|
في عيد الصحافة الكردية .. "بيري نوي" .. قصيدة ضوء للكادحين!
محمود حمد في مطلع السبعينات من القرن الماضي .. بعد ان ضيَّق النظام الأرض علينا ..حَملتُ همومي وحزن الجنوب ..وارتحلت الى بغداد.. إنتظمت الى صُحبة صاروا رفيف الأمل في روحي.. كان الجميع يتفانون حول المطبعة المكفنة بالتراب الندي.. التي إنتُزِعَتْ من المخبئ السري .. لتطويع المستحيل كي يصدر العدد صفر من " طريق الشعب "( تلك حكاية استوطنت في الذاكرة والعقل والقلب سنحكيها ذات يوم دونما تهميش لروادها كما فعل بعض الآخرين!).. واليوم اذ يحتفل الصحفيون الكُرد بعيدهم ..أينعت في النفس ملامح تلك الليلة التي جاءني فيها الصديق العزيز والصحفي المثابر الأخ ليث الحمداني بصفته رئيسا للقسم الفني..هامساً بأُذني: اعتبارا من هذا العدد سيتم تنفيذ " بيري نوي " هنا عندنا في دار الرواد.. إعترتني حينها لهفة للقاء بصحفيين كُرد قادمين من قلب المحنة..لاتلوثهم أدران السلطة.. كانوا متميزين بـ: التواضع الرصين، والحرص على طهارة العمل ، والسرية المقدسة ، والحميمية بالسلوك وبريق العيون..والزُهد! كانوا شعراء.. وكأن صحفيو كردستان ينبثقون من فضاء الشعر..لا من زحام المطالب .. ومضت علينا الايام اللذيذة المتاعب..بعد ان قوى عود " طريق الشعب " واستقامت حاضنة للثقافة والمثقفين .. وموئلا للمعروقين في مواقع العمل ..وأُفقا منفتح المديات للشبيبة..ورئة نقية لهموم المرأة وتطلعاتها.. لكن طَلَّة رفاقنا الصحفيين الكُرد الاسبوعية لمتابعة تنفيذ جريدة " بيري نوي " بحجمها الصغير وعدد صفحاتها القليلة ..كانت لها في النفس شغف لمعرفة احوال الأهل في الجبل الثري والنازف.. أسماء كُثرٌ لاتجرؤ الذاكرة على نسيانها.. لكني اليوم ـ يُناكدني الوجعُ ـ ولاأريد ان أنسى إسما منهم .. لإعتزازي بهم جميعا ..فقد تعلمت منهم كيف تكون الكلمة نبراسا للمضطهدين في حلك الاستبداد..وكيف ينطوي الفكر على جمر الحقيقة ليلهب الحرف شررا يضيئ ليل المقموعين..وكيف تتواصل المودة رغم انقطاع الطرقات! "بيري نوي " جريدة ـ يحررها عشاقها ـ كما قال الشهيد ابو سرحان ذات فجر ونحن نتحلق حول موقد على الرصيف الملاصق للمطبعة..مُسكِتا شيخ "المداورين ابو اياد " الذي تساءل : لم أرى محررا للجريدة غير رفيق صابر وصاحبه ! الفقيد ابي اياد ..هو الذي كان يتولى تصفيف حروف الرصاص لصفحات "بيري نوي" بحرص..ومثابرة ..حتى الاعداد الاخيرة عندما قطع الغادرون الطرق الى قرائها في كردستان واختطفوا محرريها ومنتجيها وموزعيها وقرائها.. "بيري نوي" ..قصيدة وَجد للكادحين..حررها عشاقها رغم سموم الارهاب القومي الشوفيني المتفاقم ـ آنذاك ـ في انفاس الوطن! ............. اقول لكم ياأشقائي في عيدكم: انحني إجلالا امام الشهداء منكم.. وأتمنى العمر المديد والابداع الذي عهدته فيكم..للذين مازالوا على الدرب فتيانا متألقين..رغم إخترام السنين للبدن والروح..ورغم تشبث الفروة البيضاء بهاماتكم ..وهامتي! وللذين أعيَّتهم الرحلة او أغتصب الوحوش متاع رحلتهم ..وإنكفؤا الى ناصية التأمل الموجع في بيوتهم.. اقول: انتم جزء من سيمفونية وجع الفقراء وأحلامهم..واليوم أحوج مايكون قرائكم لصوتكم وكلمتكم وحضوركم.. ايها الصحفيون الكُرد الاعزاء..ابعث لكم مايدندن به القلب في الخلوة من شعرالجواهري الكبير ( قلبي لكردستان يُفدى والدم ....) في عيدكم الذي هو عيدنا جميعا..لان عيد الكلمة هو عيد كل الناس الاحرار.. وأتمنى لكل الصحفيين ان تنتصر الكلمة على السلاح..والحرية على كواتم الصوت ..والحقيقة على التزييف.. واعمدة الصحف على اعمدة السجون!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |