التشابه بين سلع الافكار والكتابه وقوانين السوق والتجارة!

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

الكتابة والافكار لاتختلف كثيرا في قوانينها ووجودها وحركتها وانتجاها .. عن السوق والتجارة وعالم المال والربح والخسارة والسلع، وباقي ادوات واليات اي سوق تجارية صغيرة كانت او كبيرة !.

ووجه الشبه بين اسواق الفكر والكتابة واسواق المال والتجارة إن كلاّ منها يسير حسب قانوني العرض والطلب من جهة، وقانون الدعاية والاعلان من جهة اخرى، ففي عالم الفكر والكتابة سلع كثيرة ومتنوعة منها مثلا الكتابة في الفكر والعقيدة والفلسفة، وهذه تمثل اليوم وفي كل عصر سلع الذهب باعتبار ان ندرتها اولا تجعل منها قيمة حقيقية في سوق الكتابة، وجوهرها يؤهلها لان تكون باهضة الثمن، الا انها مع ذالك لاتستهوي القرّاء بكثرة لعمق مضمونها وصعوبة ادراكها الا لاصحاب الكفاءات العالية نوعا ما، مما يجعلها مع علو قدرها وسمو قيمتها هي الاقل تداولا في البيع والشراء، وحال كتابة الفكر والفلسفة والعقيدة (اعني الكتابة ذات القيمة الحقيقية وليس الاسفاف والتنطع باسم الكتابة) حال تاجر المصوغات الذهبية في اسواقنا الشعبية وغير الشعبية، فمع ان هذا التاجر لاتقف عند دكانه ولا تقلب في بضائعه وسلعه الا اصحاب الحالة الميسورة اقتصاديا، فانك تقريبا تجد ان زبائنه قليلين جدا وبالكاد تلمح في اليوم الواحد زبون او زبونين يقفون على بضائعه، ومع ذالك تجد ان الصاغة اغنى التجار واصحاب ذكاء شديد ونظافة عالية مضافا الى سمعة مثل الذهب !.

بخلاف ذالك تجد ان تاجر الخضروات اليومية تقف على بضاعته كل يوم المئات من المتبضعين والعشرات من المشترين، وتجد تاجر الخضار مزاجه وهيئته وتفكيره مختلف تماما عن تاجر المصوغات الذهبية لاعتبار اختلاف سلعة الذهب الباقية بقاء الدهر والتي لاتفكير يلاحقها بكساد التجارة ان بقت سلعة الذهب الف عام بينما سلعة الخضروات المنتهية صلاحياتها عند انقضاء يوم واحد لاغير من قطفها تلهب مشاعر تاجرها وتجعله في حالة غليان لبيع بضاعته قبل مغيب شمس اليوم الاول !.

تاجر الخضار هذا شبيه بكاتب المقالات والشتائم السياسية اليوم، واصحاب الخواطر العابرة، فسلعهم الكتابية آنية ومبتذله وتعتبر كالخضروات اليومية التي ان بقت للغد فستفسد ولاتعد تساوي اي شيئ يذكر، كما ان سلعة الكتّاب في المقالات السياسية اليومية كذالك هم ليسوا تجارا اصحاب ذكاء وادراك وفطنة وبعد نظر، لذا تجد ان بعض كتّاب المقالات السياسية ربما لايمتلكون اي منسوب ثقافي حقيقي، واذا طلبت من احدهم ان يكتب اي شيئ فيه قيمة فكرية او ثقافية في التاريخ او الفلسفة او العقيدة فانه اعجز من التفكير في خوض غمار بحر العلم وقعره العميق جدا، وهكذا ان ذهبت الى اي تاجر خضروات يومي واتيت به لتجلسه في محل لبيع المجوهرات الثمينة فانه سيبيع كيلوا الذهب بقيمة اي لفافة خضرة يومية ياكلها الانسان على مائدة الغداء او العشاء اعتقادا من بائع الخضروات ان قانون سوق الخضار المعتمد على البيع السريع هو نفسه القانون المتحكم بسوق سلع المصوغات الذهبية ايضا !.

وهكذا الحال ليست مختلفة كثيرا في اساليب التجارة والكتابة الخاضعة لقانون الدعاية والاعلان، فالفكر والكتابة في هذا المضمار مثل الانتاج التجاري والسلع، فكل منهما اذا لم يصادف حملة اعلانية ودعاية جيدة تقدم هذا المنتوج للمشتري التجاري او القارئ المتتبع، فأن كساد كلا البضاعتين وارد، فمثل ما ان عالم الدعاية والاعلان هو نصف معركة التجارة الناجحة في عالم الاسواق، فكذالك الفكر والكتابة اذا لم تجد من يرّوج لها ويعلن عنها ويقدمها للقرّاء بصورة جميلة، فانها ستهمل ولا احد من القرّاء يمر عليها او يقرّا مضمونها وان كانت قرءانا كريما وكلاما سماويا عظيما، فكيف اذا قلنا كتابة فكرية او فلسفية او عقدية عميقة هي بحاجة بالاساس الى مشترين جيدي الحالة الثقافية وعاليي الكفاءة العلمية، فانها حتما سلعة ستبور بدون التقديم الاعلاني الجيد، والدعاية المناسبة لهذه السلعة، فانت في مثل هذه الحالات من فقدان الدعاية والاعلان للمنتج الفكري القيم، كالذي يضع المجوهرات الثمينة في سوق الخردوات القديمة التي يختلط فيها الحابل مع النابل والذهب مع الصفر والجواهر مع انتيكات الاطفال ومجوهرات العرائس الصناعية !.

وستفاجئ عندما ترى ان سلعة بلاستيكية حقيرة، وبسبب الترويج الاعلاني والدعائي لها تباع بملايين الدنانير الذهبية لاصحاب العقول الفارغة، بينما الى جانبها قطعة اثرية فنية تعود للعصر السومري لااحد له الرغبة في تقليبها او السؤال عن قيمتها الشرائية ليضطر صاحب المزاد في نهاية المطاف لاعدامها مع النفايات والاشياء الضارة بالبيئة والانسان !.

نعم كم هي الكتابات والافكار العالية القيمة فكريا جدا، الا انها وبسبب ان ليس هناك اي حملة دعاية واعلان لها ترى انها مهملة وغير معروف لها اصل من فصل، والى جانبها كتابات وافكار حقيرة وتافهة ولاتستحق الحبر الذي انفق عليها، ولكن مع ذالك ولسبب اعلاني واخر دعائي تقدم في سوق الكتابة والفكر على اساس انها اخر منجزات العقل الانساني المنتج والمبدع في عالم الفكر والثقافة الانسانية، وربما تتطور المسألة ليمنح كاتب الافكار التافهة ولاسباب سياسية او مصلحية او اي شيئ اخر جوائز الابداع الانسانية واوسمة الابتكار الفكرية؟!.

ان قوانين السوق والتجارة ينبغي ان تختلف عن قوانين الكتابة والفكر، لكن ليس كل ماينبغي ان يكون صحيحا هو المنتصر دوما، فالربما تغلبت قوانين الحرب والسياسة على قوانين الاخلاق والفكر، ليفرض المنتصر في هذه الحياة شروطه وقوانينه على المنهزم، وربما تحت وطأة الهزيمة استشعر الخاسر ان سرّ قوانين المنتصر في قوانينه فاخذ بالتقليد والتبعية لها، واليوم نحن في عالم قوانين التجارة منتصرة على قوانين الفكر والثقافة، فلاغرابة ان وجدنا بائع الخردوات على منصة اليونسكو في تقييم الحضارات، ولاغرابة ان دخلنا في يوم من الايام الى محل المجوهرات فوجدنا انواع من الخضار اليومية هي التي تعلو ميزان الذهب، وان تكية الدرويش يشغلها صاحب الخمّارة جورج !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com