يحيا يحيى السماوي

 

محسن ظافرغريب
algharib@kabelfoon.nl

 يحيا يحيى السماوي

يحيا يحيى السماوي على 80 سيكارة يومياً مع فساد جيب و 51 % من صحة رئتيه وربو حاد: إذا نزل الغمامُ بأرض قفر / رعيناه وإن كنا غضابا، إذ استخدم الشاعر مفردة رعى للغمام، العشب الذي ينتج عن الغمام، وعندما أقلب الطرف بعيداً، مثل صاحبي الفتى الستيني الحاسر الأنزع، بلا بطنة، مثل شاعري الأمثل الفحل (أبي علي والشيماء ونجد وسارة)، " يحيى عباس عبود السماوي " الذي آهداني بمناسبة ذكرى مولده المبارك الميمون في نيسان 1949م، ديوانه الحائز على جائزة عربية، الموسوم بعوان: " نقوش على جذع نخلة"، لا أرى منتحراً مثل صاحبي سوى "بول شاوول" الذي كتب بعدد أنامل الكف الواحدة كتباً شعرية مرة ً واحدة ً في ذات الوقت، فكانت سيرة في دفتر سيجارة ذاتية لذويه وصحبه ومعارفه وأمكنته وزمن طاو ذاو ذوى ذووه.

غادر (شاوول) في نيسان 2009م، عملية جراحية في الشريان الأبهر، كتب بعد أيها الطاعن في الموت مروراً بـ وجه يسقط ولا يصل، موت نرسيس و الهواء الشاغر و أوراق الغائب و نفاد الأحوال وانتهاء بشهر طويل من العشق، نشر ثلاثة هي هؤلاء الذين يموتون خلف أعمارهم (كتيب مهدى إلى أطفال غزة) و دفتر سيجارة و بلا أثر يُذكر، حجرة مليئة بالصمت و حديقة المنفى العالي .

عودة لأربعين حولاً لا أباً له يسأم! من نشر الشعر العربي. انتصر لتجربة قصيدة البياض نظرياً . خرج إلى السيولة عبر كتابة نص طويل مُذ الهواء الشاغر مطلع عقد ثمانينات القرن الماضي ثم أوراق الغائب منتصف العقد الأخير من القرن الماضي وصولاً إلى نفاد الأحوال مستهل الألفية الثالثة للميلاد.

كتب شاوول الكثافة وكتب السيولة، كتب النص المضغوط والنص الرخو إن صحَّ التعبير، كتب العبارة التامة والمقفلة والعبارة التي لا تنتهي إلا بسواها. تألف من قصائد قصيرة كما هي حال دفتر سيجارة أم من نص واحد طويل كما حال بلا أثر يُذكر .

دفتر سيجارة :

في دفتر سيجارة عالم شعري من التدخين. السيجارة تربط الشعر من أول إلى آخر صفحة. نحو 120 صفحة مخصصة للسجائر. ليس هناك صفحة واحدة لا تتخذ من التدخين موضوعاً . تدخين لا ينزل السيجار من شفتي شاوول. رجل كان يدخن نحو 4 علب سجائر يومياً . تحدث عن أول سيجارة في الرابعة عشرة من عمره رافقته أيام المدرسة وأيام العشق والتظاهرات والحرب والتهجير والموت والدمار والقتل والشراب والقهوة عن المقاهي التي تشبه السجائر التي يدخنها : اللوكي سترايك تذكره بمقهى اللاروندا في ساحة البرج، اللوكي التي تذكره بالترامواي وقهوة القزاز ومسرح فاروق وسينما ريفولي وسوق المتنبي (الغانيات) ومقهى الجميزة، وسيجارة البلايرز بعلبتها المربعة الأنيقة تذكره بمقهى الأوتوماتيك، وسيجارة البافرا التي هندست مقهى البرازيليا في سن الفيل، وسيجارة الكامل التي يتوسطها رسم الجمل و تحرق حرقاً، تدله على مقهى الستاركو في منطقة وادي أبو جميل، وسيجارة غلواز التي انتهى إليها تأخذه إلى مقهى الهورس شو في شارع الحمرا. . عن أول رائحة وطعم. عن أنواع سجائر دخنها من لوكي سترايك للجيتان لبول مول وإل أم والكريفين إي والمارلبورو والكنت والطتلي عريض و الطتلي طويل. يتحدث شاوول من خلال السيجارة عن عزلته ووحدته وخوفه في الحرب ومتعه ومشيه في الشوارع وجلوسه الطويل والصامت في المقاهي فاتحاً جريدة أو كتاباً برأس مائل كأنه تمثال. تعرف السيجارة ومن مجرّد تحسسه العلبة بمزاجه. فعندما يعدّها واحدة واحدة تدرك أنه مفلس. وعندما كان يضعها أمامه على الطاولة ويتأملها بشرود قاس تدرك أن شخصاً عزيزاً عليه فارقه أو ابتعد عنه. وعندما كان يسحبها على مهل ثم يطرق عقبها على طرف الطاولة أو ظاهر كفه، أنه توتر أو قلق . . وعندما يضعها بين شفتيه ويرفع ولاعة أو عود ثقاب ولا يشعلها، عرف أن أموراً في ذهنه. وعندما يشعلها ثم يطفئها قبل أن يكملها ثم يمعسها ليشعل سيجارة أخرى تلقى المصير ذاته أنه مقبل على خطوة صعبة و غير واثقة . . . يعود شاوول للأم والأب، بطلي التدخين الأولين في حياته. السيجارة توقظ الأم عند الفجر. الفجر والسيجارة يبدآن معاً نهارهما. كان يعرف وهو نصف نائم من عود الثقاب ومن ضوء السيجارة أن نهار والدته ابتدأ . الأب الذي كان يدخن بصمت. قما جمع التدخين بالكلام إلا في ظرف قاهر . . كنا نحس أننا نشارك الأب التدخين بقدر ما يشاركنا هو الصمت . في النهاية مات والده بسبب السيجارة. ووالدته أيضاً. وشقيقتاه، وعدة أصدقاء . . ماتوا بالسيجارة. عندما حضر جنازات هؤلاء، كانت السيجارة في فمه، كأنها تشارك العزاء . السيجارة ذكرى أصدقاء ماتوا: وجيه الذي منعه الطبيب عن التدخين بعد عملية قلب مفتوح فوضع السيجارة في فمه من دون أن يشعلها. بقيت السيجارة في فم وجيه سنوات عدة. وعندما مات وجيه بهدوء بقيت السيجارة في فمه غير مشتعلة . أصدقاء آخرون لديهم سير مع السجائر: صديقي طلال يضع السيجارة في طرف شفتيه وكأنه يريد أن تكون أطول./ صديقي حنا كان يضع السيجارة بين أسنانه وكأنه يريد أن تكون أقصر./ صديقي سمير يزرع السيجارة وراء أذنه وكأنه يريد أن يسمعها قبل أن يدخنها./ صديقي فيصل يمرر السيجارة على أنفه وكأنه يريد أن يعرف لماذا أقلع عن التدخين البارحة وعاد في اليوم نفسه./ صديقي إسكندر يفلي السيجارة في فمه وكأنها عصفور يخاف أن يطير . صديق آخر يتكلم والسيجارة في فمه لدرجة أن كلمات كثيرة يقولها صديقه غير مفهومة أو مبتورة أو ناقصة. شعر بأن صديقه يدخن السيجارة وكأنه يدخن كلماته . أما صديقه يحيى فـ يدخن وهو يضع يديه في جيبه .

سيجارة شاوول:

ارتبط التدخين بثورة الهيبيين يدخنون الماريوانا في الولايات المتحدة الأميركية، الثورة الجنسية والثورة الطلابية التي ترافقت مع تدخين الشبان والشابات للسجائر. الثورة الأدبية لجيل البيت "الجيل الهامشي" في الولايات المتحدة كان أصحابها مدخنين شرهين من ألن غينسبرغ لجاك كرواك. ثوار كبار رافقت السيجارة صورهم: غيفارا، تشرتشل. نجوم شُدّت صورهم للسيجارة موحين بالخفة والشباب والمغامرة: جيمس دين. مرحلة ستينات وسبعينات القرن الماضي الثورات والنوستالجيا والتدخين. ثمة علاقة بين الشباب والهوى والسجائر. بين المتعة والسجائر. كل ذاك أمسى من الماضي. ما بعد الحداثة استعدت التدخين واضطهدت المدخنين. اليوم بات التدخين أمراً محظوراً في معظم الأماكن المغلقة في العالم. لم يعد التدخين مسألة مغوية للشبان والشابات. انتهى الزمن الذي كان نزار قباني يقول فيه دخنْ ما أروع من رجل/ يفنى في الركن ويفنيني/ أشعل واحدة من أخرى/ أشعلها من جمر عيوني . شباب اليوم المغوي تفوح منه رائحة العطر والصابون وليس الشاب المدخن ذا الثياب الرثة والشعر الكث. ل بوصلة الدم ل موت نرسيس، و أوراق الغائب، و ميتة تذكارية

دفتر سيجارة سهولة قصوى. . جملة تقترب من الشفهي العادي، اليومي. تداخل القص والسرد بالمونولوج والديالوج .. بصفة شاوول الحكائي المسرحي كاتباً وناقداً مسرحياً .

أبا علياً الفتى بلا بطنة؛ "لماذا تأخرت دهراً عليا؟!" .. يحيا لا يـَمـَّحي إهداء توقيعك بمناسبة ستين ربيعاً على ذكرى مولدك مـَطلع نيسان 2009م، مع ديوانك الحائز وقعه في النفوس، ما إستحق جائزة تقديرية، ما حييت يايحيى في عل، وقد أدمعت أبيات رائعة ديوانك هذا (نقوش على جذع نخلة) عين أم محسن: "يا صابرا عقدين إلا بضعة":

(بعد نحو عقدين من السنين العجاف غربة وتشرداً، يطل على أمه وبقايا ملاعب طفولته/ كأنها عرصات دُعبل الخـُزاعي)

وَصَـرَخْـتُ كالملـدوغِ أَدْرَكَهُ الـرَّدى
متـوسِّـلاً من بَـلـسـم ٍ رَشَـفـاتِ :
أيـنَ العجوزُ؟ فـما انْـتَـبَهْـتُ الى أخي
يبكي... ولا الـشَهَـقــاتِ من أخواتـي
عا نَـقْـتُها... وَغَـسَـلْتُ باطنَ كفِّـهـا
وجـبيـنَهـا بالدمـعِ والقُـبُـلاتِ
وَحَـضَنْتُها حَـضْنَ الغريقِ يَشدُّهُ
رَمَـقٌ مـن الدنيا لطـوقِ نجاةِ
قَبَّلتُ حتى نَعْلَهـا.. وكأنني
قَبَّلْتُ من وردِ الـمُـنى باقاتِ
وَمَسَحْتُ بالأجفانِ ساخـنَ دمعها
وأنَابَتِ الآهـاتُ عـن كلماتي
وسألتُها عَفْوَ الأمومةِ عـن فتىً
عَبَـثَـتْ به الأيامُ بَعْدَ شَتاتِ
واسْتُكْمِلَ الحفلُ الفقيرُ بِزَخَّـةٍ
مزحومةٍ بـ (هَـلاهلِ) الجاراتِ
***
عَـتَبَـتْ عليَّ وقد غَـفَـوْتُ سُـوَيْعــــةً
عَـيْني.. وخاصَمَ جَـفْـنُهـا خَطــراتي :
قُمْ بيْ نَطوفُ على الأَزِقَّـةِ كلـِّها
نَـتَـبـادَلُ الآهاتِ بالآهاتِ
طاوَعْـتُـها... وَمَشَـيْتُ يُثْـقِلُ خطوتـي
صَـخْرُ السنين ووحشةُ الطُرُقاتِ
أّ تَفَحَّـصُ الطُرُقاتِ... أّبْحَثُ بينها
عن خَـيْطِ ذكرى من قميصِ حياتي
فَزَّ الفؤادُ على هتافٍ غابر ٍ
عن أّصْـدَقِ الأوهامِ في صَبَواتي
هل كان حُبّاً؟ لستُ أدري... إنما
قـد كان درسـاً للـطريـقِ الآتي :
كانت تُمَشِّطُ شَـعْرَها في شُـرْفةٍ
خضراءَ ... تَنْسلُهُ الى خُـصلاتِ
رَفَعَتْ يَداً منها تشدُّ ستارةً
لِـتَصدَّ عـن أّحْداقِها نَظَراتي
فَظَـنـَنـْتُها رَدَّتْ عليَّ تَحِـيَّتي
بإشارةٍ خجلى وباللَـفَتاتِ
كنتُ ابنَ عـشرٍ واثنتينِ ... فَلَمْلَمتْ
شفتايَ ما اسْـتَعْـذَبْتُ من كلماتِ
غازَلْتُها ... ثُمَّ انْتَبَهْتُ الى أبي
خلفي يَـكِـرُّ عـليَّ بـالصَـفَعاتِ :
أّتَـخونُ جاري يا أّثيمُ وَعِـرْضُهُ
عِرْضي وكلُّ المُحْصِنات بَـناتي؟
تُـبْ لـلغفورِ إذا أّرَدْتَ شفاعةً
واسْتـَمْطِرِ الغفرانَ بـالآياتِ
لا الدَمْعُ يـَشْـفَعُ والنحيـبُ ولا أبي
سَـمَعَ اختناقَ الطفلِ في صَـرَخاتي
واسْـتَكْمَلَتْ أُمي العقابَ ... وراعَني

وَيْلٌ بإطْعامي الى(السَّعْلاةِ/حيوان اسطوري اعتادت الأمهات على إخافة الاطفال به)0)

فَنَدِمْتُ ـ رغم براءتي ـ وأَظنُّهُ
كان الطريقَ الى جِنانِ صلاةِ

* * *

وقد أوحى ديوان يحيى لي ما أوحى مِن غـُثاء أحوى!. شيءٌ مِن الشـِّعر تشيؤ (ليتَ) شِعري Ding Poem، والتـَّشيؤ تقيؤ شيء الفكرة مِن سكرة قهوة/ خمرة الأمر في صورة عين نجاسة الحميَّا وقد تأخرت دهراً فبلغت ُ مِن الكِـبَـر إنسيَّاً سويَّاً!!، وغـُسل غـُثاء جناب سورة الرَّمز الذي يجزي شرعاً عن الوضوء لدى قراءة سورة الزمر، كما قال قائلهم، قال الله و أقول أنا، وكما جاء في مادتي الأسبق A&Q سمك تمر بصرة!، لبن أربيل، تمر هندي، فيلم هولندي . . على أي ٍ ّ " مات الهندي وبقي إبنه عندي!" ذكرى، كما ينمو إلى باصرتي حضور (فيحاء) أنفاسها الغائرة في محاجر مدينة الحزن، كا شبَّ لحاء صندل شجيرة (الصـِّبا/ الصَّبا) مثل طيب في غابة، عندما يشأ أن يشي شيئاً مِن الشـِّعر، ليجترح (قصيداً مقالاً)، عابَ فيه الزمان بعد رمزه :

"عبد الكريم"؛ فكان كما قال الجلف الجافي الأعرابي للنبي الأكرم:

"مالك لم تعدل - أبا القاسم؟! - . . أنت قاسم الضــِّيزى!!".

جاء قاسم قبل أوانه الذي لم يستميله فيستمهله فلم يجتبه ولم يجتذبه، ليجتثه عنوة (البعث) العميل وكالة لا أصالة عن نفسه، قبل أوانه، نيابة عن عدو طامع يتربص الدوائر (الإستعمارية) مع وغد مسخ أثيم، ولد ليتعذب و يـُعذب، و مَن جاء قبل استحقاقه، ما استحقه زمانه!.

كان الزعيم الأمين غير الخؤون خؤولة شيعة وعمومة سنة، ظليمة حقة ضاقت بها حقيقة ظلام العراق، وكيف يُستبان الظلام بالظلام والنهار بالنهار؟!، فأوسع - الجواب الإستنكاري - حقَّ الحقيقة:

ركلاً ولكزاً ولياً وطعجاً وحجماً ولجماً وإحجاماً وتحجيماً، وهل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان؟!.

لا يستمطر - ولاينتظر - و لا يتمظهر بالشـِّعر الأعجم الملهم الفتى علي (أدونيس) لإيهام النـَّاشر - لا النـَّاس - باسمه المُـنتحل، وهو في غنىً - لا غي - عمَّا ألجأ (تسويق شـِّعر) الرَّاحل "محمد الماغوط" لتسويغ إنتحال صفة دكتور، ليقول شاعر حاضرة البصرة "البريكان" الكبير، لا تسبق و لا تلحق صفة شاعر ما سواها.

يحيا بحيى، غربب الغربتين، الوطن واللسان، أمَّا "ظـافر غريب"، فقد انشدَّ وأنشد:

يحيا شيءٌ مِن صدى الشـِّعر

وادينا عميقٌ في صداهُ، حزيـْنا يَـسَـعُ القرارة َجواباً أنيـْنا

أمواجُ رَجْع ٍ مِن الرَّنين ِ ترَدَدَتْ - نـَفـَسٌ تـَهَدَّجَ - في روابيه، وفيـْنا

قد طافَ فيه ِ مِن الطـُّفوف ِ شذا - لا شذى *- طيفٌ تـَضَرَّجَ مُذ اُستـُبيحَ حُسيـْنا

و الصَّائِمَ القائِمَ - بزعامة ٍ - عبد الكريم شهيدنا مُذ وُعيـْنا

مَنْ كان مِثالهُ العليّ أبي الحَسَن رمزاً لعدل التوسـُّطِ بلا مَيـْنا

أين كريمُ ؟!! . . الرَّافدان تناديا وأبـَّنا بـَرَّاً، وإبنا أميـْنا

هم الثلاثي الواهبينَ حياتـَهم بشهادة ٍ قد أجْزعتْ جاهليـْنا

بابا كريم، المُحْصناتُ بناتـُكَ أبنائهـُنَّ للخنوع ِ . . . أبيـْنا

على المنافيَ، إذا نسوركَ تسربلوا أخلوا عَريـْناً للخؤون ِ عريـْنا

ذ ُرى الأ ُسود إلى العَرين ِ صدى انتمى و إلى الهـِضاب ِ والسـُّهول، يقيـْنا

* * * * * * * * *

(*) مبنى قصر ألف "شذ(ا)" المدودة بـ(ى) يعكس المعنى

- طـُفر طـَفرْ خنزير والعمبة طيبة ... گوم اترس اللالاتْ مالك علاقه

خوة ونظل للدوم سنه ويه شيعة ... والدين نفس الدين نفس الشريعة

ما يهز گلبه الشوگ ! شوما يجيني ؟ ... يمكن طلع بذات لو گلبه صيني

يكفي حبيب الروح يكفي بواري ... أسست نص بغداد مي ومجاري

-المهزوم إذا ابتسم أفقد المنتصر لذة الفوز:

If the loser keeps his smile the winner will loose the thrill of victory.

_________________________________

رسالة "يحيى السماوي" إلى "ظـافر غريب":

أخي الأديب الذي انتظرت رؤية أشرعته في مرسى أحداقي من زمن ... ونصبت لغزلان أبجديته فخاخ ذائقتي : الأديب البليغ البليغ ظافر غريب
لا أعرف كيف ابتدئ التحية ... فاعذرني لو تعمدتُ تأجيلها ريثما أكتشف أبجدية جديدة تمتلك القدرة على نقل ما في القلب والضمير إلى شاشة حاسوب أو ورقة من أوراق مكتبي المستحم بعبيرك ...

مذ حطت حمامة رسالتك على شجرة صندوقي البريدي وأنا أعيش فرحا كالذي يعيشه طفل فقير خطفوا دميته الوحيدة، حتى إذا عاد إلى بيته الطيني، وجدها على وسادته ... كان يوما مائزا يوم أمس حين رأيت حمامة محبتك ـ ولقد وددت صفع عينيَّ لأنهما جعلتاها تنتظر يوما وليلة على شرفة الصندوق قبل أن تفتحا الباب ... سأؤدب عينيّ كي لا تتكرر حماقتهما يا سيدي ... فمثل حمائمك لا يجوز لعينيّ التدثر بريش النعاس قبل أن تمسّدا بأجفانهما ريشها ..

لكن المؤسف يا سيدي أنني حين رأيت حمامتك أمس، كان ابني علي في سيارته خارج الدار ينتظرني ليذهب بي إلى قسم الطوارئ في مستشفى " نورلانكا " حيث اعتدت على مثل هذه الزيارات لأقيم يوما أو بعض يوم منغرسا على سرير أبيض أتابع قطرات الدواء المساطة مع المغذي وهي تنزلق نحو جسدي عبر الوريد، وأواصل استنشاق رذاذ علاج الربو ساعة وربما ساعات .... أنا يا صديقي أخطر مجرم في الكون ـ غير أنّ ما يميزني عن كل مجرمي الكون هو : إنّ ضحاياي هم أنا وحدي !!

أقسم لك أن الطبيب أوشك أن يمتنع عن معالجتي لكثرة فشلي في تطبيق نصائحه ... فأنا يا سيدي مصاب بتلف ما نسبته واحد وخمسون بالمئة من رئتيّ الاثنتين نتيجة إفراطي الشره في التدخين ... أدخن يوميا أربع علب سجائر منذ نحو عشرين عاما ـ بينما كنت أدخن نحو علبتين قبل ذلك بعشرين عاما وأزيد بقليل ـ ما يعني أنني أدخن منذ أكثر من أربعين عاما ـ وها أنذا الان قد دخلت كهف الستين من عمري الذي أشك في أن أكون عشت منه بضع سنوات من فرح حقيقي وليس فرحا مستعارا ...

قبل عام وبضعة شهور شك الأطباء باحتمال إصابتي بمرض سرطان الرئتين ... امضيت نحو اسبوع في المشفى ـ وقد أخذوا عيّنة من رئتيّ والحنجرة والمريء ... وحين اتضح أنني مصاب بتلف الرئتين فقط، قال لي الطبيب : الان قد مضى عليك اسبوع دون تدخين، فاقلع عنه وواصل عدم التدخين مادمتَ قد صبرت اسبوعا كاملا دون سيكارة ...

قلت له : هل تعلم لماذا كان إصراري على حجز غرفة في هذا المشفى الخاص رغم أنني لست ثريا ؟

قال : لا أعرف ..

اجبته : لأنني أغلق عليّ بابها من الداخل وأدخن نافثا الدخان من شباك الغرفة !!!

لقد غادرت المشفى ... وها قد عدت إلى بيتي ومعي جهاز جديد للربو التحسسي ... أشعر بالهواء النديّ يدخل رئتيّ مصحوبا بالعبير ـ ولسبب جوهري : لأنني أكتب لك ..

سأرسل لك غدا بإذن الله نسخا انترنيتية من بعض دواويني ... لكنني أستجدي عنوانك الأرضي كي أرسل لك نسخة ورقية من آخر دواويني ... أريد أن أكتب عليها هذا القسم : أقسم يا حبيبي ظافر أنك نافذة ضوئية في كهف غربتي ..

يحيى السماوي

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com