هل يصلح "الماوس" ماأفسدته السلطة؟!!

محمود حمد

mehmood.hamd@gmail.com

استبشرنا خيرا باستحداث مواد دستورية ومؤسسات حكومية تعني بالعلوم والتكنولوجيا..ليس لكي يقال عَنّا في أبواق الدعاية :

إننا من بلد ـ يُحْتَرم فيه العلم وينتمي الى نفس العصر الذي تعيش فيه الامم المتعلمة تكنولوجيا! ـ ..

إنما لإدراكنا بأن التخلف المستشري في كل خلايا الدولة والمجتمع لايمكن ان يستأصل بـ :

·       نشر الشعارات المُضَلِّلَة!

·       تعطير الوعود بالجنة!

·       بث المواعظ المجوفة!

·       التلويح بالوعيد والثبور وعظائم الامور!

·       اشاعة الأدعية السحرية!

·       اصدار القرارات الفوقية!

·       تسويق استنساخ التجارب ـ الاستغلالية ـ البراقة من البلدان التي تشهق فيها الناطحات على جماجم الفقراء!

·       تبرير التعسف الامني والبيروقراطي!

·       تصنيع الدعاية الاعلامية المجوفة!

·       ايقاد النخوة والاهازيج القبلية الصاخبة!

·       فرض المنتج ـ الوطني ـ البدائي بديلا للمنتج ذو الجودة العالية في سوق الانتاج العالمي.

·       الاستخفاف بنور العلم ازاء مداخن الشعوذة!

·       اطلاق الاناشيد الحماسية فوق اطلال الخرائب!

·       تسيير المظاهرات المليونية القادمة من التخلف والذاهبة للمجهول!

·       ....الخ.

انما بـ:

·       محو الامية المعرفية بالمعرفة..واستقطاب ملايين الشباب بمن فيهم العاطلين عن العمل الى اقتصاد المعرفة.

ونشر وتطبيق المعرفة التكنولوجية والرقمية في جميع قطاعات الاقتصاد وفروع الحياة ..بل وفي نمط حياة الفرد وخدمات الناس اليومية..

·       توفير البنية الاساسية لتعميم إستخدام الأنترنت بسعر مدعوم ـ حكوميا ـ وـ مجانيا ـ لجميع فئات المجتمع المتدنية الدخل وخاصة الشباب وفي عموم جغرافية العراقية.

·       انشاء قاعدة بيانات وطنية لجميع فروع الاقتصاد والمعرفة والخدمات..ووضعها تحت تصرف الباحثين والعلماء والشباب العراقيين المبدعين..

·       اعتماد جودة الخدمات وجودة الانتاج معيارا" لنجاح الافراد والفرق والمؤسسات والوزارات والادارات ..وتقدير المبدعين منهم ..واستبدال المتخلفين والفاسدين وفق معايير جودة الخدمات وجودة الانتاج وجودة الأداء..( لا وفق معايير المحاصصة الفاسدة والتنافق السياسي.. وضرورة فضح السياسيين الذين يحمون الفاسدين من يد القانون ومن رياح النزاهة).

·       إستبدال الخدمات التقليدية الورقية في الوزارات والإدارات والشركات الحكومية كافة بالخدمات الالكترونية.التي توفر الرقابة والسيطرة والتحكم والشفافية وتحديد التقصير وبيان الاسباب واقتراح المعالجات ..لكافة مراحل الاداء الوظيفي.

وخلال السنوات المنصرمة من عمر الدولة والحكومة العراقية ـ قبل وبعد الغزو وسقوط الدكتاتورية ـ لم نجني إعلاماً تكنولوجياً رقمياً معرفياً ـ.. ولا شجرة مثمرة لثقافة العلوم والتكنولوجيا ـ وجدت لها مكاناً في غابة احراش الإعلام السياسي والديني والطائفي والقومي والتغريبي والتهريجي الكثيفة في العراق اليوم..ناهيك عن بنية تكنولوجية أساسية لإقتصاد المعرفة.

ولا ـ الحكومة الالكترونية !ـ التي وعدتنا بها ـ حكومة الوحدة الوطنية ـ قد أينَعَت لنا منها سُنبلة في حقل الحشائش الضارة المتسارع النمو في مؤسساتنا الحكومية والخاصة والمجتمعية.

ولأننا اليوم نعاني من وباء الفساد الإداري المستشري في جميع مفاصل الدولة و هيئات المجتمع المدني..

وتصك استغاثة ـ المتعاملين مع الادارات الحكومية ـ آذان المسؤولين الصمّاء..

في وقت  نطيش من فرط صراخ المسؤولين الشاتمين للفساد والمفسدين..

فلا أحد من السياسيين لم يقف متعبداً في محراب لعن الفساد الاداري والمالي ..

إبتداءً من رؤساء واعضاء (مجالس الرئاسة والبرلمان والوزراء..ومجالس الاقليم ..الى مجالس العشائر ..ومجالس المحافظات ..ومرورا بمجالس السُّكْر .. وإنتهاء بمجالس الفاتحة!)..

في الوقت الذي يمتنع رؤساء الجمهورية والبرلمان والاقليم والمحافظات وأعضاء مجالسها عن كشف ـ ذمتهم المالية!!!! ـ لهيئة النزاهة ( التي هي جزء من الدولة ..وليست هيئة شعبية مستقلة!) باستثناء 27 نفراً ( فقط ) واثقا من سلامة موقفه ..من كل هذا الجيش العرمرم من المسؤولين المُمْسكين بشرايين العراق ..هذا الجيش الذي يعد بمئات الآلاف من المسؤولين والموظفين المشمولين بقانون النزاهة.. من زاخو لرأس البيشة ..ومن مندلي للقائم!

بحيث صرنا ـ مُرغمين ـ على التوهم بتصديق شكوى ـ اولئك المسؤولين السياسيين والإداريين ـ  من الفساد ..

رغم يقيننا بحجم وهوية وجغرافية الفساد واسماء وعناوين المفسدين الكبار ـ وبعض الصغار منهم ـ ..

هذا الفساد الذي اعلنت هيئة النزاهة في البرلمان في آخر تقرير لها هذا الاسبوع عن جانب ضئيل منه.. ( ان.. 39% من المعاملات في الدوائر الحكومية تنجز من خلال الرشوة ).. لكن المعلن من التقرير لم يذكر كم نسبة المعاملات التي تنجز بالمحسوبية والمنسوبية ..وكم نسبة المعاملات التي تُدفن في اداراج المسؤولين لأن أصحابها ـ مو من جماعتنا!!ـ.

 العراق ـ بلد العجائب ـ سيدخل كتاب غينس للارقام القياسية بالمفاجآت ..بل ان كتاب غينس سيدخل العراق كجزء من مكونات الارقام القياسية للغرائب في بلادنا..

( كان الزميل عبد المنعم الاعسم ـ في سبعينيات القرن الماضي ـ ـ يدردم بصوت مسموع ـ مع نفسه كلما سمعنا بإحدى غرائب العراق السلطوية :

هذي ماتصير إلاّ بأفلام كارتون وبالعراق!..

ونحن اليوم نسجل واحدة من غرائب العراق ..وهي:

·       وجود قوى سياسية فاسدة..وقادتها وكوادرها ـ لنزاهتهم ـ يدخلون الجنة بلا حساب!

·       وجود وزارات فاسدة ..ووزرائها مطهرين ومعصومين عن الفساد!

·       وجود دوائر حكومية فاسدة ..ومدرائها وموظفيها يقطرون نزاهة ولاتأتيهم الرشوة من خلفهم او من أمامهم او من تحت طاولاتهم!

·       وجود مجالس وحكومات اقليم ومحافظات فاسدة..وحكامها وأعضائها يتوضؤون بالنزاهة ..ويَسجدون في محراب الزهد!

·       وجود جمعيات مجتمع مدني فاسدة..وأعضائها ورؤسائها ـ يِنْحِلِفْ بيهم بالنزاهة!ـ

ولاندري من هو الفاسد إذن؟!

هل هي الجدران ؟

 والطاولات ؟

 والاوراق ؟

..وربما الابواب والشبابيك؟..

بل كما يهمس بأذني احد الاصدقاء ـ الآن ـ:

ان الفساد يكمن في طاولات المقاهي والدكاكين بجوار الوزارات والادارات الحكومية ..التي تجري فيها صفقات الرشوة حول ستكان الشاي السنكين!

ولان الجميع يُدرك ان المصدر الرئيسي للفساد هو التخلف !( بالمفهوم الواسع للكلمة)..

فإننا على يقين من أن :

الخدمات والاقتصاد والمعرفة والأمن هي ابرز ضحايا التخلف والفساد الاداري والمالي.

والمواطنون هم ضحايا ذلك الفساد الاداري والمالي..

·       لانهم ضحايا التخلف من جهة ..ومُنتجوا ـ المسؤول الفاسد ـ وحُماته والمُستقتلين من أجل صيانة بؤرة فساده..من جهة اخرى!

·       لان الخدمات المتردية تُنتج نمطا متخلفا من الحياة ..وهذا النمط المتردي من الحياة يُفرز معاييراً ومفاهيماً متخلفة تسود الحياة العامة وتتمخض عنها اشكال متعدد من المسؤولين المتخلفين الفاسدين..الذين ينخرون جسد الدولة والمجتمع اليوم.

·       وهؤلاء المُتخلفين المُفسدين سيُنْتجون بدورهم ـ فايروسات ـ جديدة للتخلف والفساد قادرة على مقاومة القرارات الوقائية والعلاجية التي تتبناها بعض القوى المتمدنة والنزيهة للحد من وباء التخلف والفساد.( فايروسات اقوى من انفلونزا الخنازير)..!!!

·       ولأن نمط الادارة التقليدية السائد اليوم في بلادنا هو نتاج دولة مُخْتَلَّة تكوينياً منذ إنشائها مطلع القرن الماضي ..لأنها إرتكزت على ـ التمييز الطائفي والقومي والسياسي ـ ..لذلك فإن العقاقير المضادة للتخلف والفساد المُنْتَجَة في مختبرات الدولة المتخلفة والفاسدة بنيويا لايمكن ان تصلح لمحاصرة الوباء الذي هو احد مكوناتها..لان المصل الوقائي والدواء العلاجي يستهدف ـ مفهوم وأُسس وموظفي ـ  الدولة المُخْتَلَّة والمُتخلفة والفاسدة ذاتها!

·       لهذا لابد من البحث عن أمصال وقائية جديدة,وعلاج شافٍ من خارج ـ مفاهيم وثقافة ومنهجيات ومُنتَجات ـ مؤسسة الدولة الموبوءة بالامراض الادارية والمالية المُعدية ( المستوطنة منها..اوالواردة اليها كونها حاضنة مؤهلة لتلك الاوبئة).

·       وأولى الخطوات التي يجب ان يقتنع بها ويتبناها المسؤولون في الدولة بعد الاعتراف بالمشكلة ( التخلف والفساد )..تكمن في وضع :

1.   رؤية واضحة.

2.   أهداف محددة.

3.   خطة زمنية للانجاز.

4.   منهجية شفافة معلنة للرأي العام.

5.   ميزانية تتوافق مع حجم الكارثة ( التخلف والفساد)كما نص عليها الدستور.

6.   تشكيل فرق عمل من الشابات والشباب ـ التقنيين ـ غير الملوثين باوبئة دولة التخلف والفساد والمحاصصة.

7.   غرس كل فريق منهم الى جوار كل وزارة او ادارة او مؤسسة حكومية ( ولااقول في احشائها ..لانهم حينذاك سيفسدون!).

8.   عقد الدورات وورش العمل التخصصية لهذه الفرق داخل العراق وخارجه.

9.   تحريم انتقال وباء المحاصصة الطائفية والعرقية والسياسية الى المكلفين في هذه الفرق.

10.                      وضع معايير أداء وظيفي موحدة لجميع العاملين في تلك الفرق بغض النظر عن المؤسسة التي يعملون بها او الجغرافية التي تقع فيها الادارة الحكومية التي يعمل بها هؤلاء ..للحفاظ على مستوى أداء معياري واحد ( عالمي) للإرتقاء ـ المتوازن ـ بالخدمات الالكترونية في جميع انحاء العراق وفي جميع مفاصل الدولة ( افقيا وعموديا).

11.                      الاستعانة بالدول والشركات والمؤسسات الدولية ذات الكفاءة والخبرة في انشاء البنية الاساسية للخدمات الالكترونية ..والقادرة على تصميم برامج الأداء الالكترونية لمختلف القطاعات الانتاجية والاستخراجية والتسويقية والخدمية والإدارية ( بعقود مباشرة وليس عبر وسيط مهما كان..وإستبعاد العقود الخاصة بالحكومة الالكترونية عن اي شكل من اشكال الاسترضاء ـ الإفساد ـ على حساب الجودة والكفاءة والنتائج المخطط لها لمصلحة العراقيين ووطنهم)

12.                      ربط تلك الفرق بما يسمى ـ الحكومة الالكترونية ـ التقنية المركزية وبفروعها في الاقليم والمحافظات ..على ان تكون مهمتها ـ التنظيمية ـ  في المرحلة الراهنة:

·       إعادة هندسة الاجراءات لكل معاملة او خدمة او اجراء في جميع قطاعات الاقتصاد والخدمات والتعليم والصحة والقضاء..وغيرها..بما يؤدي الى حذف جميع الخطوات غير الضرورية وإختزال الخطوات والوثائق المطلوبة ..بما يكفل :الدقة والسرعة وتقليل الكلفة في الانجاز.

·       تحديد الوثائق المطلوبة ووضعها الكترونيا ضمن الاستمارة الاولى للمعاملة..بحيث لاتقبل المعاملة ان خلت من اي من الوثائق المطلوبة..ولاتُؤخر المعاملة ـ لاي سبب كان ـ  ان اكتملت الوثائق المطلوبة.

·       تقليل كلفة الاجراءات او المعاملات من خلال وضع الخدمات ـ المتكاملة في معاملة واحدة ـ من عدد من الوزارات والدوائر تحت سقف واحد لتوفير الوقت والجهد والمال للمستفيدين من تلك الخدمات.( امامي معاملة مفصول سياسي يريد العودة للوظيفة كلفت صاحبها 3000 دولار للتنقل بين الدوائر والوزارات ..ناهيك عن ـ حسن المعاملة ـ التي لقيها في وزارة الهجرة والمهجرين!!!!!!!!!!)..

·       تقليل زمن الانجاز..حيث يحسب زمن انجاز المعاملة الكترونيا بالدقائق والساعات ..لا بالاشهر والسنوات كما هو جاري اليوم في دوائرنا الحكومية!!!.

·       وضع معايير معلنة لجودة الخدمات ..تقاس بالنتائج وبرضا المستفيدين من تلك الخدمات.

·       تضمين البرامج الالكترونية الادارية ميزة إبلاغ صاحب المعاملة بالمراحل التي تقطعها المعاملة واين توقفت ولماذا؟!.

·       الاعلان عن مكافآت للموظفين المتميزين وعقوبات للمخالفين وفق معايير جودة الانتاج وجودة الخدمات ..ورضا المستفيدين من الانتاج او من الخدمات..

ان التكنولوجيا الرقمية الحديثة وفرت إجابات وحلول لجميع اشكال الاجراءات والمراسلات والتوثيق واستخراج المعلومات وتحليلها واقتراح المعالجات والبدائل لها وضبطها ضمن اوقات زمنية محددة.

فالبرامج الادارية الالكترونية الشائعة اليوم توفر مزايا اساسية للمستفيد من الخدمات من جهة ..وللموظف النزيه والمتحضر من جهة اخرى..ويعرف الاخوة التقنيون ان مثل هذه البرامج ( سهلة الاستخدام ، ورخيصة ، ومتوفرة باشكال وانواع متعددة حسب طبيعة كل وزارة او ادارة او شركة ، وقابلة للتحديث ، وتضع لكل ـ معاملة وقتا لإنجازها ، وتحدد الجهات الوظيفية التي يجب ان تنجزها، وتصدر انذارا الكترونيا في حالة عدم انجاز المعاملة في الوقت المحدد الكترونيا ، وتبين اين توقفت المعاملة ، وعند اي موظف ..بل ان المعاملة سَتُقفل الكترونيا وتنتقل كـ ـ شكوى ـ الى المسؤول الاعلى ، عندما ينتهي الزمن المقرر لانجازها..ويستحيل على الموظف الذي سبب تأخيرها معالجة الامر الا بعد ان يتخذ المسؤول إجراء مُسَببا بحق الموظف الذي عطل المعاملة..)

ويعرف المختصون بالخدمات الالكترونية ..انه لاتوجد خدمة اليوم لايمكن ان تتحول كليا او جزئيا الى خدمات الكترونية..

ونعرف ومعنا جميع المطلعين على هذه الخدمات الالكترونية:

ان ـ الماوس ـ ( الفأر الالكتروني ) سيفضح:

·       المُتحاصصين..

·       المُرتشين ..

·       المُتخلفين ..

·       النائمين..

·       المُزورين..

·        التَمييزيين..

·       المَحسوبين..

·       المَنسوبين..

·       المُعرقِلين.

·       وغيرهم من ـ فئران ـ دولة المحاصصة التي خرجت من احشاء الدولة الدكتاتورية التمييزية المستبدة والمتخلفة!

لاشك ان ـ ثقافة العلوم والتكنولوجيا ـ ستواجه معارضة مستميتة من ـ ثقافة التخلف والميثولوجيا! ـ ..

·       لأن الاولى تسعى  لتأسيس الحاضر كي يكون حاضنة للمستقبل..

·       والثانية تريد تخريب الحاضر لكي يكون جزءا من مقابر الماضي!

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com