|
أحداث تعيدنا إلى الوراء بسرعة 120 كم/ ساعة
للعضو الدائم (العميد حسن السقا) الناظر في زمن الدكتاتورية البائد يجد أن الممارسات الفردية القمعية وغيرها من المفاهيم الدكتاتورية هي أبرز أسباب سقوطها، وهي بتصاعد وتيرة تلك الممارسات اللاأخلاقية جنت على نفسها، بعد أن لم تعد تتمتع بأي تأييد شعبي حقيقي، بل مظاهر جوفاء سرعان ما كشفت عن جوهرها حين جدّ الجدّ. وربما قعد كثير من العراقيين عن حمل السلاح والدفاع عن وطنهم بسبب ظنّهم أن مرحلة ما بعد الاحتلال سوف تكون خالية من الدكتاتورية والممارسات اللاأخلاقية القمعية، فأغرتهم الأحلام، ووعود الكاذبين المخادعين، فلم يكونوا يتوقعون أن دكتاتوريات متعددة سوف تنشأ على أنقاض دكتاتورية واحدة. الكثير من أبناء المناطق العراقية من العاطلين عن العمل، من الذين ينشدون الكسب الحلال، وغيرهم من الرجال الذين لم يرتضوا أن تعيث غربان الظلام فساداً في الأرض انطلاقاً من مناطقهم- كل أولئك تدفقوا على التطوع في تنظيمات الصحوة أبناء العراق، وبمبالغ زهيدة قياساً لما يتعرضون له من مخاطر. ولقد كان للصحوات فضل كبير في استقرار الأمن في المناطق الساخنة، تلك التي كانت عناصر القاعدة الإرهابية مسيطرة عليها، والمراقب الحصيف يعرف ذلك جيداً. لكن حقيبة المفاجآت المليئة في العراق تمخضت عن مفاجأة غير متوقعة من السيد رئيس الوزراء الذي كان يصرح إلى وقت قريب أن الصحوات أبلت بلاء حسنا على مستوى الأمن وأنه سيكافيء الصحوات والعشائر العراقي التي وقفت بوجه القاعدة القذرة، الا أن المفجأة كانت من نوع آخر، حيث قامت الحكومة بهجمة شرسة على أبناء الصحوة، على أرض الواقع، وفي التصريحات الرسمية، وشرعت أجهزة الأمن بلصق تهم الإرهاب وغيرها ببعض عناصر الصحوة لا سيما القادة منهم، تماما كما كانت تفعل في الأعوام 2006 و 2007 عندما كانت تلك الأجهزة تعمل وفق أجندة مشبوهة وتسير مواكبها جنباً إلى جنب مع مواكب سيارات الميليشيات الإرهابية والمجاميع الخاصة المدعومة إيرانياً. إن الديمقراطية التي بدأت تتنفس الحياة لأول مرة بعد عقود من الزمن ، أجهضت تماماً في أشد السنوات طائفية في 2006 و 2007 ، ثم استطاع العراقيون القضاء على الطائفية والأجندات المشبوهة بتظافر جهودهم، في السنتين 2008 و2009 ، وكان لكلٍّ نصيبه من الاستقرار، ثم بدأت بوادر إجهاض الديمقراطية بالظهور مرة أخرى من خلال تصرفات وتحركات غير محسوبة من هذه الجهة أو تلك، وإذا كانت الحكومة هي المسؤولة أولا عن سلامة ووحدة العراق والعراقيين، فإنها اليوم هي التي تخطو هذه الخطوة غير المحسوبة التي تؤدي بالمجتمع إلى النكسة بعد النصر. المطلوب في هذه السنوات العصيبة من تأريخ العراق أن تكون الحكومة العراقية هي الراعي الأساس للديمقراطية، وتقف وقفة شريفة مسؤولة عن عدم عودة الدكتاتورية، لا أن تتحول هي ذاتها إلى دكتاتورية جديدة، فالعراقيون لن يقبلوا بعد أن تحرروا بدكتاتورية جديدة مهما يكن الثمن، وهذا ما يفسر الاضطراب الحاصل في العراق.وهو ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي في مقالة تحت عنوان " الاعتقالات تعمق من شعور السنة العراقيين بالمرارة"، جاء فيها " من أبرز القضايا هي قضية الشيخ ماهر سرحان عباس، الذي اعتقلته الحكومة قبل 27 يوماً، وفقا لعائلته وزملائه من قادة الصحوة. اعتقال الشيخ ماهر جرى في سرية، ولم يكشف للعيان الا عن طريق صحيفة نيويورك تايمز مصادفة عندما اتصل مراسلها بشخص رآه في السجن. إنها واحدة من العديد من القضايا المقلقة التي انتشرت في الأسابيع الأخيرة وهي لا تقلق قادة أعضاء الصحوة فحسب، بل حتى بعض الدبلوماسيين الأمريكيين وضباط الجيش". إننا في هذه المقالة لا نريد الانتقاد من أجل الانتقاد، بل نريد أن نساهم في بناء حكومة ديمقراطية واعية ومدركة لضرورة اللحاق بدول العالم المتحضرة التي تجاوزت الخلالفات الداخلية ، بل طورتها وجعلتها عوامل بناء وإثراء للتجربة فتنوعت الطروحات وتنوعت الابتكارات، وهم الآن في قمة التطور التنكولوجي ، وينظرون إلى من ينادون بالطائفية ويقتلون ويفعلون الأفاعيل تحت تأثيرها من العراقيين ينظرون إليهم باحتقار، ويرونهم من فوق كالذباب والحشرات التي تأكل من الجيف ومع الأسف فإن هذه النظرة شملت العراقيين كافة بمثقفيهم والواعين منهم مع شديد الأسف.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |