هل سينقرض المسيحيون من العراق؟

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

لاريب ان مايمرّ على منطقتنا العربية والاسلامية بشكل عام، وعراقنا الحبيب بشكل خاص من هجمة ارهابية وهابية سلفية (إسلامخارجية ) مضافا لها هجمة تدخلات خارجية واقليمية واجندات سياسية واحتلال اميركي موجود على الارض، تعتبر من أخطر الكوارث الانسانية في العصر الحديث على الانسان بشكل عام في هذه البقعة من الجغرافية الاجتماعية البشرية، وبغض النظر عن جذور هذه البؤر الارهابية الفكرية والتنظيمية والاقتصادية، وكذالك بغض النظر عن كيف ولماذا ومتى نشأت هذه الخلايا الارهابية العابثة بالاستقرار الانساني والى صالح اي جهة استعمارية هي تعمل  ؟.، بغض النظر عن ذالك كله نحاول تجاوز ظاهرة الارهاب بحد ذاتها لننتقل الى مؤثراتها وما خلفته هذه الظاهرة وكيفية انعكاسها على الوجود المتنوع(غير الاسلامي)  في منطقتنا والعراق بالخصوص لنسأل عن مصير مسيحيي العراق بالتحديد  ولنقول : هل حقا مانشرته بعض الصحف الغربية من ان الوجود المسيحي الشرقي بصورة عامة والوجود المسيحي العراقي بصورة خاصة قد وصل الى مرحلة  الانقراض المهاجر من مكان الى آخر   ؟..
أم ان هذه الاخبار الصحفية ماهي ولاينبغي النظر لها الا على اساس انها من ضمن الميديا السياسية التي تحاول التأسيس لنشر ثقافة الرعب من الشرق الاسلامي آكل لحوم المسيحيين البشر احياءاً، للمسيحيين الشرقيين انفسهم، لارسال رسالة اعلامية لهؤلاء المسيحيين بضرورة الخروج والهجرة من اوطانهم على الفور  ؟.
بمعنى آخر : هل ان أنفلونزة الهجرة للغرب عند المسيحيين العراقيين بالفعل هي اليوم تهدد هذا التواجد المسيحي العراقي بالانقراض بحيث ان تحوّل جميع المسيحيين العراقيين وهجرتهم من وطنهم العراقي الى خارجه الغربي اصبح شبه حقيقة لامفر منها ولا معيق سوى الوقت المتبقي لرحيل اخر مسيحي من ارض الرافدين ؟.
ام ان المسيحيين العراقيين على الحقيقة ينزحون من بلدهم بشكل مؤقت وطبيعي طلبا للامان والحياة الاقتصادية المرفهة حالهم حال الملايين من العراقيين العرب المسلمين الذين هاجروا من العراق على امل ان يعود الامن والاستقرار الى بلدهم ليقرروا استئناف الحياة في هذا الوطن من جديد ؟. ؟.
ثم هل ان الهجرة المسيحية العراقية هذه كان ولم يزل سببها الاصيل هو فقط ظاهرة الاسلام فوبيا ( الخوف من الاسلام الراديكالي الصاعد )  التي روّج لها الاعلام الغربي على اساس انها ظاهرة محققة لامحالة تبشر بابادة غير الاسلامي السلفي بالتأكيد  ؟.
أم ان هذه الهجرة اسبابها ودوافعها اقتصادية وسياسية بالنسبة للمسيحيين العراقيين وهي قديمة ومتجذرة بعقلية مسيحيي العراق منذ ماقبل مجيئ موجة الاحتلال وما رافقها من موجة الارهاب الاسلاموي السلفي للعراق، ولكن كان مايعيقها عدم وجود الانفتاح السياسي المطلوب الذي يسمح بالسفر بلا معوقات من ارض الوطن العراقي، وما ان انفتح العراق ورفعت الدولة يدها عن مَن يريد الانتقال والسفر من قطر الى اخر حتى هبّ مسيحيوا العراق لحمل الحقائب وطلب الهجرة الى ارض الاحلام الاقتصادية والسياسية الغربية ؟.
اسألة كثيرة تثيرها الصحافة الغربية داخلنا بين الفينة والاخرى كلما تعرضت لمصير المسيحيين العراقيين في وطنهم، وانبرت للدفاع عن حقوقهم وكأنهم من رعاياها ومواطنيها الغربيين بغض النظر عن شعور الوطن الذي يعيشون فيه هؤلاء المسيحيين العراقيين، وانعكاسات مثل هذه التدخلات الاعلامية التي ليس لها هدف نبيل على الحقيقة في اثارة مثل هذه المواضيع التي تبدو انها حسّاسة للغاية هذه الايام ؟.
نعم من المؤسف، وهذا مانريد ان نتحدث حوله، ان ليس هناك جهة مسيحية عراقية وطنية تتصدى لمثل هذه الملفات الصحفية الغربية من قبل المسيحيين العراقيين انفسهم، بل والانكى المزعج هو بروز العكس من بعض المسيحيين العراقيين الغير واعين الذين يتلقفون مثل هذه التقارير الصحفية المغرضة ويبنون عليها مواقف مسبقة مضافة الى مواقفهم المسّيسة التي تحاول رسم صورة اضطهاد بشعة تستهدف المسيحيين في العراق لاغير على خلفية انتمائاتهم الدينية، مع ان الواقع العراقي يقول ويتحدث بغير ذالك تماما، وان الارهاب والعنف والاحتلال طال غير المسيحيين العراقيين بمئات اضعاف مانال المسيحيين العراقيين، وان ماكنة القتل على الهوية ابتدأت بالعراقيين من المسلمين العرب الشيعة قبل انتقالها واستهدافها للمسيحيين وباقي الاديان العراقية المعروفة .... وغير ذالك !.
ومع هذا كله هناك من يعمل من داخل المسيحيين العراقيين انفسهم على اشاعة ونشر ثقافة ( انقراض المسيحيين العراقيين من العراق )!!!.
والحقيقة انا لا اعلم ماهي الاهداف وراء مثل هذا التبني من قبل بعض المسيحيين العراقيين لثقافة نشر الرعب بين المسيحيين العراقيين داخل وطنهم وحثهم على التفكير بجديّة للرحيل من هذا البلد !.
هل مثلا هناك من يعتقد ان الاشارة الى موضوعة ( انقراض المسيحية ) من الشرق بصورة عامة ومن العراق بصورة خاصة سيؤمن حماية دولية لهذه الاقليات من الطوائف المسيحية العراقية ؟.
الواقع ان التجربة الاجتماعية والتاريخية وحتى السياسية اثبتت العكس تماما لمثل هذه المتبنيات السياسية المعتمدة على الخارج الدولي، وبدلا من تأمين الحماية للمسحيين العراقيين وجدنا هناك استفزاز لمشاعر الوطن الذي يعيش فيه هؤلاء العراقيين من المسيحيين مضافا لذالك، نشر خوف ورعب اعظم في الداخل النفسي والروحي للمسيحيين انفسهم، مما يدفعهم للتفكير بمغادرة اوطانهم بدلا من الاعتماد على الحماية الخارجية التي ستوفرها لهم صرخات الاستغاثة بضرورة حماية الوجود المسيحي العراقي داخل العراق !.
نعم ربما انا من المتحدثين القليلين في الشأن المسيحي العراقي بصراحة ووضوح وبلا حسّاسية مفرطة لشعوري انني جزء منهم وليس هم جزء مني، ولهذا اراني تحدثتُ عن بعض السياسات الخاطئة والكارثية لرجال الدين المسيحي وكذا لسياسييهم الذين يتواجدون الان داخل الدولة العراقية بلا فاعلية تذكر، حتى وصل الوجود المسيحي العراقي لحالة من التدهور المتسارعة من جرّاء الاداء السيئ للسياسيين المسيحيين، وكذا للاداء المخجل في احيان كثيرة للقادة الروحيين لطوائف الفرق المسيحية داخل العراق !.
ان مشكلة المسيحيين العراقيين اليوم هي ليست في هجرتهم وكيفية ايقاف هذا النزيف البشري لهم من داخل العراق، بقدر ماهي مشكلة ماذا قدم السياسيون والقادة الروحانيون المسيحيون العراقيون لشعبهم العراقي المسيحي في داخل العراق ؟.
القادة الدينيون يلجئون الى الخارج والفاتيكان في طرح مشاكل المسيحيين العراقيين في الداخل العراقي، وهذه الطروحات اثبتت التجربة كارثيتها على المسيحيين اكثر بكثير من ايجابياتها المتوقعة، ومع ذالك لم يزل خط ربط المسيحيين العراقيين في الداخل مع الخارج الفاتيكاني الغربي مستمرا، وبالمقابل مازالت الهجرة للعراقيين المسيحيين ايضا مستمرة تحت وطأة نظرة الشعب العراقي للمسيحيين العراقيين انهم تابعون للخارج اكثر من الداخل العراقي الوطني !!!.
اما بشأن القادة السياسيون للمسيحيين العراقيين فلا أقل سوءا اذا لم نقل كارثية في حركاتها السياسية على مسيحيي العراق في الداخل، فمرة تطرح هذه القوى السياسية مشروع الحكم الذاتي لمسيحيي العراق !.
واخرى تطرح حقوق الانفصال عن العراق واقامة كيان مسيحي داخل الوطن العراقي وطن كلدواشوري سرياني مسيحي !.
واخر تقبل بالتحالف مع العلمانية الكردية في الشمال الكردستاني العراقي !.
وبعد لحظة تهب بحرب معلنه على الواقع الكردستاني العراقي لتطالب باحترام وجودها المستقبل !!.
بعد ذالك تذهب لتقيم تحالفات ضعيفة ايدلوجيه داخل الدولة العراقية مع حركات ليس لها في الواقع العراقي الجديد اي ثقل سياسي يذكر !!.
بعد ذالك تنتقل الى البحث عن تحالفات خارجية مشبوهة لاتسمن ولاتغني من جوع ...... وهكذا !!.
وكل هذا كما يرى المراقب ليس فيه عمل سياسي واقعي ينفع المسيحيين العراقيين داخل وطنهم ويثبّت من وجودهم الواقعي داخل البلد، او يعطيهم الثقة الكافية لاعادة حساباتهم في العيش بالوطن بكرامة !!!.
وانا الحقيقة لهذه اللحظة لاادرك مغزى ابتعاد الكتلة المسيحية السياسية العراقية عن التحالف مع كتل الشعب العراقي السياسية القوية داخل الدولة العراقية كالأتلاف العراقي الموحد اكبر كتلة سياسية نيابية في الدولة العراقية الجديدة، او كتلة التوافق او الكتلة الكردستانية ...، واللجوء الى التحالفات مع الاضعف في داخل الدولة العراقية الجديدة !!.
 ألأجل مثلا اضعاف الدور المسيحي السياسي اكثر فاكثر داخل الدولة العراقية والوطن ولهذا ارتأى قادة المسيحيين السياسيين  العراقيين التحالف مع الاضعف على حساب الاقوى ؟.
ثم ماهو المبرر لهذه القيادات السياسية المسيحية ان تترك مواقع القوّة السياسية العراقية الواقعية والالتحاق تحت شعارات تافهة للتحالف مع قوى غير فاعلة ولاهي ضامنة للمصالح المسيحية داخل العراق الجديد ؟.
وأليس هذا الفعل السياسي لقادة المسيحيين العراقيين هو يعتبر من ضمن التفريط بحقوق المسيحيين العراقيين ومصالحهم السياسية التي هم بحاجة لها هذه الايام اكثر من اي وقت اخر ؟.
على اي حال يبدو مما ذكرناه ان مسيحيي العراق قد فرطوا كثيرا بمصالحهم الحيوية السياسية التي تعيد لهم دورهم السياسي وحيويتهم العملية داخل الوطن العراقي، وكل ذالك كان بسبب هذه القيادات الدينية والسياسية التي لاتدرك مواقع القوّة داخل التركيبة السياسية العراقية الجديدة مما دفع الدينيين للبحث عن القوّة في الخارج وفي الفاتيكان، ودفع السياسيين للانزواء والتقوقع في الداخل والانضواء تحت شعارات اضعفت من الدور السياسي لمسيحيي العراق اكثر من خدمته، ولهذا كله اصبح تهميش الدور السياسي المسيحي داخل العراق ايضا عاملا مساعدا لتفكير مسيحيي العراق بالهجرة والغربة والبحث عن الضياع في مهاجر البلاد الضعيفة !.
نعم : ان السبب الواقعي الذي سوف يساهم بانقراض المسيحيين من العراق هو ليس الهجمة الارهابية العنيفة التي تستهدفهم على التحديد فهذا الامر بالامكان الثبات امامه والنضال من اجل دحره مسيحيا ، وليس هي اسباب الاضطراب والقلق النفسي لهذه الشريحة العراقية التي تثيره دوائر الاعلام العالمية، بل هو عدم التفات وانتباه المسيحيين العراقيين انفسهم لموضوعة ضرورة ان يعيدوا استراتيجيتهم السياسية داخل العراق، وانتخاب القيادات الوطنية التي تفكر بالبحث عن مكامن القوة داخل العراق وليس خارجة لضمان مصالح المسيحيين العراقيين في الداخل، بالاضافة لاعادة توازن القوى للمسيحيين انفسهم !.
بمعنى اخر : على المسيحيين ان يعتقدوا بيقين راسخ لاتزعزع فيه انهم اهل العراق على الحقيقة وليسوا ضيوفا فيه الى حين مجيئ موعد السفر والهجرة منه، وعليهم ان يكونوا عراقيين في سلوكهم واحترام اخلاقيات وتقاليد شعبهم غير المسيحي ، بدلا من تقليد الاخلاق الغربية التي تبعد وتنفرّ باقي المجتمع العراقي منهم، ليرونهم كحركة سلوك اخلاقية غريبة عن المجتمع العراقي  !.
وبهذا يكون المسيحي العراقي عالي الصوت منظور الصورة حتى وان كان اقلية في العدد والانتماء للمسيحية العظيمة، فانه مع الوقت سيصبح رقما بشريا لايستهان فيه في الشرق بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة، وكما قيل في الامثال العربية ( بقية السيف أنمى)!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com