لماذا الخشية من التقارب الامريكي الايراني؟
 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

أليس شيئا غريبا ان نجد دولا مثل أسرائيل ومصر والاردن ومجلس التعاون الخليجي يجمعهم إطار واحد على كلمة الخشية من الالتقاء الايراني الامريكي والذي هو من المُفترض ان يكون في صالح الاستقرار والسلم الدولي بدلا من تشنج العلاقات الدولية التي اسستها سياسة الحرب الباردة والساخنة ايضا بين هذين البلدين طوال الفترة السابقة ؟.

أذن لماذا هذه الدول العربية مضافا لها الكيان الصهيوني الغير شرعي تنظر الى العلاقة الامريكية الايرانية التي يُراد تطويرها الى الافضل والاحسن والاسلم ... على أساس انها تهديد لمصالحها ووجودها ودورها الاقليمي والعالمي والمحلي ايضا ؟.

وهل نفهم وبصورة مباشرة من قبل دول الخليج مضافا لها مصر والاردن بقيادة الزعيم الصهيوني في منطقتنا العربية اليوم :ان هذه الدول تعيش وتنمو وتطمئن .... على حساب توتير العلاقات العالمية والاقليمية والعربية الاسلامية بالذات واشاعة الفوضى والارهاب في مناطق العالم كالعراق وباكستان وافغانستان ....، ولذالك رأت عصبة الصهيونية العربية والاسرائيلية ان اي تقارب ايراني امريكي هو بالضد من مصالح واستقرار واستمرار هذه الدول العربية المتحالفة مع اسرائيل ؟.

أم ان للتقارب الامريكي الايراني المُفترض انشاءه بين البلدين انعكاسات على دول الخليج ومصر والاردن واسرائيل تتعلق بالحالة الداخلية لشعوب هذه الحكومات والنظم السياسية العربية بقيادة اسرائيل اذا ماتم بالفعل التقارب الاميركي الايراني، وهذا مايقلق حقيقة هذه النظم من العلاقة الامريكية الايرانية المنتظرة ؟.

لاريب ان مبعوثا اميركيا على مستوى وزير الدفاع الامريكي (غيتس) يزور السعودية ومصر وليطمئن في طريقه الاردن على منسوب العلاقة المراد امريكيا اقامتها مع ايران، وان هذه العلاقة سوف لن تكون على حساب مصالح وعلاقات دول الاعتدال العربي (مصر السعودية والاردن ) مع اميركا، مثل هذه الزيارة وتلك التطمينات الامريكية تدلل بشكل مباشر على ان هذه الدول ترى في اي حالة استقرار اقليمي او سياسي عالمي أعلان حرب صريحة لادوارها الاقليمية والدولية المناطة للقيام بفعلها، لاسيما ان ادركنا ان بعض الدول العربية بقيادة اسرائيل لايمكن لها تصور وجودها وفاعليتها في منطقتنا العربية والاسلامية في اجواء السلام والاستقرار العالمي والانفتاح الاقتصادي واقامة العلاقات الطبيعية بين الدول، وذالك من منطلق ان تركيبة هذه الدول وسياساتها الاستراتيجية قد بنيت ومنذ البداية على اساس اللااستقرار الاقليمي والعالمي الدائم وكيفية التحرك فقط لتقديم الخدمات واللعب على التناقضات والصراعات المحلية والعالمية لاغير، ومثل هذه الاستراتيجيات السياسية والمخططات الحكومية ان تغيّرت عليها المعادلات الدولية لتنتقل من مسار الحرب الى مسار وطرق السلام تكون في مأزق وورطة حقيقية مع اعادة هيكلة ونظام سياساتها القائمة والمستمرة منذ زمن طويل على هذا المنوال !.

ومن هنا فأن كيانا كأسرائيل (مثلا)من الصعب عليه ادارة وجوده وسياساته الاستراتيجية الداخلية والخارجية على اساس فكرة الاستقرار والسلام في منطقتنا العربية والاسلامية، بل من القاتل بالنسبة اليه ان رأى نفسه يدفع دفعا للعب دور اقليمي او عالمي هو بالضد تماما للاسس التي قام كيانه على مضمونها ومفهومها السياسي الذي لايرى العالم الا كتلة من نار الحرب والصراعات والتطاحن البشرية، فمن الصعب حقا تصوّر اسرائيل وجودها واستمراريتها السياسية ومصالحها الحيوية في اطار اقامة علاقات دولية مستقرة وليس فيها اشكاليات وحروب باردة وساخنة بين الشعوب والامم، فهذه وتلك الاشكاليات والتوترات الدولية هي المحيط الطبيعي الذي تتمكن دولة كأسرائيل لاتحترم فيه اي قانون دولي او شرعة انسانية ان تعيش فيه بهدوء وسلام واستقرار مع طبيعتها السياسية ووجودها القائم على اختلاف وتطاحن وحروب الاخرين !.

كذالك نظم عربية غير شرعية ولاتتمتع اليوم بأي مؤهل سياسي او غير سياسي، وجدت نفسها في الوجود ولها عمل واحد يدّعم من وجودها الثقيل الضل على شعوبها المقهورة، هو عمل تقديم الخدمات لسياسات الدول الاستعمارية الكبرى كالولايات المتحدة اليوم وبالامس بريطانيا العظمى ......وهكذا، على حساب استقرار وازدهار هذه المنطقة العربية والاسلامية المليئة بالثروات الحيوية للعالم الصناعي، وفجأة عندما يطلب منها او تجد نفسها امام حالة فض النزاع بين الدول الكبرى وبين دول الممانعة والمطالبة بالعدالة الانسانية كأيران او فنزويلا او .. الخ، فمن حقها ان تسأل عندئذ : ماذا بعد فض النزاع بين المتخاصمين واقامة علاقات سلام وتقارب وتعاون بين الدول ؟.

واين هي ادوارنا القادمة بعد ان نتنازل عن وظائفنا المعروفة تاريخيا في ادامة احوال الصراع الدولي والاقليمي في المنطقة والعالم ؟!.

الواقع ان هذه هي الحقيقة التي تجعل من كيانات كأسرائيل ونظم سياسية كمجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن في حالة غليان فرن يريد ان ينفجر من موضوعة التقارب الايراني الامريكي اليوم، واقامة علاقات سلام متوازنة ومحترمة بين الاقوياء في العالم والضعفاء منه، كما انها هي الحقيقة التي تريد ان تنفلق بوجوهنا بصراحة لتقول لنا : ان هذا الكيان وهذه النظم العربية في المنطقة تشعر بالتهميش لدورها والقلق على مصائرها بسبب ان اي حالة استقرار وسلام عالمية تعني من جانبها الاخر ان هناك سلام يقام على حروب الاخرين، وحروبا تصنع وجودا وشرعية واستمرارية لصانعيه، ومن ضمن صنّاع الحروب على هذه الارض هم هؤلاء النفر الذين يرون في السلام حرب عليهم وفي الحروب سلام لهم لاغير !.

نعم هناك الجانب الاخر من معادلة الرعب الخليجية العربية المزدوجة بين اسرائيل من جهة ومصر والاردن ومشيخة الامارات الخليجية من جهة اخرى في موضوعة التقارب الايراني الامريكي، والمتمثل في معادلة هشاشة الوضع الداخلي لشعوب هذا الكيان الصهيوني وهذه النظم العربية، والتي بالامكان فرض التماسك عليها بالقوة والعنف او من خلال الرعب في صناعة العدو الخارجي لهذه الشعوب العربية وايهامها بتهديد يتربص لها على الابواب ان هي تراخت امامه فستزول لامحالة من الوجود !.

فمثل مملكة كالمملكة السعودية (مثلا) التي ترى في قضية العداء لايران او صناعة العدو الخارجي على اي وجه كان هو الضمانة السياسية الوحيدة لهذه المشيخة الملكية في انصياع جمهورها وشعبها المبتلى بتحريم حتى التنفس عليه فضلا عن المطالبة بالعدالة والحرية في مثل هذه الدولة القائمة، وكل هذا يسرب او يفرض على شعب الجزيرة العربية تحت غطاء وجود العدو الاعظم ( ايران او الرافضة في العراق ... او ماشاكل ذالك في القديم كخطر الشيوعية السوفيتية انذاك ) في الخارج ان يتنازل هذا الشعب المسكين عن جميع مطالبه الانسانية الحضارية في الكرامة والحياة تحت وطأة هذه الذريعة، أمّا ان فرض تصور مشروع سياسي لهذه المملكة القائمة على سياسة خلق العدو واشاعة الرعب الداخلي منه، يفرض خطة انشاء سلام خارجي يهدّء من اجواء التوتر ويدعو الى سياسة الالتقاء ونبذ الاختلاف بين قوة عالمية هي الولايات المتحدة التي بامكانها فرض اجندتها السياسية على محورها العربي الصهيوني، وبين قوّة اقليمية اسلامية صاعدة هي ايران في منطقتنا العربية والاسلامية، فمثل هذا الالتقاء الامريكي الايراني من المتوقع ان يدفع المملكة السعودية على التسائل عن مصالحها السياسية هي ومصير استقرارها الداخلي ان اريد الغاء فكرة العدو الخارجي بل والالتقاء مع هذا العدو واقامة حياة السلام في المنطقة، فكيف بعد ذالك وباي صيغة تتمكن المملكة السعودية فرض سياسة الحديد والنار على شعبها الذي سوف يطالب لامحالة بعد الانتهاء من سياسة الرعب الخارجي سيطالب بحقوقه السياسية وبعدالة الدولة وضرورة الانصياع لرغبات مجتمعها الطبيعي !.

والحال نفسها بالنسبة لباقي دول مجلس التعاون الخليجي التي ترى في انهاء حالة التهديد من العدو الخارجي ارخاء قبضة حماية المستعمر الغربي لها، مما يكشف كامل صدرها للعالم الجديد المراد اقامة علاقة فيه بين ماردي المنطقة الولايات المتحدة وايران، باعتبار ان ايران هي المهدد الحقيقي والعدو الصناعي المراد وضعه قبالة الحماية الغربية لامارات الخليج !.

أمّا ما يخص الاردن ومصر فالحالة ايضا هي هي بالنسبة لداخلها الشعبي الممزق وخصوصا مصر التي بنت كل واقعها السياسي الجديد القديم بعد عملية السلام بينها وبين اسرائيل، ثم تطوّر هذه العملية لاقامة محور استراتيجي بين اسرائيل ومصر يفرض انسجاما في سياسة كلا البلدين ومن اهمها سياسة تقديم الخدمات في فترات الحروب والازمات المفتعلة في العالم وفي منطقتنا العربية والاسلامية ايضا، فأقامة علاقة ندّ لندّ بين الولايات المتحدة الراعي الكبير للنظام المصري اليوم والبارحة، وايران التي يعدّها هذا النظام لتاخذ دور العدو الاول لأمن مصر القومي، يسقط كذالك اخر ورقة مصرية داخلية يرفعها النظام المصري بوجه شعبه كلما طالب بالاصلاحات السياسية والحرية والكرامة وضرورة محاسبة الفاسدين من اركان السلطة، ومجرد شعور الشعب المصري ان العدو الذي يريد صناعته نظامهم لهم ( ايران ) قد تحول الى صديق فاعل للراعي المصري سيغري هذا الشعب بقوّة لمسآلة ومحاسبة نظامه عن القديم والجديد في سياسته التي فشلت في كل شيئ الا في استمراره بالقوة في السلطة !.

نعم هذه هي الاسباب والمبررات والمداخلات التي تجعل من فكرة التقاء ايراني اميركي على فرض وجوده والذي يبدو انه لم يزل بعيد التحقق كابوس يقضّ مضاجع دول الاعتدال العربي (مصر والاردن) بمجلس تعاونه الخليجي بقيادة المايسترو الاسرائيلي الذي هو حائر اليوم بين فكرة حزم الحقائب للرجوع الى الشتّات الاوربي والغربي مرّة ثانية، وفكرة الاستسلام للقدر القادم على رؤوس صواريخ ايران وحزب الله وحماس من جهة، وغضب وامتعاض وحقد الشعب العربي والاسلامي على اعمالهم الهمجية من جهة اخرى ؟!!!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com