|
اللغة الکوردية أولا.!
محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني رسالة ودعوة بمناسبة العام الکوردي الجديد 2709 کما هو معلوم فان إستقالتي من تلکم الکوردايهتي الهشة، التي أعلنتها قبل أشهر، ومازلت متمسکا بها، جاءت علی خلفية إنني لم أر في الافق أن السلطة الکوردية تتعاطی مع إحدی أهم القضايا التي تواجه الکورد جمیعا، بشئ يمکن أن نأمل فيه بعض الخير، ألا وهي قضية اللغة الموحدة التي تشکل الرابط الأهم لشد مفاصل أي امة ببعضها، مهما بعدت أقطار أفرادها وتباینت بالتالي بیئاتهم واختلفت عقائدهم وتوجهاتهم، والا صارت الامة شراذم بین بني آدم، مهما قربت أقطار أفرادها وتشابهت بالتالي بیئاتهم وتماثلت عقائدهم وتوجهاتهم.. لنا أمثلة علی لغات الامم المحظوظة وتلک التعیسة، فالعربیة والفارسية والترکیة وکل اللغات الاوروبیة، خير مثال علی ربط القريب بالبعید، بفضل وحدتها التي أعطتها قوة الجذب وجمعت الجمیع تحت مظلتها، بالرغم من آلاف اللهجات التي تحتضنها.. ولدينا المثال العکس البائس، وهو اللغة الکوردية، بعد أن جعلها الآخذون بزمامها عامل تنفر وابتعاد، بفضل تبني صراع اللهجات، بدل الإصرار علی جعل لهجة سائدة؛ أساسا لبناء لغة متینة جامعة لکل الکورد ومانعة من کل تصدع لغوي وهزة مؤکدة، حیث هناک جهود علی أکثر من صعيد للتهشيم وبحدة. وفي هذا السياق، أری من الخطر الجسيم أن نسکت علی حالة مخزية لم أسمع ولم أقرا بوجودها حتی في أفريقيا، ذلک خوفا من إثارة الإنتقادات أو تحاشيا للتعرض لسهام الذين يتهمون دعاة اللغة الموحدة بالضرب المزعج والمکرر أو الممل علی وتر( الدعوة لتوحيد اللغة ) من أجل ( عدم الترويج للهجات )، وکأنهم في غفلة عن کون المسألة مسألة بقاء أو فناء امة، لاشك من حدوث أحدهما، ما لم تکن السلطة علی مستوی عال من المسؤولیة ( وتعیها أذن واعیة ).. غینیا کوناکري، البلد الذي مات رئیسه لانسانا کونتي قبل فترة، فانه لکثرة تشابک لهجاته ومن باب أضعف الإيمان، لجأ إلی الفرنسية وجعلها لغته، وبذا أراح وارتاح. وفي المقابل نجد بین الکورد من يدفع ويحفز أصحاب اللهجات بالانقلاب علی ماهو موجود، وملاحقته، بتقديم العرائض والکتابة في الصحف، للمطالبة بالدراسة بلهجاتهم، بحجة أنهم لا يفهمون لغة الکتابة السائدة، أو بادعاء أن الدراسة بلهجة الام حق من الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها، وهذا کما أسلفت لم نجد مثیله في أحاجي وحکايات غینیا حتی. فاي مصلحة قومیة یا تری تترشح من أن يدرس کورد إقلیم واحد بلهجتین، أی بلغتین تماما، ومن ثم يأتي تلميذ من دهوک أو زاخو وهو لا يفهم علی بني قومه في أربیل أو هورمان إلا عن طريق مترجم أو لغة ثالثة، وکذلک العکس، في حال الکل يدعي أنه کوردي، وآباء الکل قد تعلموا العربیة، بعسر أو يسر، وفي أنحاء کوردستان ثمة الیوم مدارس ترکیة وأجنبية ملیئة بأبناء المسؤولین، ولا أحد يحوقل ضجرا بین البرية، وترک أبناء الناس بین سلاسل وأغلال اللهجات المؤقتة.. ألیس هذا بکفر وطني أو هرطقة إلی يوم وما أدراک ماهي !. ثم أين أصبح الوعد الذي قطعه رئیس الإقلیم قبل عامین بالبحث عن الحلول اللازمة، ولماذا تراجع عن التصدي للأزمة.؟ فهل تحولت القضية إلی مجرد قرار مع وقف التنفيذ، دون تبرئة الذمة ؟ إن ثنائیة اللهجة في الدراسة والإدارة والإعلام، تعني أن ما يقال عن الکورد ـ کشعب ـ غیر مکتمل النضوج ولا تتوفر فيه شروط الأمة، قد یکون مسألة فيها وجاهة ونظر ويجب أن یؤخذ بنظر الإعتبار، لأن هناک ثغرات في کیاننا وجدت مع سبق إصرار. إضافة إلی أنه ناهیکم عن ضياع لغة کوردية جمعتهم، فان الجيل الجديد قد حرم من تعلم لغة عالمیة کانت بامکانها أن تلم شعثهم من زاخو إلی خانقين، ألا وهي العربیة. وقس علی هذا بقية اللغات الرئيسية في البلدان التي يتواجد فیها الکورد. يا حسرة علی الکورد، وهم يخربون بیوتهم بأيديهم.! فکما ظهرت قراصنة البحار، هکذا بدت علی برور کوردستان قراصنة کبار، عيونهم تقدح بالشرر وکل واحد صار تأبط شرا للغته ونفر، وشغلهم الشاغل أن يستأسدوا علیها ويفرقوا القوم شذر مذر، کل ذلک جراء عدم جدية السلطة الکوردية وحديتها في هذه المسألة الحساسة التي لن تجد علی ظهر البسيطة حکومة رصينة لم تبحث لها عن حل، أو جعلتها في سلم أولوية أولوياتها علی الأقل.. بل الأصح القول أننا لا نری أمة في هذا القرن تعاني مثل الکورد من وباء الألسن، مع العلم کانت لنا ـ ولحد الآن ـ لغة لها قابلیة الجمع، لا الطرح ولا القمع. وما قاله أحد أعضاء ما يسمی بأکاديمية اللغة الکوردية في إحدی الندوات حول اللغة الکوردية الموحدة في هولیر، أخيرا، مدافعا عن بقاء حالة اللهجات والتشتت، بانه لا يقبل أن يفرض طرف ما لهجته علی بقية الکورد، ما هو إلا دلیل ساطع علی سوء القصد وضحالة العلم وعدم قراءة المستقبل الباهت الذي یواجه لغة الکورد. لذا، وفيما يخص اللغة، لابد من الترکیز علی المطالبة بجعل کوردستان الفيدرالیة هي المقتدی في الوحدة اللغوية، لا التشذرم اللهجوي، بحکم صفة الدولة والسمة الرسمیة والدستورية التي تحملها، بعيدا عن دغدغة المشاعر والعواطف من دون روية، تارة باسم الأقلیة واخری باسم الأکثرية.. وكذلک جعل هذا الأمر مفروغا منه، سواء شاء الذين يتموقعون من أجل تقسيم الکورد إلی لهیجات لا تزيدهم إلا ضعفا وهوانا، أو لم يشأوا ورفعوا شعارات ما لا عین رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علی قلب بشر عاقل وحضاري..کم أضحک باکیا حینما أسمع دعاة إحياء اللهجات، بدل التوحيد، وهم يقاتلون من أجل تشکیل الدولة الکوردية ويدعون إلی تأجيل الخوض في مشکلة اللغة لما بعدها، من دون أن يدرکوا أنهم بدعوتهم تلک، من دافنیها قبل أن تولد، وأری حالهم الغريب کحال من يمشي إلی الوراء وهو يظن أنه سائر نحو الأمام والهدف. بل في حال بقاء اللهجتین في الدراسة، يعني أن نضال قرن من الزمان دخل في خانة الصفر، وأصبحت الکوردستانیة والکوردية هباء منثورا. أرجو أن لا يکون هذا الموقف محل دهشة وعتاب القارئ الکريم، فالکلام لم يأت من فراغ، والخيال لا یجدي نفعا، ومشکلة الکورد دائما هي إنهم یتسترون علی عيوبهم وأمراضهم لیوم تقضي علیهم، منها وباء اللهجات الذي لم يجد التأريخ الکوردي له مثیلا، لغاية هذه الأيام .. هذه الظاهرة الخطیرة التي تتفاقم باستمرار، دفعت بکاتب هذه السطور أن يجعل ـ مع إطلالة العام الکوردي الجديد 2709 ـ ما تحت البساط؛ فوقه، أي أن يکون صريحا وواضعا يده علی موضع الخلل، من دون أن يخشی الخطب الجلل إلی يوم الأجل، وفي حدود ( لا يکلف الله نفسا إلا وسعها ) والتي حددها ربنا عزوجل.. وکان هذا من ضمن مفردات مشروع ما بعد الإستقالة من تلکم الکوردايهتي المشوهة، التي کانت ومازالت ترقص علی مسلخ اللغة الکوردية، إنتهاکا لحرمتها التي لا تقبل الإستثناء حتی في الأوقات العصية. بتقديري أن بین الکورد ـ في کل بلدانهم ـ من يفهم أبعاد ومخاطر الدعوات اللهجوية والمناطقية المشتعلة، وتداعياتها المدمرة والحارقة علی الکورد کأمة واحدة، وقد کتب بعضهم حولها ومازالوا يتعرضون لها بالنقد والتحلیل وکل علی حدة.. ولکن هذا لا يکفي، بل نری ضرورة التحول إلی جبهة تتصدی لها من دون تلکؤ أو ملل من مواصلة الطريق، لإنقاذ لغتنا وامتنا من کارثة محققة ورکود قاتل، أشد من الأزمة المالیة العالمیة المتوقعة، وعدم تسلیم القضية للکسبة من أنصاف الکتاب، وجعل الدعوة للغة کوردية موحدة موجودة ـ إنطلاقا من الإقلیم الفيدرالي ذاته ـ من أساسيات عمل المثقفين والعلماء والمفکرين بمختلف ألسنتهم وتباین لهجات امهاتهم، فردا وجماعة، حتی لا تکون ضحیة الأجندات السياسية ولا تتحول إلی شماعة لتعليق الأهداف الحزبية علیها. لا أدري هل هو من سخرية القدر أو القلم أن ياتي أحدهم ويکتب مقالة يدعو فیها المسؤولین بضرورة وضع خطة لتشجيع غیر الکورد علی تعلم اللغة الکوردية، وفي آخرها تتفتق عبقريته بالاخفاق، في الأرض وفي الآفاق، فيقول إنه لا تهمه في هذا النداء لهجة بعينها، يتعلمها هذا الغیر، فلیتعلم تلک التي يعجبها.! يلقي الکاتب هذا الکلام علی عواهنه، من دون أن يکون علی بینة من الأمر ويدري أن للکورد أکثر من 20 لهجة ولسان، من بنین وبنات، إضافة للأحفاد، کغیرها من اللغات، ولکن الفرق بین الکورد وغیرهم هو أن لهجات الغیر لها أم حنون. من الجهل ما قتل، وهذا درس فيه الکثیر من العبر، لمن شاء منا أن يتعقل أو يتذکر. ثم لو سلمنا جدلا بالواقع وفتحنا الطريق أمام کل اللهجات لتصبح لغات مستقلة، فأین هو موقع اللغة الکوردية ـ کلغة جامعة ـ من هذه الفوضی؟ ثم ماذا سيکون الرابط الذي یربط کورد مختلف الأقالیم ببعضهم؟ إذا قيل هو الأرض، فهذا الرد مرفوض، لأن الأرض الواحدة تربط الکورد بغیرهم کذلک، أی بالعرب والأتراک والفرس أيضا. ومن يتحجج بسويسرا فهو کاذب، ومن يتحجج بالنرويج فهو مخطئ، لان ما في الأولی شعوب ولیس لهجات، وما في الثانیة إختلاف کاختلاف لهجة عمارة عن البصرة. ومن يظن أن علاج الکورد في صعوبة فهمهم لبعضهم، يکمن في تعلمهم لهجات بعضهم البعض، فان هذا المدعي إما جاهل بحقيقة الاسس التي علیها يتشکل الشعب الواحد، واللغة الموحدة هي عصبه الرئیس، أو مخادع يسعی من خلال مغالطاته فسح الطريق أمام إنکسارات قومیة مؤدية إلی خلق أقوام وقبائل جديدة من رحم الامة الکوردية، کما نری جلیا معالمها، من خلال ما ينشر وما يقال. إذا کان ساطع الحصري قد دعا إلی فرض نظرية ( العروبة أولا ) فأفرح بها الکثیر وأغضب بها الشعوب المجاورة للعرب، لما فیها من إنعکسات سلبیة وهضم للحقوق وبالتالي تصعيد للکراهیة والکرب.. فان دعوة ( اللغة الکوردية الموحدة أولا ) رسالة برقية للکورد، تتلخص في مطالبة الکل بالتأکید والعمل علی فرض لغة واحدة مزدانة ببقية اللهجات، وإملاء کوردي واحد، إنطلاقا من أربیل العاصمة، علی الاقلیم الفيدرالي کله، کي تبدأ من هناک خطوات الوحدة الکوردیة في الفهم والتفاهم اللساني، من خلال معصم لغوي واحد موحد، دون الحاجة المعیبة إلی ترجمان، أو اللجوء إلی لسان آخر أو التقوقع في سجون أو سوق اللهجات والترويج لها بین بني کوردستان.. مع الإعتراف بحق کل شعب مجاور في معانقة لغته الجمیلة المنمنمة، سواء کانت صاحية أو باتت في خدرها نائمة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |