|
أزمة المفاهيم في السلوك السياسي
ناجي الغزي أزمة المفاهيم يقول هولباخ "ليست الطبيعة هي التي تخلق الأشرار، وإنما مؤسساتنا هي التي تجعلهم أشرارا" المفاهيم هي حزمة من القيم والمثل الاخلاقية التي تمثل مجموعة من الثقافات المكتسبة والمعرفة الانسانية لعلوم الحياة المختلفة, التي تتراكم في ذهنية الانسان وتتبلور في شخصيته وتعكس سلوكه الشخصي في المجتمع. والقيم تشكل جانب معنوي مضئ في السلوك الانساني والوجداني. وهذه القيم تمثل مبادئ أساسية في منظومة المفاهيم الأخلاقية. وتعاطي الفهم السياسي مع تلك المنظومة يساهم في وضع ملامح حقيقية لوجدان وضمير المجتمع والافراد, مما يخلق حالة من تهذيب السلوك السياسي للافراد والجماعات التي تحمل مشاريع سياسية, وتساهم في صناعة القرار السياسي. والهدف من تهذيب السلوك السياسي في أطار القيم الاخلاقية, هو ترشيد التجربة السياسية والأجتماعية والأنسانية إتجاه وحدة الهوية الوطنية وتماسكها. والسلطة السياسية عندما تغور يدها في عمق الظلم والجورعلى الرعية تنعكس ردود أفعال مغايرة على السلوك الانساني والسياسي لينتج سلوكاً عنيفاً مشوهاً. وتلك الردود تحقق أزمة في القيم الأخلاقية التي تهذب السلوك الانساني والسياسي, وبالتالي تخلق تلك الافعال ردود أفعال تتمثل بشكل كفاح يأخذ العنف سبيلاً له. فيحصل الارباك في السلوك السياسي لشريحة معينة يقع عليها الحيف والظلم, عندما تمارس السلطات محنة القسوة والتسلط عليها. كما مارس النظام الدكتاتوري الصدامي في العراق على كل شرائح المجتمع دون أستثناء. فالافراط بالقسوة والهدم المقصود للشخصية الوطنية وطمس الهوية وخصوصية المكون في معول السلطة صاحبة القرار. تجعل الفرد في صراع دائم مع السلطة ولم ينقطع هذا الصراع حتى يتحقق السقوط لتلك السلطة الظالمة مهما كان الثمن . وتشير الكثير من المعطيات أن هناك أزمة حقيقة للمفاهيم الانسانية والأخلاقية يمر بها المجتمع العراقي, تترك آثار وأنعكاسات كبيرة على السلوك السياسي للافراد. وتؤثر على مسيرة البلد السياسية والامنية والاجتماعية والثقافية. وتعود أسباب تلك الازمة الى الظروف التاريخية التي مر بها المجتمع العراقي والى السطوة اللأخلاقية التي مارسها النظام الدكتاتوري ضد الشعب العراقي طيلة اربعة عقود. مما خلفت صراعات نفسية ووجدانية جعلت العلاقة بين الفرد والحكومة علاقة جدلية على المستوى السياسي والانساني والاجتماعي والثقافي, مما تركت أنكسار وتصدع كبير فى سلوك الفرد السياسي والانساني . والتحليل المنهجي لأزمة القيم تعود الى مجموعة من المضامين والاتجاهات الثقافية المكتسبة من سلوك المجتمع الناتج من سلوك السلطة والاجهزة الاعلامية الحكومية وتوجهاتها السياسية والانسانية والثقافية والاجتماعية في المجتمع.
أثرالازمة على السلوك السياسي لقد تركت أزمة المفاهيم تداعيات مهولة على سلوك الفرد السياسي ورجالات السياسة, وآثار سلبية خلفت أزمة ضميرفي كل اركان المجتمع ومؤسساته الادارية والسياسية. مما جعلت تلك الاثار ترتكن في حجرة الشخصية العراقية. وقد انتجت سلوكيات طالت المؤسسات الجديدة في ظل التغيير والتحول نحو الديمقراطية والتعددية في اللون السياسي. فقد تغلغل السلوك السياسي المنحرف الى تلك المؤسسات مما خلق تفشي كبير في فساد المؤسسات المالية والادارية, كما تركت تلك الازمات فجوة ثقة بين الفرد وحكومته الشرعية, مما جعلت البعد الشخصي فوق البعد الجماعي, أي تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. فقد اصبح السلوك السياسي يخضع الى متطلبات الانتهازية في الحصول على المكاسب الشخصية والاستحواذ على الحق العام دون الاكتراث بمصلحة الشعب. فالقيم الانسانية والاخلاقية الصحيحة تحصن المرء من أوتون الصراعات والتناقضات النفسية التي تقوده الى العفوية في السلوك السياسي في كل مفاصل الحياة ومجالاتها. وبخلاف ذلك يتحول سلوك الفرد السياسي الى سلوك أزدواجي يتبنى قيم مشوه تتضارب فيها المصالح التي تؤدي الى أزمة قيمية سلوكية. وتتصدع الأسس النفسيه عندما يتعرض المرء الى صراعات وتناقضات قيميـه, تنعكس على سلوكه السياسي والاجتماعي وأنماط تفاعلاته في العلاقات الاجتماعية التي تربطه مع بعض الافراد والجماعات والوطن. وتؤثر تلك الازمة على السلوك السياسي للاحزاب والقيادات السياسية والجماعات الضاغطة على الرأئ العام وأسس الادارة العامة. وهذه الازمة والتناقضات القيمية تنعكس على سلوك كل المستويات الجماعية في المجتمع مما تجعل الجميع يدور في حلقة من النزاعات النفسية والاجتماعية التي تهدم كيان المجتمع وسلوكه السياسي والانساني وتأخر عجلة تقدمه السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. والسلوك السياسي هو نتاج مجموعة من القيم الانسانية الاخلاقية والثقافية المتأصلة في المجتمع والمتراكمة عن تجربة الشعب عبر التاريخ. فكلما زاد الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي تراكمت القيم الاخلاقية لدى المجتمع. مما تخلق تلك النتاجات انماط وظواهرسلوكية محكومة بتلك القوانين الاخلاقية التي تؤُمن السلوك السياسي السليم. وعلى القيادات السياسية والاحزاب المشاركة في السلطة عندما تتوجه نحو النظام الديمقراطي يتطلب منها تصحيح مسار سلوكها السياسي والانساني وبناء مواقف سياسية مشتركة تعزز من خلالها ثقة الجماهير بالقوى السياسية. وعلى الكتل السياسية المتصارعة التخلي عن مشروعها الطائفي المتشظي وتوحد خطابها السياسي من أجل تأسيس مجتمع مدني ديمقراطي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |