" وأن نهاية العالم باتت على الأبواب، لم نكن ندري أن بلدنا وحده يتجه إلى الخراب والفقر بينما العالم يتقدم نحوالأمام ونحو

الإبداع في الأرض والفضاء، لم تكن تلك المواعظ الإجرامية (اعتباطية) وإنما كان الملالي البعثيون يظهرون خراب العراق وتخلفه وكأنه أمرٌ طبيعي وأن كل ما يحيط بنا من آلام وعذابات وفقر وظلم وطبقية بشعة وجرائم بحق الإنسان العراقي، هي جزء من "سنن إلهية"!! تسير حسب هوى البعث وطاغيته الأرعن الذي أعاد العراق لما قبل "سومر".

من ضمن مشكلاتنا الثقافية والاجتماعية هونشوء طبقة "سياسية" تعتبر نفسها منفصلة عن طبيعة ونمط الشعب، ففي الدول الغربية ودول العالم الديمقراطية نجد أن المسئولين والرؤساء يظهرون على الشاشات في حياتهم الاجتماعية ويمكن للشعب متابعة أخبار زوجة الرئيس ورئيس الوزراء والملك وأركان الحكومة  وأبنائهم وبناتهم أولا بأول ودون تعميم، بينما في العراق وسائر أجزاءه، وهوجزء من الشرق المتخلف والخرافي، لا يعرف شيئا عن أخبار عوائل أبسط المسئولين فضلا عن الرئاسات، وهكذا يبدوللشعب وكأن أرباب السلطة هم من طينة مختلفة، فلا يُعرف عنهم شيء ويكون من النادر جدا أن تحصل للرئيس والوزير على صورة بعيدة عن مجالس الرسميات والبروتوكوليات، وكثيرا ما يظهر الرئيس بكمّ هائل من الزهور وباقات الورد وقد انتقلت هذه الرذيلة إلى العراق من النظام الإيراني ويظهر المسئول والرئيس وهويُشارك في إحدى المناسبات الدينية "النفاقية"، وهكذا يظهر الرؤساء والمسئولون وكأنهم آلهة وأنصاف آلهة منزهة عن الاختلاط بالبشر، ففي الغرب يظهر الرئيس ورئيس الوزراء وقادة الأحزاب وهم يأكلون ويشربون ويشاركون في هواية مفضلة لديهم وفي لقاء عائلي حميم، صحيح أن رؤساء دول دكتاتورية كانوا يقومون ببعض هذه النشاطات على سبيل "البروباكاندا" ولكن في الدول الديمقراطية تجري هذه الظاهرة بشكل طبيعي وسلس.

وفي جانب آخر نجد أن فيروسا متعدد الأوجه ـ فله وجه قومي أحيانا وطائفي حينا آخر ـ هوالذي يتحكم في مجتمعنا بشكل شبه متجذر، ألا وهو"العنصرية" و"العقل القبلي" الذي يعتبر كل محيطه (عدوا) يجب مجابهته وعلى الأقل التعامل معه بحذر، فكل نظرياتنا الدينية والقومية لها هدف واحد هووضع حدود مبنية على الكراهية والعنصرية بيننا وبين سائر الآخرين المختلف عنا عقائديا وعرقيا، فنتعامل معهم بنمط الحيز المختلف "نحن ـ ديننا ـ لغتنا ـ أعرافنا" مقابل "هم ـ دينهم ـ لغتهم ـ أعرافهم"، والنتيجة التي تنتهي إليها المجتمعات التي تواصل غلق الأبواب في نتاج مكرر، هومزيد من التخلف والجهل ونظريات المؤامرة التي تنتهي بالذات "أنا = نحن" إلى أنها غبية وغافلة مقابل "هو= هم" الذكي والمتطور الذي يفرض علينا ما لا نريده.

علينا إذا كعراقيين أن نفتح أمامنا أبواب العقل كلها، حتى لوفتح ذلك المجال لطرح أخطر الأسئلة والتشكيك في أقدس المقدسات، فطالما بقيت العزلة والجهل وفتاوى البشر تتحكم بحياتنا فلا مجال لنا أن نوحد قرية عراقية واحدة فضلا عن توحيد بلد، فكل مذهب من المذاهب، شيعيها وسنيها، وكل القوميات والأعراق، تضع لنفسها خطوطها الحمراء والمحرمات التي يُمنع الحديث عنها، وبمرور الوقت تتكون لدينا طبقة "حمراء" ثخينة تجعل مساحة الحرية ضيقة وعديمة الجدوى، فنحن لا نعرف شيئا عن المجتمعات الأخرى وهم لا يتزوجون منا ولا نتزوج منهم "الله مولانا ولا مولى لهم"!! ـ تذكرني هذه العبارات بأبي سفيان الذي نفى المسلمين من مكة ـ ونعتبرهم "نجسين"!! وبالتالي نتقوقع في وساوس ومخاوف تقهرنا جيلا بعد جيل، والحقيقة هي أن الشعب العراقي وبفضل وسائل الإعلام والتواصل الحديثة والإنترنت والساتلايت كل هذا الذي جاءنا بعد التحرير، أخذ يتعلم شيئا فشيئا ماهية الديمقراطية والتعددية والأخوة الوطنية، التي تتجاوز المذهبية والقومية والدين.

بقي لنا أيضا أن ندرك أن رجل الدين ـ كما رجل السياسة ـ بقي يدعي الاطلاع الشامل وطالما كان المعمّم يزعم أنه فقيه وطبيب ومهندس وطباخ ورياضي ومزارع وكل شيء، وهوما كان يفعله الطاغية المقبور صدام، فإن الأمور ستبقى في فوضى ودونما نظام لأن على كل طرف أن يحصر اهتمامه الكلّي الذي يختص به دون أن يستطيع أحد في الوقت نفسه أن يحرم أيا من هؤلاء من حق الاطلاع على أي مجال يريده، لكن المشكلة هنا هوأن قدسية "دينية" يتم إضفائها على كل آرائه في شتى المجالات، فإذا قرر مثلا "أن التاريخ أثبت أن الحجاب هوسبب سعادة المرأة في كل المجتمعات"!! فإن هذا الرأي يُحمل على سبيل القداسة التي لا تقبل النقاش حتى لوناقضت الواقع، كما أن الفقيه يفرض عبائته حتى على البحث التاريخي، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالإسلام، وهنا أضع الفقيه السني جانبا ذلك أنه غالبا ما يقدس غالبية التاريخ الإسلامي وتحديدا ذلك الجانب المتعلق بالسلطة، لكن يؤخذ على الفقيه الشيعي أنه يمدح التاريخ الإسلامي و"صفحاته المشرقة"!! رغم علمه أن غالبية هذا التاريخ أسود وقاتم و"مليان صخام" إذا جاز لنا التعبير.

هذه كانت جملة نقاط تتحكم بمجتمعاتنا لتعيد إنتاج التخلف ـ مصطلح استخدمه الأستاذ نبيل ياسين ـ وهي مآساة حقيقية أن نقع في الحفرة نفسها ألف مرة ولا نتعلم كيف نتفادى هذا السقوط، فهل يكتب العراقيون بعد الآن تاريخا مختلفا ويتعظون بما مضى؟ نرجوذلك والزمن سيكشف الجواب

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com