متى تتصالح الدولة مع الثقافة!؟

 

محمود حمد

mehmood.hamd@gmail.com

يحكى ان وزير اعلام هتلر ( جوبلز) قال ذات مرة:

كلما اسمع كلمة ثقافة اضع يدي على مسدسي!؟

وتداول تلك المقولة ـ او مضمونها ـ الكثير من المثقفين باعتبارها تعبيرا عن كراهية النازية للثقافة ، واعتبرها اخرون اقرار من النازية بقوة ـ الثقافة ـ العارية كطاقة تقدمية تغييرية تهدد اركان الاستبداد النازي المدجج بالسلاح والحقد .

فالمستبدون ـ رغم انكارهم العلني ـ يدركون طاقة وقدرة ووظيفة الثقافة لـ " تغيير العالم وليس تفسيره فحسب " كما اراد لها كارل ماركس.

ومع ازدهار مصطلح ـ الصحوات ـ هذه الآونة ..واصطخاب الاصوات بافواه المحتلين والنظام العربي والقوى المحلية المطالبة بـ ـالمصالحة ـ مع كل اصناف المسلحين ..

لم نسمع ـ حتى هَمساً ـ من لسان فصيح واحد يدعو لمصالحة الدولة مع الثقافة ..بعد قرون من اغتصاب ـ السلطة ـ  للثقافة..

ودعونا نستضيف المثقفين في عالم ـ الصحوات ـ و ـ الغفوات ـ!

فالمثقفون في ـ غفواتهم ـ التأملية ينتجون ( مضمون التغيير ) وفي ـ صحواتهم ـ ينتجون اساليب ووسائل التغيير عندما يسري ذلك المضمون في عقول وقلوب الناس..ويتحول الى طاقة للتغيير في فكرهم ونشاطهم .

فالابداع الثقافي المعرفي بـ ـ المعنى الواسع للمفهوم ـ يشكل مكونات التمدن الحضري الزائح للتخلف ، ويعد الشرط الضروري لأنسنة المجتمعات البدائية ..وهو في البدء نتاج ـ غفوات ـ المثقفين التأملية.

وفي ـ الغفوات التأملية ـ و ـ الصحوات التغييرية ـ فان المثقفين يقعون هدفا دائما لبطش السلطات المستبدة ، فـ ـ الغفوة التأملية ـ تنطوي على استحضار عسير للمستقبل لازاحة الحاضر البالي الذي تمثله السلطة الرجعية والمجتمع المتخلف..فهم آنذاك مصدر تهديد لجبروت السلطة رغم انكفائهم وتوحدهم مع فكرهم في معتكفات الزُهد والفاقة.

وتستهدفهم انياب السلطة وقوانينها عندما تسري افكارهم في نفوس الناس وتنكسر طاقة الخوف لدى القوى الاجتماعية المنتجة الاكثر وعياً..ويساقون الى الابادة والنبذ والتهميش بتهمة التحريض على زلزلة اركان عرش الاستلاب المتوارث وتهديد ـ مُفسدات ـ الامة المقدسة!.

وفي ايامنا هذه يُنتَبَذ المثقفون من جديد!

وتحاول ـ القوى السياسية الطارئة ـ اليوم كما فعل النظام السابق انتاج ـ اشباه مثقفين ـ على مقاسات خطابها الطائفي او العنصري او العقائدي ، او تعيد انتاج ـ رِمَمْ مثقفي النظام السابق ـ ( هذه الرمَمْ التي كانت احد عوامل تعفن النظام السابق وهي الآن احد مؤشرات فساد الدولة اليوم ) ليكونوا بديلا لمثقفي الوطن من الشباب والرواد الذين يلألؤن في ليل العراق المظلم منذ عقود ومازالوا ، ويتألقون في حلك الغربة في كل بقاع العالم منذ عقود ومازالوا!.

دون ان تدرك هذه القوى السياسية القصيرة النظر والضيقة الافق بان السبب الموضوعي لتفكك ـ دولة الخوف ـ التي تهاوت في 2003 وتلاشي مؤسساتها في ساعات هو :

خواء مضمونها الثقافي واستيطان ـ التخلف ـ في احشائها ومفاصلها.

مما يدعونا الى اعادة التساؤل الذي دعا اليه الحريصون على حاضر العراق ومستقبله:

متى تتصالح الدولة مع الثقافة؟

ان العلاقة بين " الدولة " و" الثقافة " محكومة بتحديد نمط الدولة التي نريد لوطننا ..فإن كانت دولة دكتاتورية متخلفة فهي في غنى عن الثقافة الا تلك (الثقافة ) التي تتغنى بـ ـ الصنم الضرورة ـ وتحلب الثروات الوطنية الى جوف الصنم..اما اذا اردنا دولة وطنية ديمقراطية شعبية تنموية فإنها لابد ان تكون شكلا حيويا لـ " الثقافة "..لان الدولة المثقفة هي ـ دولة التنمية الشاملة ـ ..فـ ـ الثقافة ـ في السياسة تعني :

الادارة التنموية للدولة ومؤسساتها..

لان الثقافة:

1.   خلق وتقييم ومراجعة وتطوير مستمر.

2.   بحث دائم عن المستعصي والتوغل في قرارته لاستقرائه واستنباط المعالجات والحلول والاستفهامات النوعية الجديدة.

3.   بديل للتخلف .. وهي في تدافع وصراع دائم معه في كل شؤون الحياة.

4.   فاضح للقمع .. وهي في تدافع وصراع معه في جميع ميادين المعرفة والبناء والنشاط والوجود.

5.   رافض للاستبداد .. وقوة رفض وتحد دائم له على كافة الاصعدة الفردية والمجتمعية والسلطوية ( المعرفية والمادية).

6.   مقاوم للغزو والاحتلال .. فالثقافة تعني:

الحرية ..والحرية نقيض الاغتصاب.

ومثل هذه الخصائص هي مضمون الدولة التنموية ..

.......

وفي البدء ...نتوجه بالاستفهام الحواري الى القوى السياسية الحاكمة:

هل بالامكان تغيير " مؤسسات دولة الاستبداد " الموروثة الى مؤسسات دولة الثقافة ( دولة القانون )؟

وهل بامكان ـ جنين ـ دولة الثقافة (التنمية) العيش والنمو في احشاء مؤسسات دولة ينخرها الفساد المالي والتخلف الاداري!؟ 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com