العراق في عنق الزجاجة

 

 

صلاح التكمه جي
Moesa4@hotmail.com

ماهو مصير مستقبل العراق؟؟ سؤال كبير يردده المراقبين والمتابعين للشان العراقي عند بداية كل دورة حولية جديدة يمر بها الشعب العراقي وعمليته السياسية ونظامه الديمقراطي الدستوري.

فما ان حلت الذكرى السابعة لسقوط النظام البعثي البائد حتى بدات وسائل الاعلام وتصريحات الشخصيات الدولية والاقليمية،  تطفو على السطح السياسي ، لتبرز وجهة نظرها عن مستقبل العراق وتقييمها للمرحلة الماضية، حيث أمتلئت اعمدة الصحافة بالمقالات، لمختلف الكتاب من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وكل يغني على ليلاه، ولكن الجميع يتسائل هل ستبقى ليلى في العراق مريضة ام ستزهو بلباس جديد، يعكس ابداع انامل ابناء ما بين النهرين، ويظهر حكمتهم وطيبتهم وتسامحهم و وحدتهم، التي جمعها الرافدين من اقصى ينابيعه في جبال كردستان وحتى مصبه في البصرة الفيحاء.

لازال العراق في عامه السابع الجديد محط انظار قادة العالم رغم الملفات والازمات الخطيرة التي تعصف بنظام العولمة والقرية الكونية الصغيرة، فالرئيس اوباما بعد أن نفض ملفات ازمته المالية في اوربا، جاء ليؤكد في الذكرى السابعة للعراق الجديد ان بلد ما بين النهرين، لا زال مهم جدا عند ادارته، وكذلك ظهر اهتمام ملفت لرؤساء العالم للقدوم الى ارض السواد ليستثمروا في خيراته و يجدوا بارض الخير والبركة بصيص امل ونور في نفق الانهيار المالي المظلم، فهذا وزير التجارة البريطانية قدم ومعه اكثر من 23 مدير شركة بريطانية ليؤكد بوضوح ان العراق في وسط مركز اقليمي في سوق يضم اكثر 200 مليون نسمة، ويملك ثالث احتياطي في العالم.

بلاشك ان هذه التقديرات لقادة العالم لم تكن من فراغ فهي مستندة الى معلومات من مراكز دراسات استراتيجية، اعطت رؤى واضحة لقياداتها السياسية عن اهمية العراق في المرحلة القادمة ودوره الاساسي في الوضع الاقليمي والدولي، والواقع انه رغم هذه الصورة الوردية لمستقبل العراق الا  انه هناك بقع رمادية قاتمة تنتشر هنا وهناك في لوحة العراق الوردية، وهذه البقع تشكل تحديات تواجه العراق في عامه السابع، فاذا استطاع تجاوزها، فبلاشك ستخرج ليلى العراق من عنق الزجاجة لتتخلص من اعتلالها وتعود العافية والسلامة على جميع ابناء وادي الرافدين، و اهم التحديات التي تواجه  العراق في عامه السابع هي كالتالي:

اولا:التحدي الامني بعد انسحاب القوات الامريكية: قدرة القوات الامنية في العراق على مسك الملف الامني بعد انسحاب القوات الامريكية يشكل التحدي الاكبر الذي يواجه العراق في عامه السابع، ملامح خروج القوات الامريكية بدأت تتضح رويدا رويدا، فالقواعد العسكرية في شمال ووسط الجنوب تم تحويلها الى القوات الامنية العراقية، فبعد تسليم معسكر الرستيمية في بغداد تم تحويل قاعدة الشعيبة في البصرة الى الحكومة المحلية هناك، هذا اضافة الى تاكيد الرئيس اوباما ونائبه بايدن بان قرار انسحاب القوات الامريكية من العراق لا رجعة فيه، وتصريحات الحكومة العراقية والقادة الامنيين تؤكد على قدرتها للامساك بالملف الامني رغم التفجيرات الاخيرة، والجنرال الامريكي اوردينو كشف ان ثقته بالقوات العراقية عشرة على عشرة عند انسحابه جنوده من العراق.

ثانيا: التحدي السياسي: الاستقرار السياسي وتطور ونجاح العملية الديمقراطية في العراق حلم يراود كل محبي العراق، وبلاشك ان هذا التحدي يواجه اختبارات عدة منها نجاح مشروع المصالحة الوطنية وجمع شمل جميع العراقيين في الداخل والخارج تحت خيمة العراق ومشاركتهم الفاعلة في الانتخابات التشريعية التي ستشكل  العلامة الفارقة في تطور العراق في خروجه من عنق الزجاجة سالما معافى, فالشعب العراقي والعالم يترقب اداء القوى السياسية العراقية وتحالفاتها في العملية الانتخابية القادمة، والجميع يتسائل ما هي الخريطة السياسية للمرحلة القادمة هل ستكون مختلفة عن المراحلة السابقة ام ستتمخض عن قوى تعكس مختلف شرائح المجتمع العراقي.

ثالثا: تحدي الخدمات واعمار العراق: ملف تحسن الخدمات واعادة الاعمار في العراق هو المفتاح الرئيسي في القضاء على البطالة وايجاد فرص عمل تستند على التحسن الاقتصادي وتطوير الاستثمار في العراق، جميع تلك الملفات هي مهام صعبة و تحديات مصيرية تواجهها بالدرجة الرئيسية مجالس المحافظات الجديدة، وهي امام امتحان   صعب فنسبة البطالة في العراق تبلغ بحدود  18% ،و كذلك 40 % من المجتمع العراقي يعيشون تحت خط الفقر، اضافة الى ان  الخبراء الاقتصاديين أكدوا ان العراق بحاجة الى 50 مليار دولار لاعادة البنى التحتية، كل هذه ارقام تتهاوى امام ميزانية العراق التي يقدر نسبة العجز فيها بحدود 30%، ولذا فالمسؤولية الكبيرة تقع امام الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية، ومما يؤسف له ان عملية تشكيل الحكومات المحلية بدأت تتميز بالاقصاء وعدم المسؤولية مما ينذر بعواقب وتحديات خطيرة.

رابعا:تحدي هوية العراق الدستورية: رغم دخول العملية السياسية في العراق عامها السابع، الا ان هوية النظام السياسي يوجد صراع عليها، فالقوى السياسية العراقية  لا زالت تخوض أحترابها السياسي والانتخابي على هوية الدولة العراقية وليس على برامج انتخابية لكيفية ادارة البلد ، فالنظام اللامركزي والفيدرالي وحتى الهوية الديمقراطية هي محل جدل وتجاذب في التنافس الانتخابي والمصالح الضيقة السياسية، وتحدي مصير هوية الدولة العراقية بدأ يلقي بضلاله على عجلة التقدم الاقتصادي والسياسي، فالعديد من الشركات الاستثمارية تمتنع عن الاستثمار في العراق ليس بسب الظروف الامنية وانما لعدم بلورة صورة واضحة للهوية التشريعية والقانونية للدولة العراقية، وهذا ما صرح به العديد من الخبراء الاقتصاديين، فالدورة البرلمانية القادمة التي ستظهر ملامحها في اوخر العام الحالي ستحسم هوية العراق الفيدرالية الديمقراطية امام الراي العام العراقي والاقليمي والدولي.

خامسا: التحدي الاجتماعي: تفاعل الشعب العراقي مع النظام السياسي العراقي الجديد ظل يشكل هاجس وتحدي للمتابعين للعملية السياسية، فنسبة المشاركة الاخيرة للشعب العراقي في انتخابات المحافظات والتي قدرتها المفوضية بحدود 45% وكذلك الاستطلاعات الاخيرة حيث اعتبر 48% من الشعب العراقي، ان التغيير الذي حدث في العراق ايجابيا، جميع تلك النسب لازالت تشكل هواجس وقلق في مدى تفاعل المجتمع مع النظام الديمقراطي الجديد، وبلاشك ان نجاح الدولة العراقية في توفير الخدمات والقضاء على الفساد الاداري وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات وخصوصا ثروة العراق النفطية، والنجاح في تعزيز النظام الديمقراطي في العراق جميع تلك العوامل ستساهم في ازالة الكثير من الهواجس امام تحدي تفاعل المجتمع العراقي مع تعزيز النظام الديمقراطي في العراق.

ان الامال ترتفع مع حلول كل عام جديد على عراق ما بين النهرين، والرهان الحقيقي في نجاح العراق للخروج من عنق الزجاجة متوقف على  ابداع وكفاءة العراقيين في تطوير دولتهم الفتية الديمقراطية، وهذه شهادة شهد بها القاصي والداني، ففي مقابلة اخير للسفير بريمر مع قناة الحرة اكد ان تفاؤله في تحقيق مستقبل زاهر في العراق يعود ليس لامتلاك العراق موارد طبيعية مهمة وانما لامتلاكه طاقات بشرية ذكية، وذات ارادة قوية بالتغيير نحو الاحسن.

ان مسيرة الشعب العراقي خلال الاعوام الماضية وتجاوزه للعديد من المحن والصعاب( وخصوصا الحرب الطائفية) تبعث على الامل والتفاؤل في ان العراق سيتجاوز جميع التحديات اعلاه وسيصل الى دولة ديمقراطية اتحادية تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والقانون.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com