|
موقف حاسم لتحد سافر
يقوم بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الحالي بتحدي الموقف الأمريكي بكل ما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، عن طريق رفض الموقف الأمريكي ووضع العراقيل امام محاولة إدارة أوباما إنعاش مسيرة السلام. فنتنياهو يرفض حل الدولتين الذي تتبناه الإدارة الأمريكية، ويطالب الفلسطينيين بالإعتراف بإسرائيل "كدولة الشعب اليهودي"، ويرفض أن يعود للمفاوضات مع الفلسطينيين إلا بعد تنفيذ هذا الإعتراف وبعد أن يزول الخطر النووي الإيراني، وهو موقف أعتبرته إدارة أوباما تحديا لها، وشروطا مسبقة. وجاء رد الرئيس أوباما قاطعا وواضحا: يجب أن لا تكون هناك شروط مسبقة، ونحن نرى أن حل الدولتين هو أفضل حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وان "المبادرة العربية" تصلح لأن تكون أساسا لحل شامل في منطقة الشرق الأوسط . وعلى الرغم من أن مكتب نتنياهو أصدر بيانا يتراجع فيه عن شروطه المسبقة بقوله أن مطلب نتنياهو ليس شرطا مسبقا، وأنه على إستعداد لإستئناف المفاوضات بدون شروط، إلا أن إدارة الرئيس أوباما لم تأخذ ذلك الموقف محمل الجد. فهي تعرف أن موقف نتنياهو هومحاولة تعجيز من جانب شخص غير معني لا بالسلام، ولا بحل الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط حلا مقبولا على الجميع، ومعنى ذلك أنه تبني موقف إستمرار النزاع والصراع المسلح. فبالنسبة للدولة اليهودية وإعتراف الفلسطينين بها، يتناقض حتى مع موقف أغلبية اليهود في إسرائيل والذين لا يريدون "دولة يهودية" بل إسرائيلية. يقول يورام كنيوك في مقال له (يديعوت أحرنوت 20/4/2009 ): "ما هي الدولة اليهودية التي يتحدث عنها نتنياهو كشرط للمفاوضات مع إسرائيل؟ لا يوجد شيء يسمى الدولة اليهودية، ليس بسبب الغويم (الشعوب غير اليهودية) بل بسبب اليهود أنفسهم". ويستمر الكاتب فيقول: "اليهود أنفسهم رفضوا فكرة القومية اليهودية خضوعا لموقف القادة اليهود المتدينين الذين يرفضون فكرة القومية ويعتبرون اليهودية دينا فقط". ورؤية نتنياهو تتناقض أيضا مع الرؤية التي أودت بحياة إسحاق رابين فقد كان رابين مقتنعا أنه يجب إنهاء الصراع العربي ــــ الإسرائيلي وأن هذا الموضوع أهم من الموضوع النووي الإيراني، فقد قال أكثر من مرة: "إن إكمال حلقة السلام (بين العرب وإسرائيل) سيساعد على تجنيد الرأي العام العالمي لمحاربة القنبلة النووية الإيرانية ويساعد على لجم حماس وحزب الله. كما أن إنهاء الإحتلال للأراضي (الفلسطينية والسورية) والوصول إلى سلام مع كل من سوريا ولبنان، والعودة للحوار مع الفلسطينيين سيؤدي إلى إحلال سلام شامل" (هآرتس 20/4/2009). فالموقفان السابقان وغيرهما من المواقف المتصارع عليها داخل إسرائيل تدعم باراك أوباما في موقفه بالنسبة للسلام الفلسطيني ـــ الإسرائيلي وبالنسبة لإستراتيجية السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط، دون التعرض للعلاقات الإستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فهذه الإستراتيجية قائمة ليس فقط للمحافظة ولدعم إسرائيل بل أيضا للمحافظة على المصالح الوطنية الأمريكية، ومن جملة هذه المصالح الوصول إلى حل للصراع العربي ـ الإسرائيلي الموجود في منطقة من أهم المناطق الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة والغرب بشكل عام. فمنذ وصول أوباما للبيت الأبيض وهو يكرر ما تحدث عنه في حملته الإنتخابية عن ضرورة الوصول إلى حل شامل في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ الأسبوع الأول بدأ فعلا في التحرك بهذا الإتجاه. وحسب المعلومات المتوفرة في واشنطن، فإن إدارة أوباما قد وضعت مخططا شاملا للسلام في المنطقة، والذي سيضم حلا للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والسوري ـ الإسرائيلي، وهذا المخطط يعتمد أساسا على المبادرة العربية. ولنجاح مخططه يقوم الرئيس الأمريكي أوباما وبعض القادة الأمريكيين بالإجتماع مع قادة ومسؤولين من المنطقة حيث أثير هذا الموضوع أثناء زيارة باراك لتركيا، وأثارتها الوفود الأمريكية الرسمية التي وصلت إلى دمشق بشكل مستمرمنذ تنصيب أوباما، وإجتماع أوباما مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في العاصمة واشنطن، ولقائه المرتقب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وغيرها من التحركات الأمريكية كل ذلك قبل أن يجتمع مع نتنياهو، وهذا يشير إلى أن أوباما يستعد للمواجهة. ولنجاح هذا المخطط وأيضا حسب المعلومات المتوفرة، فقد إستطاع الرئيس أوباما الحصول على دعم له في لقاءاته مع قادة الدول الأوروبية والقادة الذين حضروا مؤتمر "جي ـ 20" في لندن، ودول أمريكا الاتينية وغيرهم من زعماء العالم، بالإضافة إلى الدعم الداخلي حتى من بعض قادة الجالية اليهودية الأمريكية، ومن بعض اصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأمريكي، وتكتمل الصورة في شعبية أوباما لدى الشعب الأمريكي حيث لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة سيستطيع الاعتماد عليها في تحركاته. كل ذلك يعني أن الطريق مفتوح أمام أوباما للسير قدما واتخاذ خطوات تاريخية بوضع الضغوط على إسرائيل في موضوع من أهم مواضيع القرنين العشرين والواحد والعشرين إذا ما كان صادقا في نواياه. وهذا يعني الدخول في مواجهة مع نتنياهو. وأعتقد أن أية محاولة من جانب حكومة إسرائيل لتجنيد الرأي العام الأمريكي ضدّ أوباما ستكون فاشلة، رغم أنها نجحت في السابق إلى حد ما في محاولات سابقة. وسيكون موقف أوباما تاريخيا إذا ما تصدى لموقف نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، وفي مقدرة إدارة أوباما أن تضع الضغط على إسرائيل دون أن تلحق ضررا في العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين. فالعالم متفاؤل من وصول إلى الحكم في الولايات المتحدة، إدارة ترى أن مصلحة أمريكا الوطنية أن تقيم علاقات جيدة على أساس الاحترام المتبادل بينها وبين الدول العربية والإسلامية، وأن تجاهر هذه الإدارة بمثل هذه العلاقة التي حاربتها ودمرتها إسرائيل خلال العقود السابقة، وبالتالي حل أعصى مشكلة تواجه العالم. ويجب على القادة العرب أن يقيموا الوضع الحالي عن طريق وضع إستراتيجية عملية، تتماشى مع المصالح القومية العربية ومع التطورات الجارية في المنطقة وعلى الساحة الدولية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |