|
المهـجر تحت المجهـر .. الحلقـة ـ 7 ـ
عامرحداد/ برلين ـ من اهـم المواضيع التدريسية المقررة للهندسة الوصفية في مرحـلة الدراسة الجامعـية لكلية الهندسة المدنية والمعمارية في العراق، هي نظرية الرؤى (VisionTheroy)، وتختلف هذه النظرية عن نظرية الأبعـاد اختلافا جذريا(الطول، العرض، الارتفاع، الزمن) وما تلاه من اشتقاقات للزمن في حركـتهاللولبـية والحلزونية من القعر حيث يمثل الماضي الى القمة حيث يمثل الزمن المستقبل (Human eye)فالنظرة الاولى هي النظرة الطبيعية لرؤى عين الأنسان وتسمى. (Worm eye)والنظرة الثانية هي نظـرة لعين دودة الارض من الاسفل وتسمى. (Bird eye)والنظرة الثالثة هي نظرة لعين الطـير من الاعلى وتسمى. ـ وتختلف هذه النظرات باختلاف زوايا النظـر لأي شكل او كائن في الكون، فاثناء فترة حياتي الماضية في بلدي العراق كانت نظراتي للأشياء ومكوناتها وما يدور من حولي تقتصر على النظرة التحتانية(السفلى) اي محـدودة ومختزلة وضيقة ومحصورة ضمن اطر معينة ولا تتعدى في جميع الاحوال النظرة الطبيعية لعين الانسان، ولكن بعد انتقالي للعيش في المهجر وبالذات في قلب اوروبـا النابض (بـرلين)، اختلفت الرؤى وزوايا النظر كنتيجة حتمية لاتساع مدارك العقـل ومعالم ومديات العلم والمعرفة ولمواكبة ومجاراة عصر التقنية الحديث، والذي يكسب كل يوم مواقع جديدة فيزيد الحياة عظمة وصعوبة في ان واحـد، فكلنا نعلم إن الانسان منذ ولادته لا يخلو من الامراض الجسدية العادية، وهذا الجسد حاضن لأهـم ضيف وهو الروح، وكما قالها معلم البشرية السيد المسيح / لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد بل من الذين يقتلون الروح/ .... لذا تحصل للأعضاء الجسدية انتكاسات مرضية وقتية او زمنية طارئة وهذا شيء بديهي لارتباط الانسان المباشر بالطبيعة (الباثولوجي)، وهذه النكسات المرضية العضوية يمكن تشخيصها وعلاجها تدريجيا لحين السيطرة عليها وتفادي لتاثيرها لسلبي على الناحية الروحـية لأنه لو تجاوزت الى الانتكاسات الروحية فمن الصعوبة بما كان علاجها او السيطرة عليها لحين فناء الروح، فيصبح الانسان فريسة سهلة وضحية جديدة لشذوذه من الناحية الخلـقية والأخلاقـية ليهرب من واقعه المازوم ويقع في دوامة الأدمان المتعددة (الكحـول، الجنس، القمـار، المخدرات،التسوق،...الخ)...مما تكون نتائجه النهائية خطيرة ووخيمةعلى الفرد والمجتمع (الانتحار، الجنون، التشرد،...)...ومن الضرورة لكل إنسان سوي ان يقوم بجولة تراجعية زمنية سريعة ومختصرة الى الوراء كي يفحصها ويتحمصهاجيدا وتدقيقها وتشخيصها من الترسبات والتراكمات العالقة / إحباطات، الآم، كبوات، اوهـام..../ لربما في استراجعه لها وكتابتها وجدولتها وتدوينها بصورة جيـدة سوف يشفي منها عاجلا ام اجـلا قـدر المستطاع إن تحـرير الذاكرة من سطوة جهاز القمع وهيمنته لا تتم بنسيانه او تناسيه، حيث تلك الحصيلة المنطقـية لثلاث اواربع عقود من ثقافة العنف والقهر والتهميش، بل تتم بالتاكيد عليه باعتباره قوة شريرة فرضت ارادتها عليك او علىشعبك قسرا، إن إعادة النظر الى الخلف بالنسبة من عاشوا الماساة بشكل مباشر يتطلب لكي يستطيعوا ان يسجلوا بصدق وامانة وابداع تلك الحقبة المرة، ان يقوموا على تامل ذواتهم بشجاعة وثقـة، لا ان يخلقوا لأنفسهم اوهاماجديدة عن قهـر مختلـق،فالـواقع يحتوي على كمية من القهر لا يحتاج الى اختلاق او تزييف الاحداث والمشاعر والمواقف لكي نثبت وجودها، لا يقل زيفـا عن اوهـام الشر التي اضطروا الى التعايش لذلك كله لابد للجميع ان يدركوا ان الماضي سيظل يطاردنا، وسيظل يتابع خطانا، كل يوم بثوب جديد، وما لم تتم مواجهته علـنا، بكل جراءة فاضحين وجهه الشرير والقبيح،سيقوم كل الذين من دائرة الشر بمعاودة وتكرار لعبة الشر، فالشر لايعرف الخجل ولا يعترف بالندم لتصحيح الخطـاء، إذ نتظاهر بالدهشة الكاذبة ما عندما سمعنا إن الشعب الذي اكتشف الأبجدية كان يقاد من قبل طاغية ودكتاتور محترف ؟؟؟ واصبح الأن يقاد من قبل العسكرالمارينز القادمين من وراء البحار، هناك اسماء عندما تتذكرها تكاد وتصلح من جلستك او تطفيء سيجارتك وكانك تتحدث اليك(العراق الجريح) ....وما اتعس ان يعيش الأنسان بثياب مبللة خارجا لتوه من مستنقع وإلا لصمت قليلا في انتظار ان تجف، ما هذا الادمـان لكل ما هوعراقي / وطن لانبـوح باوجاعه لكننا نشتهيها ونمشي على صوته إذ ينادي ولا تسال الأذن متى يطلبون ؟ وطن كلنا والجـنان مناف، ونشتاقه حـد إننا نحب اللصوص به/ والسكارىوالبغـايا، من ايدوا ثم من عارضوا / المخبرين ومن اخبروا والسجون والسجان ؟ لا خلاص في ((محاكاة)) الصمت لكن لغونا اسبق من الولادة ... نحن جنس من المهذارين والثرثارين موثوقون كيميائيا الى الكلمة ... وفي لحظات الخلوة الروحية والنفسية اذهب الى اعلى قمة برلنينية (برج التلفزيون الدوار) وذلك للتمتع بنظرة الطـير الفوقانية لأطـل على معالم المدينة، وكلما امعنت في رؤيايا ليبدو لي انه لا فرق في الشرف الحاصل للمرء، ان كان فيهاخادم للكنيسة او قوادا، وبدوران البرج البطيء جدا تدور زواية الرؤيا بسرعة الى الماضي القريب والبعيد، الى موئلي وموطني، الى وادي السواد، الىساحة الوغى والحروب المشتعلة والمفتعلة لأكثر من نصف قرن (حرب الشمال،حرب الخليج الاولى والثانية والثالثة حروب البترودولار، الحرب الأهلية..)،حيث الموت والرعب والفقـر والجهـل والفساديعشعش ويمشي ويتنفس فيها باستمرار، والأيـام تعود قاسية دائما لاتختلف عما سبقتها سوى بعدد قتلاها، وشهدائها، الذين لم يكن يتوقع احد موتهم على الغالب او لم يكن يتصور لسبب او اخـر، ان تكون نهايتهم هم بالذات قريبة الى ذلك الحـد، ومفجعة الى ذلك الحد، ومازلت اذكرهم اولئك الذين تعودنا بعد ذلك ان نتحدث عنهم بالجملـة، وكان الجمع في هذه الحالة بالذات ليس اختصار للذاكرة دائمالحقهم علينا، لم يكونوا شهداء، كان كل واحد منهم شهيدا علىحده، كان هناك من استشهد في اول معركة وكان جاء خصيصا للشهادة، وهناك من قبل سقط زيارته المسروقة الى اهله بيوم واحد بعدما قضى عدة اسابيع في دراسة تفاصيلها والاعداد لها وهناك من تزوج وعاد ليموت متزوجا وهناك من كان يحلـم ان يعـود يوما لكي يتزوج ولم يعد من الحروب / ليس الذين يموتون هم التعـساء دائما، إن الأتعس هم اولئك الذين يتركون خلفهم...ثكالى ....يتامى...معطوبي الاجساد والأمال والأحـلام فالذاكرة في مناسبات كهذه لا تاتي بالتقسيط دائما بل تهجم عليك كشلالا يجرفك الى حيث لاتدري من المنحدرات . لذا احاول اكون انسانا حديثا ومتطورا بكل ما تعنيه الكلمتين من معنى للبحث والاستقصاء عن عقار او علاج لما افسده الدهر، لا باعطـاء الهموم اليومية مجرى غير مالوف او تجميل المتاعب التافهة، تاثيث الخواء، شقشقة الكلمة والشكوى والاستهزاء، بل في السعي والبحث المتواصل والدؤوب والجاد لفـهم العالم بصورة افضل لا بل واجمـل كما فهم الكاتب ارنست همنغواي يوم فهم البحـر، والحـلاج يوم فهم الله،وهنري ميللر يوم فهم الجنس، وبودلير يوم فهم اللعنة، وفان غوخ يوم فهم حقارة العالم وساديته، والكاتب الألماني سوزيكند يوم فهم العطـور فياعزيزي المهاجرالكريم بمـرور الزمان يجعـل الذاتي موضعيا وما كان خصيا صار عاما او اشبه بالعـام في لحظة الامتزاج يعرفالأنفصال واقع لا محالـة، ان الوعي بانسياب الزمن المستمر لا يترك في الوعي شيئا ثابتا / لا شيء يخصني فعلا طالمـا هو سينتهي يقـينا، لاشيء ولااحـد يمكن ان يكون منك او لك فهو سينتهي بالنسبة له، ولذلك كان لا بد من هـذه اللغـة التي يتموضع فيها كل ما هـو ذاتي، طالمـا كان الانتهـاء متحقق في كلية الاكتمـال
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |