فى أنتظار جرجل العراق 

 

جودت هوشيار

jawhoshyar@yahoo.com

فى الأسبوع الأول من شهر أيار عام 1940 كانت القوات الألمانية تواصل هجومها على فرنسا، وقد أخفقت قوات الحلفاء فى صد هذا الهجوم والتخفيف من زخمه، وفى الوقت نفسه كانت العاصمة البريطانية (لندن) تتعرض الى قصف جوىعنيف بشكل شبه يومى، ملحقا خسائر فادحة فى الأرواح والممتلكات، وانتاب اليأس قلوب الحكام والسياسيين الغربيين بسبب الأوضاع الكارثية الخطيرة فى جبهات القتال، وكانت ثمة دعوات كثيرة للمهادنة والتفاوض مع العدوالهتلرى من اجل منع سقوط هذه الدول  ووقوعها فى قبضة الحكم النازى .

 فى العاشر من شهرأيار 1940 سقطت حكومة جمبرلن وأصبح ونستون جرجل رئيسا للوزراء، وفى الثالث عشر من الشهر نفسه أى بعد ثلاثة ايام من توليه الحكم، وقف جرجل فى مجلس العموم البريطان مخاطبا أعضاء المجلس ومن خلالهم الشعب البريطانى قائلا : -

"أود أن أقول لكم، وكما اخبرت زملائى اعضاء الحكومة، لا يوجد ما اقترحه عليكم سوى الدم والدموع والعرق والعمل . تسألون ماهى سياستنا؟ اقول لكم انها النصر، النصر بأى ثمن، النصر رغم الأرهاب كله، النصر مهما كان صعبا والطريق اليه طويلة، لأنه لا حياة لنا من دون النصر ."

لقد دخل جرجل التأريخ من أوسع أبوابه كأشهر رئيس وزراء فى تأريخ بريطانبا، لأنه قاد بلاده الى النصر فى خصم صراع دموى هائل ولم يدخل اليأس والتردد الى قلبه لحظة واحدة، وكان بذلك يجسد عزم وتصميم البريطانيين على النصر الأكيد بالرغم من الخسائر اليومية الهائلة وجبروت الآلة العسكرية الهتلرية . وليس من المبالغة فى شىء القول بأن جرجل ومن ورائه الشعب البريطانى وكل شعوب أوروبا الغربية، كان له فضل كبير فى تحقيق النصر على الفاشية وأعادة بناء ما دمرته الحرب .

ربما سيقول البعض بأن جرجل كان استعماريا وأنه أحد مهندسى تقسيم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى . قد يكون ذلك صحيحا ولكنه كان حريصا على مصالح بلاده العليا ومستقبل بريطانيا، وكان بهذا المعنى زعيما وطنيا وقائدا كاريزميا قل نظيره فى العصر الحديث . وقد لعب دورا سياسيا حاسما فى مرحلة تأريخية مهمة وحرجة واسدى لبلاده خدمات جلى سوف يذكره التأريخ لمئات السنين اللاحقة .

ولعل احد الشواهد الحية القريبة هوما ذكره رئيس الوزراء البريطانى مؤخرا خلال مناقشات مجلس الوزراء البريطانى حول الأجراءات الواجب اتخاذها لتجنيب بريطانيا تداعيات الأزمة المالية الحالية، حيث قال براون ما معناه : كما أنقذ جرجل بريطانيا من الوقوع فى أيدى الهتلريين الفاشست وقاد البلاد الى النصر، سنكون جديرين بتراثه ونعمل كل ما فى وسعنا لتجنيب بريطانيا تداعيات الأزمة الحالية .

لم يكن جرجل مجرد سياسى محترف، بل كاتبا موهوبا أيضا، فالى جانب عمله السياسى ألف العديد من الكتب المهمة منها : ( سنوات حياتى المبكرة ) و( أفكار وحكايات ) و( الحرب العالمية الثانية ) و( تأريخ الشعوب الناطقة بالأنجليزية ) و( أنتصارات ومآسى ) .

 هذه المؤلفات الثمينة ساعدته فى البقاء فى ذاكرة الأجيال اللاحقة، ليس بصفته أشهر رئيس وزراء بريطانى فقط، بل بصفته أحد أهم الكتاب الوثائقيين البريطانيين وأكثرهم موهبة وخصوبة أدبية .وقد منح جائزة نوبل للآداب ليس لعمله الساسى، بل من اجل مؤلفاته التى تركت آثارا عميقة فى ذاكرة القراء البريطانيين والقراء فى أنحاء العالم .

ويبدولى ان أحد أهم عوامل التشرذم والفوضى وفقدان الأمن والتخلف المريع فى كافة مفاصل الحياة الأساسية  فى عراق اليوم هوعدم وجود زعيم  وطنى كاريزمى يتمتع بمؤهلات القيادة الحقيقية. شخصية مخلصة وكفوءة ونزيهة، ذوارادة قوية وعزم لا يلين، على أستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، حريص على مصالح البلاد العليا، يجسد تطلعات العراقيين الى غد أفضل .

الشعب العراقى فى محنة حقيقية لغياب مثل هذه الزعامة الوطنية الصادقة التى طال انتظارها وقائد سياسى عراقى  على غرار جرجل حازم وديمقراطى فى آن معا، ليقود العراق الى بر الأمان فى هذه الفترة الحرجة من تأريخه.

. ولا يبدوفى الأفق وضمن (النخبة السياسية الحالية) أية شخصية قوية يتمتع بالمؤهلات التى تمكنه من أخراج العراق من محنته ويوحد كلمة العراقيين ويوجه طاقاتهم نحوالبناء والأعمار والتقدم وتحديث المجتمع .

ولكنناعلى يقين ان المجتمع العراقى – الذى يزخر بطاقات مبدعة وخلاقة - قادر على أنجاب مثل هذا الزعيم عاجلا أم آجلا. والشعب العراقى بأسره فى أنتظاره على احر من الجمر.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com