من المستفيد من أحتكار المعلومات؟

 

جودت هوشيار

jawhoshyar@yahoo.com

تحاول الأنظمة الشمولية أحتكار المعلومات وحصرها فى نطاق ضيق ضمن النخبة الحاكمة وأدارة شؤون البلاد والعباد فى الخفاء ومن وراء الستار ليتسنى لها تمرير سياساتها بعيدا عن أنظار الرأى العام . وتتخذ فى كثير من الأحيان قرارات مهمة لصالح الحزب ( القائد ) والحاكم المطلق من دون الرجوع الى آراء الخبراء وذوى الأختصاص وأحترام الرأى العام ومراعاة مصالح البلاد العليا.

وقد كان احتكار المعلومات على مدى التأريخ – وما يزال الى يومنا هذا – سلاحا ماضيا وأداة فعالة بيد كل الطغاة لتضليل الجماهير والأحتفاظ بالسلطة لأطول فترة ممكنة، وهذا الأحتكار هوالسمة المشتركة بين الأنظمة اللا ديمقراطية بصرف النظر عن الأساليب المتبعة لتحقيق ذلك وينطوى حجب المعلومات عن الرأى العام وعدم أشراكه فى مناقشة القضايا المهمة وفى اتخاذ القرارات بشأنها والتى تمس المفاصل الأساسية لحياة المجتمع ومستقبل أبنائه على أزدراء دفين للجماهير وعدهم رعايا للدولة وعليهم ان يسمعوا ويطيعوا وينفذوا ما يأمر به الحاكم، لا مواطنين يسهمون فى حكم البلاد ومن حقهم أن يحصلوا على المعلومات الكافية عما يحدث فى وطنهم ويناقشوها ليتسنى لهم الوصول الى رأى نهائى بصدد القضايا المطروحة .

ويختلف الأمر أختلافا جذريا فى ظل الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، حيث تدرك الحكومة أنها وليدة الرأى العام وخادمة الشعب، تعبر عن أرادته وتحرص على مصالحه وتحمى حريته، لذا فأنها لا تخشى مصارحة الشعب بالحقائق والمعلومات المتوفرة لديها عن كل ما يهم الرأى العام معرفته ولضمان حق المواطن فى الأطلاع على المعلومات التى تمس حياته وحريته وحقوقه الشخصية والسياسية والأقتصادية .

وتنص دساتير الدول الديمقراطية وقوانين حرية المعلومات المنبثقة عنها على ضرورة مراعاة الشفافية فى عمل المؤسسات الحكومية وحق المواطن فى الحصول على المعلومات ونشرها بأى وسيلة قانونية وبضمنها وثائق الحكومة ومراسلاتها وفغق ضوابط معينة، كما تتضمن تلك القوانين لائحة محددة بالمجالات السرية ذات العلاقة بأمن الدولة، حيث يقتصر تداولها على على الأجهزة الخاصة ولكن يمكن الأطلاع عليها ونشرها عند الحاجة من قبل اللجان البرلمانية وبناءا على أمر قضائى . والغرض من وجود هذه اللائحة هوعدم تعسف السلطة فى تفسير وأعتبار ما هوسرى على هواها . وقد حددت تلك القوانين فترات تتراوح بين ( 10 – 30 ) يوم لتلبية طلبات المواطنين ومحاسبة الموظفين الذين يمتنعون عن تقديم المعلومات ويقدمونها بشكل ناقص مما قد يؤدى الى الحاق الأضرار بمصالح المواطن وينتهك حقوقه وحريته .

وفى الوقت نفسه فأن قوانين حرية المعلومات فى تلك الدول تقيد حرية الحكومة والشركات فى جمع المعلومات الشخصية عن المواطنين وتداولها واتاحتها للآخرين .

يتضح مما تقدم ان المبدأ الذى تعتمده النظم الديمقراطية يجمع بين ضمان حماية المعلومات السرية ذات العلاقة بأمن الدولة واتاحة المعلومات الضرورية لمشاركة المواطنين فى اتخاذ القرارات التى تمس حياتهم . ويكتسب هذا الموضوع أهمية قصوى فى الوقت الراهن بالنسبة الى العراقيين، حيث يعيش المواطن منذ سقوط النظام السابق فى دوامة من التشويش المعلوماتى وخلط الأوراق والتصريحات المتناقضة للمسؤولين الجدد وسط تضليل أعلامى واسع تقوم به أجهزة الأعلام الحكومية والحزبية لحجب الحقائق والمعلومات عن المواطنين من أجل التستر على الفساد الشامل الذى ينخر فى جسد الأدارة الحكومية المتخلفة وعلى الصفقات السياسية التى تتم وراء الستار لتقاسم المناصب والغنائم والأمتيازات .

ان الغموض يكتنف جوانب جوانب كثيرة من حياة العراقيين وقضاياهم المصيرية، دون أن تحاول الجهات الرسمية ذات العلاقة القاء الضؤ عليها، ناهيك عن غمط حقوق المواطن العراقى فى حرية تداول المعلومات وحصوله على المعلومات التى تمس حياته وقضاياه المعلقة والتى نصت عليها المواثيق الدولية والدستور العراقى .

- المواطن العراقى يتساءل لماذا يتم التستر على خسائر العراق من الفساد التى بلغت 250 مليار دولار، منها 90 مليار دولار من تهريب النفط الخام، والمشتقات النفطية و160 مليار دولار، أهدرها الفساد في الوزارات والمؤسسات الأخرى.، إضافة إلى حرق 600 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من دون الاستفادة منها. كما أن إلغاء لجنة الشؤون الاقتصادية، وتحويل صلاحياتها إلى الأمانة العامة، ساهم في اتساع رقعة الفساد. وتقول "هيئة النزاهة العراقية"، أن معظم العقود الضخمة، تُبرم دون السماح للجهات الرقابية، خصوصاً "هيئة النزاهة"، بالاطلاع عليها والتحقيق فيها. ومن الواضح تماما ان السلطة الفاسدة لا يمكنها محاسبة الوزراء واعضاء مجلس النواب وكبار موظفى الدولة المتهمين بقضايا الفساد والأثراء غير المشروع وتقديمهم للمحاكمة رغم معرفة القاصى والدانى – ابتداءا من مفوضية النزاهة مرورا بديوان الرقابة المالية ومجلس النواب وأنتهاءا بأمانة مجلس الوزراء – بأسمائهم وتفاصيل مخالفاتهم وتجاوزاتهم الخطيرة، لسبب بسيط وهوان جميع مقاصل السلطة مشتركة فى نهب وتبذير المال العام.

ومما زاد الطين بلة شمول قانون العفوالعام اللصوص الكبار من الوزراء والوكلاء والمدراء العامين الذين سرقوا واختلسوا مئات الملايين من الدولارات من خزينة الدولة . بعضهم هرب بجلده وتم تهريبهم الى خارج العراق أما الباقون فلا زالوا يشغلون وظائفهم بكل ثقة وأطمئنان ويتمتعون بكل الأمتيازات الخيالية التى وفرها لهم النظام الفاسد القائم حاليا .

- المواطن يجهل تماما كيف تصرف ميزانية الدولة ولماذا لا يتم الكشف عن الحسابات الختامية للأعوام السابقة وأين دور ديوان الرقابة المالية ومجلس النواب العراقى فى هذا المجال ؟

- ما هى كمية وقيمة النفط المهرب الى ايران ودول الخليج العربية ومن يقوم بالتهريب ومن يسهل الأمر للمهربين ؟

ولماذا لم يرتفع معدلات انتاج النفط ولم تبنى اى مصفاة جديدة رغم صرف ( 8 ) ثمانية مليارات دولار على القطاع النفطى ؟

- لماذا تدهورت الزراعة وانحدرت الصناعة الى الحضيض ولم يعد العراق ينتج شيئا ذا قيمة . وكم هويا ترى الناتج المحلى الأجمالى للسنوات السابقة وما هى خطط الحكومة لزيادة الدخل القومى وأعمار البلاد ؟

- فى كل مرة يحدث فيها أمر جلل تقول الحكومة بأنها شكلت لجنة للتحقيق ولكن لم تعلن نتائج التحقيق فى أى قضية من الاف القضايا التى شكلت فيها لجان تحقيقية لحد الآن .. لجان لذر الرماد فى العيون والضحك على الذقون !

- أين ذهبت المليارات المخصصة لتحسين الخدمات ( الماء والمجارى والكهرباء والأسكان والنقل العام والصحة وغيرها

- لماذا يتم شراء أردأ انواع الأسلحة وبأغلى الأثمان ؟ ولم لم يتم لحد الآن وبعد مرور ست سنوات على سقوط النظام السابق أعادة تأهيل وتسليح الجيش العراقى وتجهيزه بالأسلحة المتطورة بشكل يجعله قادرا على حماية الوطن والمواطن ؟.

- لماذا يتم التستر على الأحتلال الأيرانى للعراق ؟ وهواحتلال أخطر من الأحتلال الأميركى، لأن القوات الأميركية سترحل حتما، ان لم بكن اليوم فغدا، اما الأحتلال الأيرانى فأنه احتلال دائم لكل مفاصل الحياة فى العراق وسيظل هذا الأحتلال البغيض يجثم على صدور العراقيين ويمنع تطور العراق وتقدمه وينهب ثرواته ما دام اللوبى الأيرانى يحكم العراق .

- لماذا تعيش عوائل المسؤولين الكبار فى خارج العراق وما مقدار ثرواتهم وقيمة العقارات والأسهم التى يمتلكونها فى الخارج ؟

- من هم المسؤولون الكبار الذين يحملون جنسيات أجنبية ؟ وهل توجد دولة فى العالم يحكمها أناس من ذوى الجنسيات المزدوجة ؟

- لماذا أصبحت الوزارات قلاع محصنة ومقفلة أمام المواطنين وهل توجد فى العالم كله غير العراق وزارات مقفلة على حزب معين وطائفة بعينها ؟

- من قتل وشرد خيرة الكفاءات العراقية ولماذا يعيش المبدعون العراقيون فى فقر مدقع ويثرى الجهلة من الصداميين الجدد ؟ ولماذا يموت فى كل يوم عالم ومبدع عراقى حزنا وهما وكمدا فى زوايا النسيان دون ان تمد له الدولة يد العون !

- ولماذا يهرع ا لمسؤولون الكبار الى أفضل مشافى العالم اذا ألم بهم وعكة صحية بسيطة،فى حين لا يجد المواطن العادى العناية الصحية الضرورية وان كان على شفا الموت.

هذا غيض من فيض من القضايا التى تحيط بها الغموض المتعمد ولا يجد المواطن العراقى لها تفسيرا فى ظل غياب الشفافية فىأعمال الدوائر الرسمية وبات احتكار المعلومات والأستهانة بالرأى العام من أبرز سمات الحكومات التى تعاقبت على حكم العراق منذ سقوط النظام الديكتاتورى الفاشى .

واذا كنا نريد حقا أقامة نظام ديمقراطى حقيقى فى العراق، فأن على العهد الجديد مصارحة الرأى العام فى القضايا المهمة وأتاحة الفرصة للمواطن للأسهام فى أتخاذ القرارات التى تمس حاضره ومستقبله ومن أجل بناء العراق ( الجديد ) حقا .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com