|
العراق والمواجهة الحتمية بين إيران والولايات المتحدة
سهيل أحمد بهجت حينما لا يفعل الخير شيئا، ينتصر الشّر. هذه الكلمات قد تنطبق بوجه من الوجوه على التصعيد الحاصل الآن بين إيران والمجتمع الدولي، ففي عهد الرئيس جورج بوش كانت الحكومة الإيرانية متمثلة بالرأسين "خامنئي" و"نجاد" يطلقان تصريحات نارية ذات طابع صارخ من التحدي والرفض، لكنها كانت تتسم بنوع من الحذر والمرونة السياسية كنوع من الاحتياط تجاه أي قرار أمريكي بضرب النظام الإيراني، لكن هذه اللهجة "الاستكبارية" والتي تعبر بصراحة عن ميل إلى الدكتاتورية والعنصرية، ازدادت قوة وتحديا، بعد مجيء الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) إلى البيت الأبيض، هذا الرئيس الذي قدم حوارا بلا شروط إلى الإيرانيين وأظهر نوعا من الاعتراف بالنظام الإيراني حينما أطلق أوباما صفة (الجمهورية الإسلامية) على إيران في رسالة التهنئة المتلفزة إلى الإيرانيين في عيد النوروز، وأيضا حينما سربت الصحافة الأمريكية خبرا يفيد أن الولايات المتحدة قد تتخلى عن شرط الإيقاف الفوري لتخصيب اليورانيوم للحوار مع طهران، يذكرني ردّ الفعل الإيراني هنا بردود فعل هتلر تجاه التحالف وتجاه (تنازلات تشمبرلن) الذي أظهر نفسه ذليلا في التفاوض مع دكتاتور كهتلر. فمنذ انتخاب أوباما، تصاعدت حدة الخطاب الإيراني وأطلقت إيران قمرا صناعيا واعتقلت مؤخرا صحافية أمريكية هي "روكسانا صابري" الإيرانية الأصل بتهمة التجسس وحكم عليها بالسجن 8 سنوات قابلة للإستئناف، كما صعدت إيران وعبر حليفها حزب الله من دعمها العلني للتنظيمات الإرهابية كحماس والجهاد ومؤخرا أثار نجاد ضجة لا سابق لها حينما ألقى خطابا في مؤتمر مناهضة العنصرية في سويسرا، ومن الواضح أن الرسالة التي أراد أوباما إيصالها إلى الإيرانيين قد فــُهمت خطأً، فالإيرانيون لا يرون في أوباما إلا ما رآه هتلر في رئيس وزراء بريطانيا (تشمبرلن)، بمعنى أنه يعبر عن ضعف الموقف الأمريكي وبالتالي لا يجد أوباما أمامه ـ حسب فهم الإيرانيين ـ إلا التفاوض ولا شيء إلا هذا الخيار، والنتيجة هنا هي أن التفاوض يصبح مجرد تضييع للوقت. النظام الإيراني ومنذ أيام الثورة الإيرانية، يستخدم لغة ذات طابع حاد وبدون أي أبعاد سياسية عقلانية، فهم ينعتون كل العالم الديمقراطي بالاستعمار والشيطان الأكبر والإمبريالية وما إلى ذلك، وفي الوقت نفسه نجد النظام الإيراني يتقرّب من الأنظمة الدكتاتورية وأنظمة الطغيان كروسيا والصين وكوبا وكوريا الشمالية ومملكة آل سعود ـ يتقرب منها الإيرانيون رغم كل السياسات القذرة لهذه المملكة ـ ولا ننسى التقارب الإيراني الفنزويلي، من هنا يخرج المحلل السياسي بنتيجة مفادها أن التصور الإيراني للنظام العالمي يختلف كليا عن التصور الأمريكي والبريطاني، فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى نشر الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، يسعى الإيرانيون إلى إعادة العالم إلى ما قبل سقوط جدار برلين حينما كانت الكتلة الشيوعية تتحدى الغرب وتريد ابتلاع العالم، من هنا نخلص أن المواجهة قادمة حتما ما دام النظام الإيراني بلغ حد السقوط الأخلاقي في التعامل السياسي، وقد عانى العراق الكثير من هذه السياسة اللا أخلاقية التي دعمت الإرهاب "المقاومة" بأسلوب لا يقل صفاقة وانحطاطا عن الدعم السعودي والخليجي للإرهاب، وكان الخبر السار هوأن غالبية العراقيين صوتوا في انتخابات مجالس المحافظات ضد عملاء إيران والسعودية، فأسقطوا المجلس "الوراثي" الإسلامي الأعلى والحزب الإسلامي السلفجي، ترى هل يستطيع العراقيون الملائمة بين مصالحهم كأمة وتخطي مسألة المواجهة الحتمية القادمة في هذه المنطقة؟ على العراقيين لتخطي هذه الكارثة القادمة أن يكونوا لأنفسهم بلدا يلغي الطائفية السياسية ويُهمش الأحزاب القومية التي تقتات وتنهش في جسد الأمة العراقية ويكون أساس العراق الجديد هو(الفرد) الذي نستطيع وصفه بأنه نواة البنية الاجتماعية، فبدون إصلاح البيت الداخلي العراقي سيبقى البلد عرضة للاختراقات من قبل المليشيات وتنظيمات الإرهاب التي لم ولن تـُقصر في الإجرام والتدمير، فهل خرّب العراق إلا جيرانه الفاسدون وطفيليات التقسيم في الداخل.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |