|
هل من جديد في الحياة السياسية في كردستان العراق؟ أ. د. كاظم حبيب حين تتأخر الأحزاب السياسية عن إدراك التحولات الجارية في العالم والمنطقة أو في بلادها, وحين لا تتخذ الإجراءات التي تستوجبها تلك التحولات في اتجاهات تفكير وبرنامج وعمل أحزابها لأنها لم تدرك أهمتها وضرورتها الموضوعية ولم تتناغم معها, أياً كانت تلك الأحزاب السياسية, وأياً كانت الجماهيرية التي كانت تتمتع بها في فترة ما, وأياً كان حجم النضال الذي خاضته والتضحيات التي قدمتها, وأياً كانت الكارزما التي تمتع أو يتمتع بها بعض قادتها التاريخيين, سوف يعاقبها أعضاء الحزب ويعاقبها المجتمع والتاريخ بصيغ وأساليب شتى. وحينذاك لا ينفع الندم, إذ تكون قوى أخرى قد بدأت تحل تدريجاً محلها لأنها أهملت وعي حركة التطور والمرحلة الجديدة وحاجات الناس ومطالبها وانغمست في الركض وراء مصالحها والمكاسب الشخصية الزائلة والبقاء في دست الحكم. وقد مر العراق بتجارب مريرة في هذا الصدد. إذ غالباً ما تبرز قوى أخرى يفرضها واقع الحال وحاجة الناس إلى التغيير, تأخذ على عاتقها تأشير مواطن الخلل في العملية والحياة السياسية الجارية في البلاد وتقنع الناس بصواب النقد الذي توجهه إلى الأحزاب التقليدية والذي تعيشه الجماهير ذاتها يومياً. ويمكن أن تبقى تلك الأحزاب في الحكم ولكن علاقتها بالناس والمجتمع تصبح هامشية حقاً. ولا شك في أن مثل هذه العملية لا تتم بين ليلة وضحاها, بل تتخذ مساراً طويلاً ومعقداً ومحفوفاً بالمخاطر للجديد من جانب القوى القديمة التي, رغم النقد الصارخ الذي ترسله الأوساط الشعبية إلى أسماع المسئولين يومياً, لأنها لا تزال تمتلك القوة والقدرة المتمثلة بأجهزة الحكم التي في يديها على معاقبتهم ومحاولة وضع العصي في طريق التحول. وربما يكون بعض الجديد يحمل أخطاء القديم أيضاً بسبب انبثاقه منه وتحمله مسئولية ما جرى حتى هذه اللحظة, كما يمكن أن يكون بعض الجديد غير جديد بل بالِ تعيق, كما في حالة قوى الإسلام السياسية التي تريد إقامة نظام حكم لا يمكن أن تقوم له قائمة في القرن الحادي والعشرين, يشكل خطراً على المجتمع ذاته. ولكن تلك الأحزاب التي لا تزال في يديها مفاتيح الحكم والتغيير لا تريد التغيير وتجد أن "ليس في الإمكان أبدع مما كان" لأن التغيير, يأتي على مصالحها الأنانية الضيقة أو بعض قوى فيها. والغريب بالأمر أن النقد الذي نوجهه لمجرى العملية السياسية ولوضع الناس والفساد المالي والإداري والحزبية الضيقة والهيمنة الأسرية ... الخ تؤخذ وكأنها عملية تجريح للأحزاب الحاكمة وليس من أجل تخليص تلك الأحزاب من العلل التي أصبحت تعاني منها وتهيمن على الواقع السياسي والاجتماعي في الإقليم بعد مرور ما يقرب من عقدين من السنين وهي في الحكم. لقد قدم شعب كردستان تضحيات جليلة ومديدة لضمان حريته وتمتعه بحقوقه القومية والقضاء على التهميش الذي عانى منه طوال عقود. ومن حق هذا الشعب أن يتمتع بحريته وأن يعيش في أجواء الديمقراطية والحياة الدستورية وأن يكافح ضد كل أشكال الفساد المالي والإداري وضيق الأفق الحزبي وإهمال المستقلين من الناس, وهم الغالبية العظمى واستمرار البطالة, رغم توفر الموارد المالية والابتعاد عن التصنيع رغم حاجة الإقليم إلى ذلك وتخلف الزراعة رغم ضرورتها وإمكانياتها المتوفرة في الإقليم. إن شعب إقليم كردستان يمتلك حرية التعبير والنقد بحدود معينة ويمتلك حرية النشر والصحافة بحدود معينة, ولكنه لا يمتلك حق المشاركة في رسم سياسة الإقليم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية, وكأن هذه المهمات ليست له ولصالحه وعليه إبداء الرأي بشأنها , بل هي من مهمات الحزبين الحاكمين, وبتعبير أدق قيادتي الحزبين الحاكمين, الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, وهو أمر لم يكن لتقبله قيادتا هذين الحزبين حين كانتا في المعارضة. وكأني بهما يقولان للجماهير " لا تفكروا نحن ندبر لكم الأمور! ونتيجة لسياسات الحزبين الرئيسين في الإقليم برزت قوى أخرى كانت تعتبر جزءاً من الحزبين أو كانت في تحالف مع الحزبين, ولكنها لم تعد قادرة على السير على طريقة "موافج" المعروفة من العهد الملكي, بل تريد أن تبدي رأيها في كل صغيرة وكبيرة. والأحزاب التي سكتت عن أخطاء سياسة الحزبين في الحكم وإدارة شئون الإقليم خسرت جماهيرها تماماً وأصبحت لا تملك المصداقية عند الجماهير التي أودعت ثقتها بها. وهذا أحد العوامل الذي دفع بعض القوى التي كانت متحالفة مع الحزبين أو مع حزب واحد منها, إلى التفكير في مصير حزبها إن سارت على نفس النهج والسكوت عن النواقص والأخطاء الحاصلة في الإقليم أو على صعيد العراق كله. لقد كتبت مجموعة من المقالات بعد كل عودة لي من زيارة قمت بها إلى العراق حيث كنت أقضي أسابيع في كردستان وأرصد الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الإقليم وأتابع أحاديث الناس من مختلف الفئات الاجتماعية, وخاصة سائقي التاكسيات, أو من مسئولين في الأحزاب ومن أوساط ثقافية وإعلامية وأصحاب المخازن, وكنت أشعر بأن مقالاتي النقدية بجانبيها الإيجابي والسلبي تجد صدى طيباً في الأوساط الشعبية لأنها تكتب بصراحة ومن منطلق الحرص على التجربة الكردستانية وعلى تضحيات الشعب الكردي, الذي كان هو قبل غيره وقوداً لوثباته وانتفاضاته وثوراته, والحرص على العملية السياسية والأحزاب السياسية المتحالفة وليس من منطلق التشفي بالنواقص أو الرغبة في الإساءة لأي من المسئولين. شعب إقليم كردستان العراق مقبل على الانتخابات البرلمانية في 25 تموز/يوليو 2009. ولم تعد هناك قائمة واحدة, كما في السابق, بل ما يقرب من أربعين قائمة, كما أن القائمة الموحدة السابقة للإقليم لم تعد واحدة في الإقليم بل هناك أربع قوائم معتبرة تتنافس بقوة على مقاعد البرلمان. وأجواء الانتخابات ساخنة نسبياً وهي إلى حدود بعيدة مفتوحة. كما أن رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود بارزاني أكد على أنه يريد انتخابات نزيهة وأنه يشجع على وجود ممثلين للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لمراقبة الانتخابات. لا شك في أن هذه الانتخابات مهمة لأنها لم تعد هناك قائمة واحدة, رغم اتفاق الحزبين الرئيسيين على مناصفة المقاعد التي ستفوز بها القائمة المشتركة, بل عدة قوائم. ولا شك في أن الانتخابات لا يمكن لها أن تجري بصورة متكافئة بسبب التباين في امتلاك القنوات الفضائية والمحلية وامتلاك الأموال والوجود في السلطة ...الخ, إلا أنها ستبقى مهمة وبداية جديدة لحراك سياسي جديد ومنعش في إقليم كردستان, إنه بداية مهمة على طريق طويل لتحقيق التغيير باتجاه إقامة مجتمع مدني ديمقراطي تسوده الحريات الديمقراطية والحياة الدستورية واحترام وممارسة حقوق الإنسان وحقوق المرأة كاملة ومكافحة الفساد المالي والإداري ورفض الحزبية الضيقة في التعيين في أجهزة الإقليم, مجتمع يتم فيه الفصل الفعلي بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتتقلص الفجوة بين أصحاب الملايين والفئات الكادحة التي ناضلت من أجل انتصار الحياة الحرة والكريمة والعيش الرغيد في الإقليم, إقليم يسعى إلى التنمية الصناعية والزراعية وتحقيق الأمن الغذائي واستخدام الموارد المالية لصالح التنمية ولا يفتح أبواب الإقليم على مصاريعها, كما يجري في بقية أنحاء العراق, أمام استيراد السلع الاستهلاكية بالطريقة الراهنة التي تجهز على الإنتاج المحلي, وخاصة الزراعي, وتمنع بروز صناعة في الإقليم. أتمنى للانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق النجاح في أجواء من الحرية والديمقراطية والنزاهة, وأتمنى التماسك لشعب كردستان العراق والنجاح في إدخال ممثليه في الدورة البرلمانية الجديدة التي تعزز ممارسة الإقليم لحقوقه المشروعة وتعزز الوحدة والتنسيق والتكامل مع بقية أجزاء العراق الاتحادي وحل المعضلات مع المركز في بغداد وفق الآليات الدستورية الديمقراطية وعبر التفاوض السلمي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |