|
دعوة المالكي .. وديمقراطية التوافقات
محمد الياسري أثارت دعوة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى العمل بالنظام الرئاسي بدلا من التوافقات السياسية الموجودة الآن على الساحة العراقية ردود أفعال متعددة بين مؤيد و معارض كل حسب رغباته ومصالحه وهمومه و تطلعاته. ان دعوة المالكي للنظام الرئاسي المنبثق عبر الشعب ربما جاءت في الوقت المناسب وقبيل التهيؤ للانتخابات البرلمانية المقبلة وبدء الحديث عن إعادة تشكيل التكتلات السياسية القائمة على التخندقات الاثنية والدينية والطائفية التي عانى منها العراق طيلة السنوات التي أعقبت سقوط النظام السابق الذي أقيم على أسس ديكتاتورية. دعوة المالكي جاءت مترافقة مع دعوة عبد العزيز الحكيم لإعادة تشكيل الائتلاف العراقي "الشيعي"، وقبلها تهيؤ التيار الصدري للدخول بقائمة متفردة للانتخابات. وقبل الخوض بدعوة المالكي و الآراء المنصبة حولها دعونا نقرب لقراء مفهومي الديمقراطية والديمقراطية التوافقية والتي تظهر الآن بصورة ما في العراق والى أي مدى يخدم أي من المفهومين لو طبق صحيحا المواطن العراقي. تشير الموسوعة الحرة" ويكبيديا" إلى أن تعريف الديمقراطية هو "الديمقراطية تفهمُ عادةً علَى أنّها تَعني الديمقراطية الليبرالية وهي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة وحماية حقوق الأقليّات والأفراد. وتحت هذا النظام أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد و العشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتَين والهند وأنحاء أخرَى. ويعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّة (كالصين التي تدعي الديمقراطية الاشتراكية). ويمكن استخدام مصطلح الديمقراطية بمعنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف مجتمع حر. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ككل على شكل أخلاقيات اجتماعية ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية وقانونية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم الديمقراطية الأساسية". أما مفهوم الديمقراطية التوافقية فهو كما يلي: "انبثق مفهوم الديمقراطية التوافقية، منذ عقود عدة، بعد ان تبلور وأصبح نموذجاً بديلاً من الديمقراطية التنافسية او الديمقراطية التمثيلية، التي عبرت عن اكتمال الشروط القانونية والسياسية في سياق تكون دول ومجتمعات موسومة بقدر كبير من التلاحم البشري والانصهار الاثني والاستقرار السياسي ومعززة بثقافة سياسية تكرس قواعد التنافس والتداول والتمثيل..لكن الديمقراطية التوافقية تكاد تختلف عن هذا التوصيف، اذ تولد وتنبع من شروط يطبعها الانقسام المجتمعي والتباينات الاثنية والعرقية والجهوية وضعف الوحدة الوطنية وصعوبة الاستقرار السياسي وعسر ديمومته وتواتر موجات العنف الاجتماعي، وترد في التاريخ الراهن نماذج للديمقراطية التوافقية، سواء في العالم المتقدم كحالات (سويسرا وبلجيكا والنمسا وهولندا) أو في بلدان العالم الثالث مثل (الكونغو وماليزيا ولبنان ورواندا)..وقد حدد المعنيون اربع خصائص للديمقراطية التوافقية، تقوم عليها الصيغة الكلية لهذا النوع من الممارسة السياسية، منها مايتعلق بتكوين (كارتل حكومي) او تحالف كبير يضم المكونات الرئيسة للمجتمع التعددي، ووجود مبدأ الاعتراض او (الفيتو) وفق نظام يتفق عليه بين الأطراف، النسبية سواء على صعيد المقاعد البرلمانية او أعضاء الحكومة او الوظائف المهمة في الحكومة، فضلاً عن مدى قدرة كل مكون من مكونات الديمقراطية التوافقية على ضبط امور مكونه وتمثيل هذا المكون على نحو جيد، وبهذا تضمن الديمقراطية التوافقية لكل مكون الاستقلال في إدارة شؤونه من دون تدخل عموم المكونات الأخرى المشتركة في عقد الديمقراطية التوافقية.((سيف الدين كاطع في مقاله المنشور بموقع أخبار الديمقراطية)). إذن وببساطة شديدة نرى حجم الفارق بين النوعين فالأول هو الحقيقي والذي لا يقبل الزيف و التزويق هو حكم الأكثرية أو الأغلبية والذي يتحدد عبر صناديق الاقتراع والثاني فهو اثني عرقي جهوي أو ما يسمى بالكارت الحكومي بكل سيئاته وهو ما يعيشه العراق اليوم. من هنا تبرز حاجة المجتمع العراقي إلى إعادة النظر بخطوات نفذت بعد عام 2003 وتقييم تلك المرحلة بكل معطياتها بغية تصحيح الواقع المر الذي يعيشه العراقيون جراء التخندقات السياسية الطائفية. لقد أوضحت نتائج انتخابات مجالس المحافظات الرغبات المكنونة للمواطن العراقي ومقته الكبير للطائفية فهو شعب واحد مهما قسا عبيه الدهر ومهما تعاقبت عليه أزمنة الاحتلال والمستفيدين منه والمترعرعين في أحضانه، العراقيون يسعون إلى دولة يسودها النظام والقانون تحكمها مبادئ الديمقراطية الحق تبادل المنافع بين الكارتل السياسي من زعماء وأعضاء الكيانات السياسية التي تمثل سوى مصالحها الشخصية. أن ما يريده العراقيون هو الحكم الديمقراطي الليبرالي القائم على تداول السلطة مع مراعاة حقوق وواجبات الأقليات وتحويل الدولة من نظام المحاصصة والاقتسام والشراكة إلى دولة المؤسسات والحقوق والواجبات. أن دعوة المالكي بتطبيق النظام الرئاسي التداولي يمكن عدها خطوة نحو تصحيح المسار الذي وضع العراق فيه عقب الغزو الأمريكي، وان كانت هذه الدعوة متأخرة _ ربما للسيد المالكي مبررات التأخير_ فأنها تعد خطوة لتأسيس مرحلة جديدة في حياة العراق مبنية على حكم الأكثرية واحترام آرائها بعيدة عن كل التخندقات الطائفية و الجهوية والعرقية . نتمنى على اللذين لازالوا يراهنون على الدين والطائفة والعرق في كسب أصوات الناخبين أن يعيدوا النظر بأفكارهم لأنهم لن يحصلوا على شيء عدا كره ومقت الشعب الذي بدأ يعي أن المرحلة القادمة هي مرحلته وانه هو من له الحق باختيار من يمثل طموحاته وتطلعاته لا من يستغل الغطاء الديني أو القومي أو العرقي بغية الإثراء على حساب طبقات الشعب المسحوقة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |