|
التغيير : جدلية الداخل الفكري مع الخارج المادي!
حميد الشاكر
ليس المشكلة في كثير من الاحيان هو ان ينتمي الانسان لفكرة خاطئة او رؤية معينة تستولي على كل داخله النفسي لتأسر دماغه وتحتلّ عقله وتستوطن آفاق روحه !. لكن المشكلة الحقيقية امام هذا البشر هو في الكيفية الشجاعة التي من خلالها يعترف هذا المُخطئ بعد ان يكتشف الخلل انه انتمى لسبب او آخر لظرف او فترة ...، لطريقة خاطئة وانتهج اسلوب تفكير عاجز، ودافع عن جريمة كان يعتقد انها ضحية وحق ونظافة ومستقبل وعدالة وخطة وبرنامج ونضال !. وهنا يكون الاعتراف ومن ثم شجاعة الاقدام على التغيير هي السمة الاعظم حقا من طريق الانتماء السابق وكل التضحيات التي قدمت على مذبح الاعتقاد فيما مضى !. ان من اهم السمات الانسانية على الاطلاق انه الكائن الوحيد الذي يملك قدرة تغيير واقعه الاجتماعي والفردي الخارجي من حالة الى حالة مغايرة اخرى من خلال داخله الانساني، بينما جميع المخلوقات الحيوانية والاخرى الطبيعية فهي وجود خاضع للنمطية الموحدة في حركة الحياة وقوانينها المعيشية، وحتى ان فُرض ان الحيوان والطبيعة والنبات والكون .... فيها عملية تغيير وتطوّر وانتقال ما، فهي لاتعدو كونها حركة تُفرض عليه من الخارج، بينما الميزة المميزة للوجود الانساني في كونها فريدة هي ميزة قدرة التغيير عند الانسان من الداخل الروحي والنفسي والفكري والثقافي..... اولا، وبعدها يأتي تغيير المحيط والخارج ونمط العيش والمجتمع والحياة والانسان ثانيا !. لهذا قال الله سبحانه في كتابه الحكيم: (( ان الله لايغيّر مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم )) وهذا التغيير في الرؤية الاسلامية له صورتان جدليتان حقيقيتان : الاولى : هي ان عملية التغيير الداخلية الفكرية والعقدية والسياسية الايدلوجية والنفسية وظيفة انسانية فردية مئة بالمئة، وليس لله سبحانه دخل في بدايتها على الاطلاق، ومن هنا قال الله : إن الله لايغير مابناس او بقوم بدائيا وبلا اسباب حتى يغيروا مابأنفسهم هم اولا وبالذات، فهي وظيفتهم ومسؤوليتهم وعملهم المناط بقدرتهم العقلية في موازنة الامور وارادتهم الفعلية في الاقدام على التغيير من الداخل، وبعدما يقوم الانسان بوظيفته في تغيير كيانه من الداخل عندئذ تتدخل عملية التغيير الالهية فيما بعد لترفد عملية التغيير الانسانية البادية من الخارج، ولهذا قال :(( ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) اي الى ان يبدؤا هم اولا ويسيروا ذراعا نحو التغيير الالهي في النفس والفكر والروح، يعود الله سبحانه ليسير نحوهم في عملية التغيير الخارجية باعا، لتكون المعادلة ليست الله سبحانه مقدمة لنتيجة التغيير للانسان، وانما الانسان مقدمة لتغيير او الاصح حركة الله سبحانه نحو الانسان، ولهذا قال :(( ان الله لايهدي القوم الظالمين )) انما يهدي القوم الصالحين، اي الذي اقدموا هم اولا على خطوة الصلاح، لتكون نتيجة اقدام التغيير في الصلاح هداية الله لهم سبحانه !. ثانيا : تكون صورة هذه العملية هي الربط بين تغيير يجب ان يكون من داخل النفس الانسانية، ثم يعقبه تغيير خارجي يتعاون عليه الله سبحانه والانسان، وليس من القول الصحيح ان التغيير من الخارج كفيل بتغيير الداخل كما تعتقده الديالكتيكية المادية في رؤيتها لعملية التغيير وانعكاس ادوات الخارج على الداخل، بل التغيير الذي تراه الرؤية الاسلامية هو التغيير الاصيل فهو الذي يبدأ من داخل الانسان ونفسه وفكره ورؤيته للاشياء، ليغير فيما بعد الاشياء الخارجية بموجبها، ولهذا قال سبحانه :(( ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم )) اشارة الى جدلية تغيير الخارج او الداخل وايهما المقدمة، وايهما النتيجة !. تمام ان الديالكتيكية المادية قد تعاملت مع الانسان كمادة خاضعة حالها حال اي موجود حيواني او كوني اخر لمعادلة الجبر القانونية في هذا العالم، ورأت ان التغيير في الانسان هو ايضا كالتغيير بباقي الاشياء الوجودية يُفرض على الانسان من الخارج، وما افكاره وتصوراته وروحه وثقافته ... الا معادلة انعكاس مادية فُرضت عليه ماديا من الخارج ولهذا هو تابع للتغيير في عملية الخارج تماما ومن هنا طالبت المادية بقوّة في تغيير السيطرة على وسائل الانتاج الاقتصادية الخارجية لنتمكن من تغيير الداخل الانساني من الداخل، لكن هذا لايعني ان المادية هي المصيبة في هذه الرؤية التي تجرّد الانسان من ميزته الانسانية العظيمة وهي ميزة القدرة على التغيير في واقعه الاجتماعه، وليس فقط الخضوع للعملية التغييرية من الخارج !. نعم : صحيح ان هذا التغيير هو تغيير حسب الرؤية الاسلامية التي ترى : ان تغيير الفكر والعقيدة والرؤية لأي انسان هي الاساس في أي عملية تغييرية جوهرية أسلامية يُراد من خلالها تغيير جذري للخارج الانساني وحسب مخططات الفكر الداخلية مما يعني وبلا لبس ان البداية دوما تبدأ من تغيير الانسان ثقافيا على التحديد، ليخطو هو الخطوة التالية في مطالبته في التغيير الخارجي حسب مايعتقده حقيقة في داخله ويجب ان يكون ميزان الخارج مقنن حسب مخططات فكرة الداخل، ولهذا قلنا : ان التغيير من وجهة النظر الاسلامية هو تغيير مختلف عن اي وجهة نظر اخرى تحاول طرح رؤيتها حول عملية التغيير هذه، لكن المهم بالنسبة لنا الان هو ان ندرك ان عملية التغيير لها وجه واحد اصيل وحقيقي ومنسجم مع الكرامة الانسانية في هذا العالم من وجهة النظر الاسلامية،الا وهي عملية التغيير التي ترى : اولا : ان بداية التغيير كلمة يؤمن بها الداخل الثقافي الانساني وليس الخارج المادي . ثانيا : ان مسؤولية ووظيفة العملية التغييرية هي انسانية مئة بالمئة، وما الابعاد الالهية الخارجية الا روافد . ثالثا : ليس هو تغيير كلّ ما جاء من الخارج لينعكس على الداخل الانساني وانما هو انتكاس او حالة صراع وجدلية في الحركة . رابعا : ان عملية التغيير عملية ايمان فردي حسب خطة وبرنامج الاهي في الفكر الاسلامي . خامسا : صورة انسجام تغيير الداخل مع الخارج هو قدرة انعكاس الداخل بصورته على الخارج وليس العكس، فاذا آمن الفرد فكريا وثقافيا: ان صورة الحكم ( مثلا ) ينبغي ان تكون بين طرفين متساويين في الحقوق والواجبات، بينما كان الخارج غير ذالك فاعلم ان هناك خلل في معادلة التغيير !.. أذن : نفهم من كل ماتقدم ان هناك صور ومنطلقات وثوابت واشكاليات .. في عملية اي تغيير مطلوبة، وفي حال وجود خلل في الخارج او الداخل فتيقن ان كل حديث عن تغيير حاصل ماهو الاخرافة يُراد منها خداع الانسان في آماله العريضة فافهم !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |