|
لماذا لم تنجح الطبقة العاملة العراقية بتشكيل نقاباتها القوية والفاعلة؟
المحامية سحر الياسري الحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية في القوانين العراقية إبتداءا تدفعنا الضرورة لإلقاء نظرة بسيطة على كيفية تأسيس النقابات في العراق استنادا إلى قانون التنظيم النقابي رقم 52لسنة 1987 لقد أقر هذا القانون للعمال الحق بالتنظيم النقابي وحدد للعمال الأهداف التي يسعون لتحقيقها من خلال التنظيم النقابي وهي حماية وتطوير الإنتاج وحقوق العمال وتنمية الوعي السياسي والثقافي والمهني للعمال وترسيخ روح الاحترام لنظام العمل والتقيد به عن وعي وطواعية وإخلاص وتجسيد لأهداف ثورة 17-30 تموز العظيمة (أي أهداف حزب البعث الذي قام بهذه الثورة) كما حدد القانون نطاق سريانه على عمال القطاع الخاص والمختلط والتعاوني دون عمال الدولة الذين تحولوا إلى موظفين بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 150 وتتكون التنظيمات النقابية من: 1- اللجنة النقابية وتتكون من الهيئة العامة ومكتب اللجنة النقابية 2-النقابة وتتكون من الهيئة العامة ومكتب النقابة 3-اتحادات عمال المحافظة ويتكون من الهيئة العامة ومكتب اتحاد المحافظة 4-الاتحاد العام لنقابات العمال والذي يتكون من عدة هيئات وهي الهيئة العامة للاتحاد والمجلس المركزي والمكتب التنفيذي وحددت المادة (43)من قانون التنظيم النقابي مدة الدورة الانتخابية بثلاث سنوات وعدلت بعد ذلك إلى أربع سنوات . لقد أجاز هذا القانون لعمال المهن الذين لا يقل عددهم عن خمسين عاملا في مشروع واحد أو أكثر من المهن المستقلة أو المترابطة أو ألمتشابهه المصنفة من قبل وزير العمل والشؤون الاجتماعية أن يؤسسوا لجنة نقابية ويتم اختيار رئيس وأعضاء مكتب اللجنة النقابية بالانتخاب يتراوح عددهم من 3الى5 أعضاء ويجوز لأكثر من لجنتين نقابيتين فأكثر من اللجان النقابية في المهن المختلفة أن تؤسس فيما بينها نقابة واحدة للمهنة الواحد وهي منظمة عمالية حرة يكفلها النظام الاجتماعي للدولة وقد منحها القانون الشخصية المعنوية وتتمتع باستقلال مالي وأداري وتعتبر ممثل قانوني في كل علاقات ونزاعات العمل بين أعضائها وأرباب العمل ويتم بالانتخاب اختيار رئيس وأعضاء مكتب النقابة ويتراوح عددهم من 5الى 7 أعضاء. كما يقر القانون لكل نقابتين أو أكثر في نطاق محافظة معينة أن تقوم بتأسيس اتحاد المحافظة وتكون له الشخصية المعنوية ويتمتع باستقلال مالي وأداري ويمثله رئيس الاتحاد ويتم اختيار رئيس وأعضاء مكتب اتحاد المحافظة بالانتخاب من قبل الهيئة العامة بعدد لا يقل عن خمسة ولا يزيد عن تسعة أعضاء. وعد القانون الاتحاد العام لنقابات العمال هو الهيئة العليا لعموم التنظيمات النقابية في القطر ويقود الحركة النقابية ويتولى مهمة الإشراف والمراقبة على نشاط التنظيمات النقابية الأدنى وعلى مشروعية تصرفاتها إصدار المطبوعات الدورية وتأسيس نوادي ثقافية واجتماعية للعمال وله الشخصية المعنوية ويتمتع باستقلال مالي وأداري يمثله رئيس الاتحاد العام وتقوم الهيئة العامة والتي تتكون من أعضاء مكاتب اتحاد النقابات العمالية في المحافظات بانتخاب مجلس مركزي من بين أعضائه البالغ عددهم 55 عضو والذي يقوم بانتخاب مكتب تنفيذي من بين أعضائه بعدد يتراوح 7-9 أعضاء ويختار من بينهم رئيس للمكتب التنفيذي ويكون هو رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال واقع الحركة النقابية تحت الاحتلال الأمريكي وسياسة الحكومة :- يمر العراق اليوم بمرحلة انتقالية بعد الاحتلال الأمريكي في نيسان 2003 ، وانهيار أسس الدولة السابقة مثل استمرار العمل بقانون العمل والمرقم 71 لسنة 1987 وقانون التنظيم النقابي رقم 52 لسنة 1987 وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 150 لسنة 1978، الذي يعد عقبة بوجه تأسيس نقابات عمالية مؤثرة فقد رفضت كثير من الإدارات تشكيل نقابات في منشأتها بحجة أن القانون لازال ساريا وقرار 150 لم يلغى علما أنه قرار يشكل انتهاكا للدستور العراقي الذي سمح للعمال بتشكيل نقاباتهم وانتهاكا للقانون الدولي واتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تؤكد على حرية الطبقة العاملة بتأسيس نقابات مستقلة للدفاع عن حقوقهم وتوالت قرارات حكومات ما بعد الاحتلال على ممارسة نفس الدور الذي مارسته الدولة السابقة بالتدخل في عمل النقابات تمثلت بالقرارات على سبيل المثال (قرارات مجلس الحكم ) رقم 28 لسنة 2003 والقرار 119 لسنة 2003 والقرار رقم 3 لسنة 2004 وفيها حل مجلس الحكم جميع الاتحادات والنقابات، وكذلك ما تضمنه الأمر الإداري رقم 8750 الصادر عام 2005 من مكتب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية بوقف أرصدة جميع النقابات والاتحادات والمنظمات غير الحكومية ولازال هذا الأمر ساري المفعول ولم يتم إلغائه رغم المطالبات المستمرة وتسبب بإعاقة كاملة لأعمال النقابات بعد أن جمدت أرصدتها كاملة. لقد عملت الحكومة على مصادرة حرية هذه النقابات وتكبيلها بإصدار قوانين تضعها تحت سيطرة الحكومة ومنها أمر السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004 والذي أعطى الحكومة في حالة فرض الطوارئ في المادة سادسا منه الحق بفرض قيود على النقابات والاتحادات وتحديد مواعيد فتحها وغلقها ووضعها تحت الحراسة وحلها وإيقافها عن العمل. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، أن تنظيم إضراب عمالي أو تنظيم اعتصام عمالي يمكن ان يعد عملا إرهابيا استنادا لقانون مكافحة الإرهاب المرقم 13 لسنة 2005 والذي فتح الباب واسعا أمام الحكومة لتفسير الأعمال التي يرتكبها الأفراد أو المنظمات كأعمال إرهابية بحجة الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار أو تهديد الوحدة الوطنية. كما ألغت سلطة الاحتلال وبموجب قرار أصدره الحاكم المدني ( بريمر ) وجود ممثل للعمال في مجالس إدارات مؤسسات القطاع الخاص والمختلط وهو إلغاء دور الحركة النقابية في المشاركة في مراقبة الإنتاج وتحسين نوعية المنتج في مجال الإنتاج الخدمي ولا سيما في البلديات والفنادق والماء والكهرباء والصحة وغيرها . الحركة النقابية العمالية في العراق الحاضر والمستقبل:- يمر العراق اليوم بمرحلة انتقالية بعد انهيار دولة الحزب الواحد والعلاقة بين الدولة نقابة العمال الوحيدة التي كانت تسجل ارتفاعا في عدد أعضائها أما بسبب الإجبار أو دور النقابة في الأمن والخدمات الاجتماعية أو منح أجازات العمل وكانت تتلقى الدعم والتمويل الحكومي الكافي لتمويل أنشطتها ولكن بعد الاحتلال كانت هنا تعددية نقابية وتشكلت عدة اتحادات عمالية وفقا لمرجعياتها الفكرية والسياسية. ولكن هذه الاتحادات دون دعم حكومي بل كما رأينا تدخل حكومي صارخ بأعمالها وباتجاه تحجيم دورها وجعلها بلا دور مؤثر في المجتمع وإجهاض أي محاولة لبناء نقابات عمالية قوية واغتيال ناشطين نقابيين وسجلت هذه الاتحادات انخفاضا ملحوظا في العضوية مقارنة للفترة ما قبل الاحتلال سواء منظمات القطاع العام أو القطاع الخاص لأسباب متعددة يرجع القسم الأكبر منها للظروف الأمنية التي تقف بوجه قيام النقابيين بنشاط مكثف وفعلي لإعادة بناء النقابات وكذلك صعوبة التنقل بسبب أزمة الوقود وكثرة حالات منع التجول وحالات إغلاق مناطق بأكملها وكذلك توقف قسم كبير من منشآت القطاع الخدمي عن العمل خصوصا قطاع النقل والأشغال العامة وشلل القطاعات الأخرى بسبب الظروف أعلاه وتعرضها للتهديدات المستمرة والتدمير مما يعيق التقاء العمال للتنسيق حول العمل النقابي بالإضافة إلى تفتت الحركة النقابية إلى عدة اتحادات ولجان ونقابات أضعف قدرتها إلى حد واضح على دورها في المفاوضة الجماعية. قد يشكل سبب آخر مثل السماح بالتعددية الحزبية ونشؤ أحزاب كثيرة تحت مختلف المسميات الطائفية والعرقية والأيدلوجية في سحب قطاعات واسعة من الناشطين إلى صفوفها على حساب العمل النقابي وتفضيلهم العمل مع هذه الأحزاب للحصول على الامتيازات أو وظائف وعدم وجود مخاطرة كبيرة في الانتماء إلى هذه الأحزاب عكس النقابات التي يمثل العمل فيها خطورة وتهديد حقيقي على حياة النقابيين في ظل الظروف الحالية في العراق من سيطرة المنطق الطائفي والعشائري والعرقي على تفكير قسم واسع من الناس فقد يفسر وقوف النقابة ضد مدير أحد المنشات على أنه ضد طائفة معينة أو عشيرة ما فينبري أعضائها للتصدي للنقابيين من دواع طائفية أوعشائرية . الفساد الإداري الحالي في العراق حول الإدارات إلى مافيا تستعمل كل الوسائل بما فيها التصفية الجسدية بحق كل من يحاول كشف سرقاتهم واختلاسهم وتلاعبهم بالمال العام وكان النقابيين أول ضحايا هذه المافيا التي تجاهد بكل الطرق لمنع قيام نقابات قوية تقف مستقبلا ضد مصالحها وتشكل خطرا عليها. وكذلك الحواجز التشريعية المتمثلة بمنع قيام النقابات في القطاع العام المتمثلة بقانون العمل والتنظيم النقابي وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 150 تمثل عائقا أساسيا أما تأسيس النقابات وكذلك عدم التصديق على اتفاقيات العمل الدولية فالحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال لم تشير في بياناتها ولا في الدستور إلى احترام التزامات العراق بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل و منها الحق بالتنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية رغم أن الدستور في المادة 22 ثالثا منه أشارت إلى حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام إليها وينظم ذلك بقانون وأشارت الفقرة الثانية من هذه المادة إلى أن القانون ينظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية ولم يرد أي ذكر لاتفاقيات العمل الدولية ولا العربية ولكن الانكى من ذلك لم يشرع لحد الآن لقانون عمل وتنظيم نقابي جديد رغم مرور مدة كافية على أقرار الدستور ولم يتم عرض مسودة للقانون الجديد لمناقشتها من الطبقة العاملة . ولم يلغى قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 150 لسنة 1978 رغم مطالبة كل الاتحادات اللجنة المتخصصة في وزارة العدل لإعادة النظر بقرارات مجلس قيادة الثورة رفضت هذه اللجنة حتى استلام الطلبات والنظر فيها بدعوى أن إلغاء القرار يعني أعادة مبالغ تقدر بأكثر من أربعة مليارات دولار أمريكي من أموال صندوق الضمان الاجتماعي للعمال التي استولى النظام السابق عليها لتمويل عجلة حربه مع إيران بالقرار أعلاه ومصادرة حقوق العمال بدعوى رفعهم مرتبة اجتماعية أعلى بجعلهم موظفين وأن إلغاء القرار يعني أعادة النظر بقوانين كثيرة مما يشكل أرباك قانوني وتعقيد كبير بسبب ظروف البلد الحالية لا يمكن إلغاء القرار. والحاجة لمساعدة الاتحادات الدولية العمالية للنقابات العراقية حاجة جدية لإعادة بناء النقابات العراقية التي تقف الحواجز التشريعية ونقص حاد بالتمويل نتيجة حجز أرصدتها وتهديدات أمنية فعلية أمام إعادة بنائها فمجرد ورشات عمل وندوات لا يكفي لمساعدة هذه النقابات في بناء قدراتها وتنميتها وتعزيز قدرتها وتمكينها من جذب الأعضاء والاحتفاظ بهم والإعداد لقيادات نقابية فاعلة ومزودة بمعلومات كافية تتعلق بالعمل والقدرة على المفاوضة الجماعية وعدم مشاركة النقابات العراقية في تمويل أنشطتها والإعداد للورش النقابية داخل العراق رغم كل ما ذكرناه سابقا لا تزال الاتحادات العمالية كافة تسعى بشكل جدي وصادق لبناء نقابات عمالية قوية ومؤثرة وتمويل برامج أنشطتها بجهود فردية. أن النقابيين العراقيين يناضلون وسط أجواء معروفة لأغلبكم لإرساء أسس تنظيم نقابي يدافع عن حقوق الطبقة العاملة في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية وتسعى للنهوض بهذه الحقوق، ولكن الطريق لازال طويلا أمام إرساء تنظيم نقابي حقيقي وبحاجة لمساعدتكم للنقابيين العراقيين بهذه الجهود.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |