|
أزمة الثقة بين المواطن العراقي والمؤسسة السياسية والادارية ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي أنعكاسات الواقع العراقي عندما تتلمس الواقع العراقي وتتصفح وجوه الناس وتستنطق شفاههم تجد هناك أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسة السياسية والادارية والخدمية, والثقة بين المواطن والمؤسسة تنشأ دائماً من خلال ماتحققه المؤسسة السياسية (الحكومة) من آمال وطموحات واحتياجات المواطن, وإنتماء المواطن وولاءه لتلك المؤسسات مرهونا بتحقيق متطلباته الحياتية وإذا فشلت الحكومة في ذلك فهي تفقد مصداقيتها وثقتها لدي الشعب. وأن استعادة الثقة بين الطرفين تحتاج الي عهد موثوق من جانب الحكومة وتواجد حقيقي في الشارع وتعامل مسئول وجاد بينها وبين المواطنين لتكون معبرة عن هموم وإحتياجات المواطن بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية. والمؤسسات السياسية والادارية هي البرلمان والسلطة التنفيذية (الوزارات ورئاستها) والسلطة القضائية . والحكومة الناجحة هي التي تسمح لوزرائها ومسؤليها بالنزول الى الشارع لملامسة هموم المواطن والاستماع الى أحتياجاتهم الضرورية والعقبات التي تواجه حياتهم اليومية. من خلال التجوال بين المؤسسات المدنية والعسكرية وحضور الندوات العامة لشرح وجهات نظر الحكومة وتبرير الاخفاقات التي تحول دون تنفيذ المشاريع وأقناع الشارع بما تقوم به, والتحصن خلف المكاتب من قبل المسؤلين هو أعطاء فرصة لخصوم العملية السياسية والحكومة بالطعن بمشروعات الحكومة وتوجهاتها السياسية. ومشكلة الأزمة تكمن في عدم الايفاء بالوعود والعهود التي قطعتها المؤسسة السياسية والادارية على نفسها في حملاتها الانتخابية من برامج وشعارات, بتوفير الاحتياجات الادارية والخدمية الرئيسية التي يحتاجها المواطن وهي الامن والصحة والطرق والمواصلات والأسكان والتعليم والرغيف اليومي. والمواطن يتطلع الى تلك الوعود التي لم يتحقق الكثير منها, وذلك مما يجعل المواطن في أزمة ثقة حقيقة. والمواطن لايستطيع الانتظار الى رؤية ايجابية مستقبلبية طويلة الامد, لانه بحاجة الى رؤية قريبة جداً تحقق له أشباع حاجاته ورغباته الضرورية .
أسباب أزمة الثقة 1- اسباب تاريخية هناك عدة أسباب لأزمة الثقة وأنعدام المصداقية بين المواطن والمؤسسة السياسية والإدارية ومن هذه الاسباب هي: أسباب تعود الى ما قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة أي الى فترة الاحتلالات الصفوية والعثمانية والبريطانية وما خلفته من أزمة ثقة عالية بين المحتل الطامع بثروات الوطن وبين المواطن الفقير الذي يتطلع الىالاستقلال والاستقرار والتمتع بثرواته الطبيعية. وبعد ذلك جاءت سلطة العائلة المالكة التي نُصِبت على عرش العراق بغير إرداة الشعب وملكت العراق وأهله وتنعمت بثرواته بصورة كبيرة مقياس بعامة الناس, وما صاحبها من مؤامرات وانقلابات عسكرية وتحولات سياسية تركت اثارا إجتماعية وإقتصادية وثقافية سيئة. وبعد كل تلك الأحداث جاء نظام دكتاتوري أغتصب السلطة وحكم العراق وشعبه لاكثر من 40 عاماً, وكان النظام الدكتاتوري أشد وطأة على الناس حيث لم يكن مسئول وقتها عن أحتياجات الشعب ولم يشعر بهموم الناس, بل كان همه هو البقاء في السلطة.
2- في ظل التحول السياسي في خضم التطورات الجديدة والتحول الديمقراطي في العراق هناك أسباب آنية واقعة في الشارع السياسي , تتلمسها من خلال معاناة الناس وهمومهم اليومية, في خدماتهم ومتطلباتهم وغذائهم. وتعود ازمة الثقة بين المواطن والحكومة الي الوعود الوردية التي تعطيها الحكومة للمواطنين وقد أثبتت الايام أن الكثير من تلك الوعود لا اساس لها من الصحة ولا محل لها من الواقع فهي مجرد كلمات وشعارات لا تسمن ولا تغنى من جوع. والعملية السياسية في العراق الجديد خلفت للمواطن محاصصة حزبية تركت تداعيات كبيرة على الحياة السياسية والادارية والخدمية. فالتعثر الحاصل في الخدمات العامة هو تعبير عن الادارة السيئة والترهل لاغلب مؤسسات الدولة الادارية والخدمية. وذلك يعود الى عدم توفر الخبرة والمهنية الكافية لأدارة مفاصل الدولة وكذلك ضعف الرقابة والمتابعة لاداء عمل تلك المؤسسات. أضافة الى وجود الفساد الأداري والمالي بشكل كبير وواضح بين صفوف تلك المؤسسات, الذي نخر جسد الدولة وشوه صورتها وأفرغ الدولة من هيبتها وشكلها. تلك السلوكيات والاخفاقات السيئة جعلت البلاد والعباد في أزمة ثقة حقيقة مع الحكومة ومؤسسات الدولة.
3- افرازات التجربة الانتخابية وفي ظل التحول السياسي والتجربة الانتخابية أكسبت الحكومة ثقتها في الانتخابات من قبل الشعب ونوابه في البرلمان, وأقسمت الحكومة على أن تؤدي مهامها بما يلائم طموح الشعب , وأن أي خلل في اداء تلك المهام والوظائف يعتبر هناك خرق وتقصير في حقوق الناس. وعلى الناس أعادة النظر فيما طرحته من ثقة ورؤئ وتصورات في صناديق الانتخابات. لأن الأداء السياسي والاداري بالنيجة لم يرضي طموحاتهم ولم يلبي أحتياجاتهم الادارية الخدمية. واليوم الفرد العراقي يعيش حالة من تطورالظواهرالتي تهدد حياته وتهزم طموحاته بالحياة, وهي" الفقر والبطالة وأزمة السكن ". فقد تجاوزت البطالة أعداداً كبيراً في صفوف الشباب بكلا الجنسين فهناك آلاف من الخريجين وغير الخريجين يتربعون على قارعات الطرق تعصف بأفكارهم هواجس عقيمة ليس لها حدود, ربما تؤدي الى ضياع حقيقي لهم ولمجتمعهم. وكذلك قلة السكن وسوء صلاحيته للاستخدام الآدمي, وإنعدام توفر المياه الصالحة للشرب, وإنقطاع التيار والكهرباء. كل تلك الظروف تؤدي بالمواطن الى حالة من اليأس بالأستمرار الحقيقي للحياة وفقدان الثقة بالمؤسسات السياسية والإدارية التي هي مسؤلة عن احتياجاته.
الصراعات السياسية وآثارها هناك أسباب جوهرية تكرس حالة أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسة السياسية والادارية وهي الفوضى الحزبية والصراعات السياسية بين الكتل والاحزاب والتيارات التي تشارك في العملية السياسية. فالكثير من تلك الصراعات تركت بظلالها الثقيل على تأخير الخدمات الضرورية وتعطيل القرار السياسي المهم للحكومة, التي تمثل السلطة التفيذية وهي المسؤلة عن تصريف الخدمات وتوفيرها. وتلك الصراعات تهدف الى تعطيل عمل الحكومة وفشلها, وتعجيز المواطن وزيادة تذمره من السلطة الحاكمة صاحبة القرار, لكي تفقد ثقة المواطن بها وتضيع عليها فرصة الفوز في الانتخابات القادمة وتتحطم جهودها أمام صخرة الصراعات السياسية. وعلى الرغم من وجود برلمان منتخب الا أن هذا البرلمان لايمثل الوجه الحقيقي للشعب لأنه بعيد كل البعد عن طموحات الشعب العراقي وهمومه ومتطلباته. والبرلمانات في كل دول العالم تمثل صوت الشعب الحر وعيونهم الرقيبة على سير عمل الحكومة المسؤلة عن الخدمات الضرورية وادارة مؤسسات الدولة. في حين نرى أن البرلمان العراقي لم يقوم بهذا الدورالحقيقي, حيث نرى هناك تصادمات وتجاذبات وغزل سياسي بين الكتل في أغلب التشريعات القانونية. فهناك الكثير من القوانين الضرورية المعطلة تحت قبة البرلمان بسبب التصادمات والصراعات السياسية ومن أهم تلك القوانين التي تهم المواطن مباشرة هي قانون التقاعد العام وقانون الاحزاب العراقية وهذا الاخير يعتبر قيمة العمل السياسي والقانوني والشرعي والمنظم للحياة السياسية والديمقراطية في أي بلد. تلك السجالات الكلامية والصراعات السياسية وتجاذات المصالح الحزبية الضيقة ساعدت على توسيع الهوة بين المواطن والمؤسسة السياسية والادارية كما ساهمت في تكريس أزمة الثقة بين الشعب والحكومة. وقد ينعكس هذا السلوك على نفسية المواطن. فقد أصبحت أزمة الثقة وحدة قياس للموطن العراقي يطبق على كل سياسي مخلص أو غير مخلص, مستقل أومسيس لحزب . وهذا الانعكاس النفسي والسلوكي تتحمل مسؤليته الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية لانها لم تخلق حالة انسجام وتوازن بين مصالح الشعب ومصالها. ولم تتفق على خطاب سياسي مسؤل من أجل خدمة المواطن العراقي ثمناً لصوته وتضحيته .
هل توجد أمكانية لترميم الثقة؟ أن موضوع الترميم في أي عملية بناء مهمة صعبة للغاية لانها تبقى حالة ترميم والترميم ليس كالبناء. ولكن الترميم حالة سريعة تعالج حالة معينة والبناء ربما يحتاج الى أستراتيجية طويلة يصعب انتظارها من قبل المواطن. والترميم السياسي سيكون بالتأكيد صعب جدا وبالذات أذا لم تملك المؤسسة السياسية المعنية دراسات ورؤى وتصورات لكيفية المعالجة. وقد تستطيع الاحزاب والقوى السياسية داخل الحكومة وخارجها ترميم أزمة الثقة المفقودة, بأعطاء تنازلات كبيرة وكثيرة من قبل تلك القوى وأن تتمتع بأمكانية عالية في المصارحة والمكاشفة أمام المواطن في طرح كل المعوقات التي تحول دون تحقيق طموحات الشعب. وقد تزداد أوتقل نسبة الثقة فيما تطرحه الحكومة والقوى السياسية من مصداقية في تنفيذ برامجها السياسية والخدمية. وتقليل حالة الاحتقان السياسي بين القوى المتنافسة هو جزء من العلاجات. وبما إن الحكومة والبرلمان توافقية افرزتها العملية السياسية السابقة. فهي أمام مسؤلية واحدة دون أستثناء فالبرلمان والحكومة في مركب المساءلة والمحاسبة. لان البرلمان العراقي لايتمتع بكتلة معارضة كباقي البرلمانات. فكل كتلة سياسية لها حصة من المقاعد داخل الحكومة وبالتالي لانرى دور حقيقي داخل البرلمان لمحاسبة ومساءلة الحكومة ووزرائها, فالذي نراه هو صراعات وتصادمات سياسية تقوم على اساس المصلحة الحزبية وليست على اساس مصلحة الشعب. لذلك نرى في كل تصادم وتصارع يفقد المواطن ثقته في المؤسسة السياسية. وبالتالي سوف تحتاج تلك القوى الى تجاوز تلك التصادمات اوالصراعات الضيقة وزرع أواصر الثقة بينها وبين المواطن وأن تبرهن حسن نواياه في تقديم المزيد من تحقيق الخدمات والتسهيلات وتنفيذ برامج عمل سريعة لانقاذ ما يمكن أنقاذه من الهدم النفسي للفرد العراقي . ومن أهم عوامل ترميم الثقة هو أعادة ملامح القيم الانسانية المفقودة الى طبيعتها وتعزيز بلورة ثقافة المحبة والايثارمن قبل المؤسسات السياسية والادارية وتجنب حالة الفوضى الادارية والفساد المالي . ووضع آليات لتغيير وتحسين الاوضاع الخدمية والادارية الى الافضل وذلك بوضع ضوابط قانونية ورقابية للمقصرين والعابثين بالقانون والمال العام . وتجنب المحاصصة في المقاعد الادارية وخلق فرص عمل للعاطلين من خلال وضع حلول وبرامج ستراتيجية سريعة ومتينة تنقذ البلاد والعباد من التشظي والتمزق النفسي والاجتماعي. وقد بدأ المواطن يميز ويشخص بصورة واضحة القوى السياسية التي تعمل لمصلحته أم لمصلحتها وهو يعيش الآن في ظل الانفتاح الاعلامي الكبير أمام موجة كبيرة من الفضائيات والصحف والانترنيت, فلا يمكن استغفال حق أي مواطن عراقي. واليوم الشعب يتطلع الى وضع قضاياه المهمة على طاولة الجد وبشكل فاعل في العلن دون تستر, وقد أدرك المواطن بضعف الجهات السياسية المعبره عن طموحاته وأحتياجاته الذاتية, وعلى الرغم من التشويش الاعلامي المسلط على العراق, الا أن هذا الاعلام أصبح محط ثقة للفرد وبالذات الاعلام المستقل الذي يساهم في رفع نسبة الوعي لدى المواطن من خلال نقل الحقيقة والحدث .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |