المحترم نامق جرجيس وعراق جديد وخطاب مسيحي قديم!

 

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

قرأت بأمعان ماكتبه الاخ المهندس نامق ناظم جرجس من العراق رادّا على مقالتي الموسومة (حوار صديقين حول الكاردينال دلّي والنجف الاشرف) والحقيقة انني لم استغرب من الوطنية العراقية المسيحية عندما قرأت ماكتبه السيد نامق وهو يحمل كل هذه العواطف الجياشة في حبّ الوطن ووحدته وسلامته !.

كما انني عندما أقرأ مثل هذه العواطف والمشاعر النبيلة الوطنية التي يحملها اي عراقي، فليصدقني القارئ الكريم اشعر بالسعادة واعادة الثقة بكل العراقيين الذي ربما يعتقد بعضنا انهم قد ضاعو في زحمة العالم العولمي الذي اول شيئ يرفضه بعالمه الجديد هو مبدأ الوطن والوطنية والمواطنة والدفاع عن مصالحها الجغرافية داخل مشاعرنا جميعا، فمثل هذه المشاعر ينظر لها هذا العالم العولمي الاقتصادي الجديد على اساس انها احد معوقات زحفه الاقتصادي العملاق في غزو الاسواق وضرورة فتحها على اي وجه، بدون الالتفات الى شيئ اسمه وطن ومصالحه ومشاعر ابنائه وحقهم في التمتع كيفما يرتأون بخيراته .... وهكذا !.

نعم عنونتُ مقالي هذا بمقولة: (( عراق جديد وخطاب مسيحي قديم )) لأقول شيئا شعرتُ به وانا اقرأ حماسة سيدي نامق ناظم جرجس وهو يدفع بقوّة مقالات واراء وردت في مقالي السابق ربما اعتبرها اتهامات صريحة للموقف الكردينالي المسيحي لوالدنا عمانوئيل دلّي، وكذا اتهامات للوطنية السياسية المسيحية العراقية عندما ذكرنا : ان هناك تيارات مسيحية تصرّح مرّة بالحكم الذاتي واخرى بالانفصال عن العراق .... الخ !.

والواقع ان نفس هذا الاسلوب في الدفاع عن الوطنية المسيحية ذكرني بالماضي الدكتاتوري الصدامي الطائفي والعنصري الذي كان ينظر للعراقيين على اساس انتماءاتهم المذهبية والعنصرية مثل الشيعة والكرد، ويتعامل معهم على اساس انهم متهمون بعدم الوطنية العراقية الى ان تثبت برائتهم، ولهذا كانت هناك ظاهرة اجتماعية ولم تزل جذورها الى هذا الوقت داخل الشعب العراقي تحاول التعبير عن وطنيتها بشكل مضخم ومبالغ فيه جدا لاقناع الدكتاتور وحاشيته بصدق ولاء الشعب العراقي لوطنهم !..

ومع ذالك لم يفلح العراقيون في اثبات ولائهم لوطنهم امام الدكتاتور المقبور صدام حسين حتى مع علو الصراخ بالوطنية، وكتابة الشعر فيها والمديح والقصائد، وفي بعض الاحيان تنفيذ جميع رغبات الدكتاتور من اجل فقط اثبات العراقيون ولائهم لوطنهم العزيز جدا، ومع هذا كانت نتائج الامتحان الرسوب والاكمال والاعدام !.

نعم سيدي المحترم نامق ناظم جرجس : انا وانت اليوم، المسيحيون والشيعة والكرد، السنة والصابئة والايزيدية، الفيلية والكلدان والاشوريين والسريان،.... الخ، كلنا في العراق الجديد ليس بحاجة للتعبير بقوّة عن مشاعرنا الوطنية العميقة بنوع من الافتعال والتضخيم لسبب بسيط جدا هو : ان معادلة الدكتاتورية السابقة التي كانت تنظر للشعب العراقي على اساس انه متهم بوطنيته حتى تثبت براءته قد تغيرت بالكامل لتحلّ محلها معادلة، جميع العراقيون ابرياء من تهمة عدم حبّ الوطن حتى يثبتّ العكس !!!!.

وبهذه المعادلة في العراق الديمقراطي الجديد لايسمح لاحد ان يدعيّ الوطنية العراقية على الاخر، الا اذا ثبت ان هناك خيانة وطنية للعراق في وحدته او سلامته او امنه او صيانة ثرواته، عندئذ من حقنا جميعا ان نطالب بمحاكمة الخونة لنحافظ على وطننا من شرّ الاشرار والخونة !.

هذه المقدمة ربما تشرح لنا جميعا معنى ( عراق جديد ) عراق فيه الناس سواسية امام القانون، لهم حقوق وعليهم واجبات، او عليهم واجبات ولهم حقوق لافرق بالنسبة للمواطن العراقي عن اخيه المواطن العراقي الاخر، وعلى هذا الاساس ندرك حقيقة :(( ضرورة ان التغيير في العراق لابد ان يتبعه التغيير في الانسان العراقي ايضا وعلى جميع الصعد الانسانية فيه ))!.

على صعيد خطاب الانسان والمواطن العراقي يجب ان يتغير خطابه السياسي ولايعتمد الاساليب القديمة لزمن الدكتاتورية في الدفاع عن وطنيته عندما يوجه له نقد سياسي، بل عليه في العصر الجديد ان لايفكر بموضوعة ولائه لوطنه على اساس القاعدة الجديدة التي تقول : كل مواطن عراقي غير مشكوك في وطنيته ابدا حتى تثبت تصرفاته العكس، عندئذ فليعلم جميع العراقيين ان الحديث في النقد السياسي الموجه لاحدنا سواء كان الكردينال دلّي او غيره، هو من باب الاختلاف في نمطية الاساليب السياسية التي ينبغي ان ينتهجها الكردينال دلّي للحفاظ على المصالح المسيحية العراقية السياسية داخل العراق لاغير !.

ومن هنا كان ولم يزل نقدنا لاي تحرك سياسي مسيحي او غيره من قبيل : بحث وسعي القوى الدينية المسيحية في العالم الخارجي عن اوراق قوّة او ضغط على الحكومة العراقية لتولية المسيحيين العراقيين اكثر من الاهتمام والحماية !!.

مثل هذا الاسلوب نختلف فيه مع الكاردينالية الدينية المسيحية والسياسية الوطنية المسيحية ايضا، لنقول لهم وبدون اي حرج باعتبار كلنا عراقيين : ان هذا الاسلوب في التحرك السياسي هو اسلوب فاشل ومضرّ بمصالح المسيحية الوطنية العراقية، وانه يساهم باضعاف الدور العراقي المسيحي اكثر فاكثر !.

كذالك ان قلنا : ان هناك في الوطنية المسيحية من يغرّد خارج سرب الوحدة الوطنية العراقية ليلعب بنار الحكم الذاتي اولا والانفصال ثانيا، فمثل هذا الطرح والخطاب السياسي مضاره كبيرة جدا على مصالح المسيحيين العراقيين داخل وطنهم الاصيل العراق، وعلى كل مكوّن عراقي اخر ينتهج هذا الاسلوب من الطرح السياسي كذالك بنفس الاعتبار وعلى نفس القاعدة !.

والى هنا نفهم المقطع الثاني من عنونتنا لمقالنا هذا، عندما قلنا :(( عراق جديد بخطاب مسيحي قديم )) فلايكفي في العهد العراقي الجديد ان تسطر قصائد المديح في حبّ المسيحيين لوطنهم العراق !.

كما ان العراق الجديد لايساس بخطابات الولاء الرنّانة اليوم، اذا لم يكن السلوك السياسي سلوك مفهوم وواقعي وسياسي يحفظ للمسيحيين العراقيين مصالحهم مع مصالح العراق الجديد على السوّية وبلا اولويات في الطرح والاسلوب وتوقع النتائج !.

أعني بصورة واضحة ياسيد نامق جرجيس : ان العراق الجديد لايمانع من ان اي طائفة او دين او قومية او مذهب ... ان يطالب باحترام حقوقه الطبيعية والانسانية الخاصة، مادام ان هذه الحقوق هي هي نفسها حقوق المواطنة والوطن العراقي والشعور تجاهه بالحب والاحترام والرغبة في العيش فيه وبنائه !.

وعليه مخطئ جدا مَن يعتقد ان مصداقية وطنية اي عراقي في العراق الجديد هي عندما يكفر بجميع خصوصياته الدينية والقومية والمذهبية والطائفية او الايلدوجية ايضا... ليبقى خاطبا فقط بوطنيته العراقية لاغير أمام العالمين وفي خطابه السياسي فقط كما لمسته من مقالة العزيز نامق !.

لا ليس هكذا هو العراق الجديد وليس هذا اسلوبه المختلف عما سبق !!!.

نعم بالتأكيد ان حبّ الوطن وتغليب الوطنية العراقية في خطابنا السياسي على جميع العناوين الخاصة الاخرى لمكونات الشعب العراقي شيئ فيه الكثير من الايجابية على المجموع لاسيما ان ارادت قوى خارجية كارهة للعراق ان تستغل موضوع التنوع في اضعاف العراق والنيل من وحدة نسيجه الاجتماعي فعندئذ كلنا فقط عراقيون فحسب !.

لكنّ لايكون الخطاب الوطني في حياة التمدن السياسية العراقية الطبيعي على حساب الخصوصية العراقية التي تشكلت وقامت منذ الاف السنين على اساس اننا شعب مختلف ومتلّون ومتعدد الاعراق والطوائف والاديان والقوميات، فمثل هذا المنطق الذي يحاول ابراز الوطنية على اساس انها دكتاتور حاكم بقمع كل ماهو مختلف عنه، مثل هذا المنطق والسياسة هي ادوات طغيانية دكتاتورية لاغير يستغلها الطغاة كوسيلة لقمع الاخر واقصائه عن العمل العام والتفرد بموارد ومصادر وثروات الوطن باسم وتحت بند الوطني والخائن للوطن هذا !.

الخلاصة : سيدي المحترم نامق ناظم جرجيس، ان العمل المسيحي الوطني العراقي سياسيا غير مقنع للضمير الوطني العراقي الاخر، وانه لم يزل يراوح في مكانه وتحت مسميات ليس براغماتية واقعية سياسية بامكانها ان تحافظ لنا كعراقيين على استمرارية هذا المكون وبقائه في الوطن، وعلى هذا انا من العراقيين الغير مرحبين بكتابة المقالات التي تشيد بحب الوطن لاغير، وعلى المسيحيين ان يضعوا اجندة سياسية توضح للاخر العراقي ماذا يريدون وماهي مطالبهم السياسية ؟، وما الذي بامكان المسيحيين العراقيين ان يقدموه للعراق الجديد ؟، وما الذي قدموه لهذا العراق الجديد حتى هذه اللحظة ؟

مضافا لذالك على المسيحية العراقية ان تبحث عن تحالفات سياسية جديدة لاتنحصر بشمال العراق ولتزحف الى جنوبه لتؤكد شعاراتها المطالبة بوحدة العراق، ولتنفتح دينيا وسياسيا على العراق الجديد، واذا امكن قطع صلتها بخارج العراق دينيا وسياسيا، وان لم يمكن ذالك فلابأس، فالمهم القول جدا : ان على المسيحية العراقية ان تتحرك بوضح النهار وبفاعلية وبصوت واضح تطالب بحقوقها السياسية والدينية، ولتعلن ماقدمته للعراق الجديد وكفى !.

وبمثل هذه الاجندة عندئذ لسنا بحاجة لكتابة مقالات حوار صديقين يتهامسون بالنقد لتصرفات دلّي الكاردينال، وسوف لن نكون بحاجة للردّ على المتهامسين بأن همسهم فيه تخوين للوطنية المسيحية والسلام من يسوع المسيح علينا وعليكم وعلى جميع العراقيين أمين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com