|
الإنسان: حيوان بن حيوان
يبدأ عمل الفيلسوف من النقطة التي إنتهى منها المؤرخ.,وكان يعتقد ان الإنسان أصله إنسان إبن إنسان غير أن العلم أثبت أنه :حيوان بن حيوان. وقد انتهى عمل المؤرخين القدامى على أوهام الخلق حين كان الإنسان عاجزا عن تفسير الظواهر. والعلم أضاف كارثة حقيقية بظهور الداروينية ككارثة جاليليو وكوبرنيق. وكانت الأوهام المتعلقة بدوران الأرض تحل محل العلم في اسفار العهد القديم وكذلك حلت النظرية العلمية محل إسطورة العهد القديم والقرآن حول حقيقة خلق الإنسان المنحدر من الطين وحلت محلها حقيقة علمية تثبت أن الإنسان أصله حيوان بن حيوان. وهذا بخلاف عمل المؤرخ العادي حيث يهتم المؤرخ العادي بسرد الأخبار العادية وغير العادية ويهتم بشرح مطول لحياة الحكام والأدباء والفلاسفة . أما عمل الفيلسوف فهو عمل إضافي إلى عمل المؤرخ فالفيلسوف لا يقتنع بسرد الأخبار لوحدها ولكنه يحلل المواضيع والأسباب والنتائج. وهذا ما جعلنا نعد مؤرخا مثل إبن خلدون مثلا في قائمة المؤرخين والفلاسفة. أما آرنولد توينبي المؤرخ الإنكليزي الشهير فإننا لانعده مؤرخا فقط لا غير ولكننا نعده فيلسوف وصاحب مقولات تاريخية ونظريات إجتماعية أهمها :إثارة البلدان الجامدة . وهذا ما جعل من توينبي مؤرخا وفيلسوفا بخلاف :ول ديورانت الذي نعده صاحب سرد تاريخي ومع أن ول ديورانت لم يكن سرده سردا عاديا إلا أننا لا نستطيع أن نحمله عملا إضافيا مثل توينبي . ومنذ ظهور كارل ماركس بدأنا نشعر أن العلم حل محل الإسطورة والخيال والكذب والأوهام وقد تأثر بماركس ليس الماركسيون وحدهم وإنما الليبراليون أيضا والمجتمع الليبرالي معا . فقد كانت هنالك أوهام قديمة عن الشعب مثل :أنه تافه وعديم الفائدة ولا حول له ولا قوة ومع ظهور العلم تبدلت مثل تلك الأوهام وسرعان ما أصبح للشعوب العالمية قدرة على مقاومة قمعها وإستبداد الحكام بها . والفضل في ذلك أيضا يعود إلى العلم الذي عمل على تحسين حياة الناس شيئا فشيئا فأراحت الآلة البخارية العمال والشغيلة من القهر اليومي والإسبوعي والسنوي في إسلوب العمل وأصبحت المرأة بفضل التقدم التكنولوجي قادرةا على العمل بعد أن كان العمل مقصورا على الرجال من العبيد فقط لا غير وقد كان عوام الناس من النبلاء تترفع عن ممارسة الأعمال المهنية لما بها من بعد ومشقة وطول سفر وبال ولما تجتاج أيضا لكثير من الصبر والعنت والرضوخ . ولم يكن العمل بذلك يصلح إلا للعبيد والمغلوبين ولمجتمع المساكين والدراويش . والذي نعده اليوم فينا من أنه فضيلة إنسانية يبدو أنه أوهام فما زال الإنسان يحاول إستغلال وقتل إخيه الإنسان وإن التقدم الهائل في علوم الإنسان لا يعود فضله من الناحية الإجتماعية إلا للآلة وليس للإنسان أو لأي مخلوق آخر . الفضل كل الفضل للآلة والشكر كل الشكر للآلة وليس للإنسان فالإنسان المنحدر من القرد ما زال يصر على أن أصله من غير القرد ويبرهن على ذلك من أن الله قد فضله على كثير ممن خلق وأولهم هم الملائكة ! وهذا غير صحيح لأن صفات الملائكة أفضل من صفات الإنسان فلو كان الإنسان أفضل من الملائكة لكانت أعماله أفضل منهم لأن خسة ودناءة الإنسان تشير إلى أن أصله دنيء! فالقتل صفة من صفات الحيوان وهذه أيضا من صفات الإنسان وكذلك الصراع على الأرض صفة من صفات الحيوان وهي أكبر ميزة مشتركة بين الحيوان وأخيه الإنسان. وعمل الفيلسوف الإضافي الذي كان وما زال يضطلع به هو الذي حل العلم محل تلك الأوهام فأصل الإنسان حيوان وقرد إبن قرد. وقد مشت الأوهام التاريخية محل العلم والمنطق ردحا طويلا من الزمن بكل ما بالأوهام من تناقض وعدم وضوح فهل: يجوز أن يكون الإنسان أفضل من الملائكة نظريا وأن يكون حسب سلوكه حيوانا عمليا؟ إن الدلائل تشير إلى أن أعمال الإنسان مازالت حيوانية ومستهجنة فالإنسان في كل يوم يقوم بتقطيع بعض اللحوم كما نلاحظ ذلك في عالم الأدغال وعالم أفريقيا المهجور. إن الأوهام مازالت تسيطر على المؤمنين الساذجين بإيمانهم ويعتقدون أن الإنسان أنسان بطبعه منذ خلق على هيئة إنسان ولكن غير الساذجين لا يؤمنون بمثل تلك الأوهام البائسة فأعمال الإنسان ما زالت تصر على أنه من سلالة حيوانية وما التقدم الذي أحرزه الإنسان في مجال الأعمال الإنسانية إلاّ ثمرة وجهد اللآلة التي أراحت الإنسان من الأعمال الشاقة والقهر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |