ثلاثة فيروسات أمريكية تفتك بالجسد العراقي

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com 

إنفلونزا الخنزير موضوع الساعة، لا يفوقه في الإهمية سوى الأزمة الاقتصادية، ولا يكاد يمر يوم أو بعض يوم حتى تظهر علينا إحصائية جديدة بعدد الإصابات والوفيات، ولا ينقضي اسبوع حتى تصدر الجهات الصحية تحذيرات وتنبؤات تشاؤمية تنذر بأوخم العواقب فيما لو تحولت العدوى إلى وباء واكتسب الفيروس قوة إضافية. 

أما العراقيون فهم لاهون عن الفيروس، لا لأنهم لا يدركون خطورته، أو لكونهم لا أباليين، أو بسبب نزعة انتحارية، وإنما من كثرة النوائب التي حلت بساحتهم حتى أصبحوا يستهينون بغيرها، ولا يقيمون وزناً للمزيد منها.

الأشد خطراً من إنفلونزا الخنازير والطيور وغيرها ثلاثة فيروسات تسللت إلى الجسد العراقي، فأضعفت مناعته، وأوهنت قواه، وبددت طاقاته، وسلبته الراحة في الليل والنهار، هذه الفيروسات الفتاكة منشؤها أمريكا، فهي التي صنعتها، وغذتها، ورعتها، وأفشتها في الجسد العراقي.

أول هذه الفيروسات الاحتلال الأمريكي، وهل يوجد فيروس أشد فتكاً من الاحتلال؟ فقد بادت أمم أو كادت بسببه، والتاريخ خير شاهد على ذلك، وكلما تذكرنا (ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا) تحشرجت في حناجرنا: هيهات منا الذلة،  وياويل من (ترهقهم ذلة)، ولقد اقتحم الاحتلال كل دار عراقية، فكان نصيبها منه القتل بأبشع الطرق أو انتهاك العرض أو الخطف أو هدم المنزل أو التشريد والتهجير، كما أرسى الاحتلال الطائفية، وغرسها خنجراً مسموماً في نظامنا السياسي وبنيتنا الاجتماعية وهيكلنا الاداري، وخرب البنى التحتية، وأباح الأموال العامة، ونشر الفساد والرشوة، واضعف الهمم، وقسم البلاد بعد تفريق النفوس، واوقع العداوة بين الطوائف والأعراق، وهل سمعتم بفيروس طفيلي يغادر من تلقاء نفسه؟ كلا بل هو باق بسفارته ذات السبع وعشرين عمارة، ومستقر في قواعده المنتشرة على طول وعرض العراق ومستوطن بفضل عملاءه المبثوثين في كافة مدننا وقرانا.

لضمان تدمير العراق بصورة كاملة استدرج الأمريكان فيروساً آخر، هو الإرهاب السلفي الوهابي، وكلنا نتذكر دعوة بوش للإرهابيين إلى المنازلة على أرض العراق، وهم وحلفاؤهم السعوديون صنعوا هذا الفيروس الشيطاني من قبل، وتعهدوه بالرعاية في الباكستان وأفغانستان، ووجهوه بطرق خفية، لتنفيذ مآربهم الخبيثة، وبالفعل فقد حل الفيروس الإرهابي الوهابي في الجسد العراقي  واحتضنته الجماعات الطائفية والعنصرية، فراح يمعن قتلاً واغتصاباً وتشريداً بالعراقيين الشيعة العزل، تنفيذاً لأوامر أسياده الأمريكان والسعوديين.

ظن البعض بأن الأمريكان أتوا لتخليص العراق من البعثيين، ونسوا أو تناسوا بأن الفيروس البعثي الخبيث صنيعة امريكا، فقد حملته في قطار أمريكي في 1963م، وساعده عملاؤها في تنفيذ إنقلاب 1968م، وسخرته في الماضي لخدمة مآربها، فأكمل ما بدأه عميلهم ملك الإردن، باغتيال بعض أبرز قادة المقاومة الفلسطينية، وساهم في تمويل وإسناد حلفاء أمريكا والصهاينة في الحرب اللبنانية الأهلية، ولولا أمريكا وحلفاؤها لما استطاع الاستمرار في عدوانه على جمهورية إيران الإسلامية ثمان سنين، ثم ورطته بإحتلال الكويت، وكان لها الشريك الصامت في الحصار الإقتصادي  ومن ثم الإحتلال، ولم يقاوم قادة البعث قوات الإحتلال لأنهم عملاء مأجورون لإمريكا، وقد قبضوا ثمن خيانتهم لبلدهم مقدماً، واكتفت أمريكا بمعاقبة رأس النظام الطاغوتي وحفنة من أعوانه، وبسطت حمايتها على بقية البعثيين، وضغطت على الحكومات العراقية المتخاذلة لإلغاء قانون إجتثاث البعث وإعادة البعثيين لمناصبهم العليا في الوزارات العراقية، فكان لها ما أرادت، وما أن استلم الرئيس الأمريكي الجديد حتى سارع لاطلاق التهديد والوعيد في حالة تلكؤ الحكومة العراقية في تنفيذ ما يسمى بالمصالحة الوطنية مع البعثيين، فالأمريكان يصرون على عودة البعثيين للحكم، أو على الأقل للمشاركة فيه، ليكملوا مهتمهم في تدمير العراق وحرمان أكثرية العراقيين من ممارسة حرياتهم وحقوقهم الدستورية في حكم البلاد وتوحيدها وإعادة إعمارها.

   قبل ان انتهي من كتابة هذا المقال ورد نبأ اكتشاف إصابات بإنفلونزا الخنازير بين الجنود الأمريكان في الكويت، فقلت لنفسي وهذا فيروس آخر سينقله الأمريكان للجسد العراقي العليل، كلنا نتمنى لو كان لدينا درهم وقاية من فيروسات البعث والإرهاب الوهابي والاحتلال الأمريكي، ولقد جربنا القناطير المقنطرة من الدواء بدون جدوى، ولم يبق للتخلص من هذه الفيروسات الفتاكة سوى آخر العلاج الكي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com