فتنة مابعد الايمان في حكم الاسلاميين

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

بسمه تعالى :

( آلم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لايفتنون )

صدق الله العلي العظيم

********************

هل ايمان الانسان وشدّته حصانة له من الانزلاق في فتن الحياة الدنيا ؟.

أم ان الايمان وشدّته وعظمهِ ليس له علاقة تدافع مع مفهوم الفتنة والبلاء والامتحان والاختبار في هذه الدنيا ؟.

بمعنى آخر : هل عندما يكون الانسان في قمة الايمان والصدق مع المعتقد هو في منأى عن الانتكاسة والكفر والانحدار وحتى الفساد الاخلاقي في مرحلة من مراحل حياته الانسانية ؟.

أم ان معادلة الايمان كلما كانت اكبر واعظم ومسؤولياتها اضخم، كلما كان خطر الفتنة اشدّ وطرق الضلالة اوسع ومشارع الانزلاق بالتهالك على حبّ الدنيا متوقع ؟.

في عرف وفكر العامة من الناس وخصوصا اؤلئك الذين ليس لهم حظٌّ من الفهم القرءاني الراقي رؤية مفادها : ان الانسان كلما كان عظيم الايمان وكبير التقوى وطويل الزمن مع ممارسة الجهاد في سبيل الله سبحانه ....الخ، كلما كان هذا الايمان له حافظا من الانزلاق في متاهات الفتن، وكان له هذا الايمان حافظا من الشيطان ان يقترب منه، وكان له هذا الايمان والجهاد الطويل والتقوى المتضخمة حصن حصين من ان يدخل له حبّ الدنيا ليفسد عليه دنياه واخرته !.

ولهذا وجدنا الكثير من الناس ان سمعوا ان متدّينا او مؤمنا افنى حياته في التقوى والعبادة وكذا الايمان المستقيم مع الله سبحانه والاستعداد في بذل الحياة من اجل المبادئ الاخلاقية العالية والسامية، قد اجتالته الدنيا بغرورها في اخر لحظة من حياته أواستولى عليه الشيطان بكامله، لايكادون يصدّقون مثل هذه الاخبار العجيبة والغريبة التي تنقل صورة الانسان المؤمن من جنّة الايمان والتقوى الى رتوع الشيطان والرذيلة !.

والحقيقة ربما كان للناس البسطاء الحق في الذهول من سماع اخبار تنقل عن الانسان المؤمن وكيفية انحداره الى الدرك الاسفل من الرذيلة في ليلة وضحاها، وهذا من منطلق ان هناك فكرة :(( الايمان الذي يجب ان يحفظ صاحبه دائما من غواية الشيطان )) هي المسيطرة تماما على ادمغة ومشاعر الكثير الكثير من الناس والعالم، ومن هنا رأينا كيف ان هذه الفكرة مع انها فكرة ليست بالصحيحة والدقيقة والاسلامية والقرءانية الصافية، الا انها مع ذالك هي فكرة خطرة عندما تسيطر على مقاييس المجتمع ومضلة لافكارهم ومشاعرهم وكذا احاسيسهم وادراكهم للحقائق الاسلامية الشريفة !.

نعم في العرف والثقافة الاسلامية القرءانية التي اسس لها الدين الحنيف وبنى على اسسها قيامة مجتمعه الواعي كانت من اهم الحقائق الذي وضحّها القرءان الكريم للمؤمنين به هي فكرة :(( تهديم اسطورة ربط ايمان الفرد بحصانته من الانزلاق بالفتن او التعرض للبلاء والامتحانات الطبيعية في هذه الحياة الدنيا )) وهذا من منطلق فصل الثقافة الاسلامية بين مفهوم تقوى وايمان الانسان من جهة، وكون ان الفتنة دائما هي قادمة بعد الايمان وليس امامه !.

بمعنى اخر اكثر وضوحا : ان الثقافة القرءانية وكذا الرؤية الاسلامية هي في الحقيقة بالنقيض لما يحمله عامة الناس المسلمين اليوم من فكرة ( ايمان ) الانسان وعظم تقواه وجهاده وتضحياته الكبيرة، في حيز سؤال : هل ان هذا الايمان العظيم والجهاد الطويل هو حصانة الاهية لاي انسان من الوقوع في الخطيئة والجريمة في قادم الايام ؟.

أم انه بالعكس من ذالك، وانه كلما كان الانسان عظيم الايمان خطر التاريخ النضالي والجهادي في سبيل الله كلما كان هو الاوفر نصيبا من بلاءات الفتن وخطرية الانزلاق في المحن والانقياد الى مفاتن الدنيا وغرورها وملاعيب الشيطان وفنونه ؟.

الرؤية القرءانية تأخذ الجانب الاخر من معادلة : لاحصانة لاي انسان من انزلاقه في الفتنة وخلوده الى الرذيلة والدنيا حتى وان كان بمنزلة الانبياء العظام والاولياء الكرام والائمة الافذاذ بله ان كانوا من عامة الناس وبسطائهم !.

وعلى هذا ورد في الحديث الشريف :(( اعظم الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل )) وهذا البلاء وكذا الامتحان وهو هو نفسه مسمى (الفتنة) في كثير من الاحيان الذي يداهم الانبياء بقوة اكبر بكثير من عامة الناس يدلل على انه بلاء في جميع الجهات في هذه الحياة الدنيا وبما فيه بلاء تعرض الدنيا بمفاتنها للانبياء العظام وارادة الشيطان النفوذ الى دواخلهم الطاهرة للاستيلاء عليها، ولكن وبما ان الانبياء اناس يدركون : ان الفتنة هي دائما تكون اعظم بعد الايمان والنبوة وليس قبلها، فهم دائما ينتصرون على الشيطان وعلى النفس وعلى العالم في نهاية المطاف !.

وهذا طبعا بعكس من يؤمن من بسطاء البشر : ان الفتنة تكون دائما قبل الايمان، واذا ما ترسخ الايمان وازداد داخل الانسان فانه سيحفظه حتما من مضلات الفتن ...، ومثل هذه الفكرة هي الاساس في غفلة الكثير الكثير من الناس عن جوهر الفكرة القرءانية وصافي الثقافة الاسلامية التي تنبه دائما على ضرورة اعتماد فكرة : فتنة ماقبل الايمان وفتنة مابعده ايضا !.

نعم في بداية الطريق الى الله يجاهد الانسان نفسه لينتصر عليها وعلى جميع الفتن التي تناسب بداية هذا الطريق، وفي بداية النضال من اجل حكم الاسلام في الحياة ايضا يخاطر الانسان بحياته ودمه من اجل هذا الطريق وربما ينتصر ايضا على جميع الفتن والشياطين التي تناسب منتصف هذا الطريق، ولكن لايغفل الانسان ابدا ان هناك بداية لطريق اخر محفوف باشواك الفتن والكوارث والنكسات وغواية الشياطين سوف يبداّ بعد ان ينتصر الانسان على نفسه وعلى محيطه الذي يقيده ويظلمه ويصادر من رغباته وايمانه، الا وهو طريق مابعد الانتصار عندما يحكم الايمان وعندها تكون فتنة الانتصار والحكم واليد العليا اعظم خطرا واشدّ وطأة واقوم قيلا، وعند هذا الطريق يعرف المؤمن بعد الفتنة العظيمة وليس قبلها بطيبيعة الحال !.

يروى ان علي بن ابي طالب عليه السلام كان منشغلا بتجهيز الرسول بعد وفاته للاستعداد لنقله لمثواه الاخير، واذا طارق بالباب يطرقه ليخبر عليّ ع ان القوم انتهوا من امر خلافة الرسول بلا حتى رجوع لراي اهل البيت والنبوة !.

فاطرق علي بن ابي طالب الى الارض متأملا ثم رفع راسه ليقرأ قوله سبحانه وتعالى :(( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون )) !.

علي بن ابي طالب تلميذ الاسلام واستاذ القرءان كان يرى : ان فتنة مابعد الايمان هي اكثر خطرا من فتنة ماقبله على المسلمين جميعا، فالمسلمون الاولون والسابقون السابقون الذي من المفروض ان يكونوا هم المقربين، لم تنتصر عليهم فتنة التضحيات والالام والعذابات والجهاد وهذا الطريق الطويل الذي اجتازوه بنجاح وتفوّق ؟!.

الا ان فتنة الحكم كانت هي القاصمة لظهورهم ففشلوا في امتحان وبلاء وفتنة الحكم بجدارة، ولهذا قال : هل اعتقد الناس انهم عندما يقولوا انهم مؤمنون انتهى الطريق واصبح الايمان حصانة لهم من الانزلاق في الفتن ؟.

كلاّ قد اخطأ القوم تماما فالفتنة تتحرك بعد الايمان والقول والحكم والتمكين، وليس قبل ذالك ابدا !.

ابو محمد صديقي الطيّب ايضا كان يعتقد : ان الايمان والزبيبة السوداء والسبحة والتاريخ الطويل من الصلاة كافيا لحصانة الانسان من الانزلاق في الجريمة والرذيلة في هذه الحياة الدنيا، لاسيما بعد اجتياز مرحلة ذات الشوكة في طريق الجهاد والوصول الى الغنيمة والحكم !.

قلت : ياصديقي ياابا محمد أعلم ان معظم الناس الذي تكّفر الشيعة بسبب انتقادهم لبعض سلوكيات صحابة الرسول الاعظم محمد ص بعد الفتنة، كان سبب هذه النقمة على الشيعة هي فكرة : هل من المعقول ان يتغير الانسان الصحابي الجليل بعد كل هذا الجهاد الطويل مع رسول الله ص وفي ليلة وضحاها من اجل الحكم ؟.

ان هذه الفكرة هي نفس الفكرة التي تؤمن بها انت وغيرك عندما تنطلق من كون :(( الايمان حصانه للانسان من الفتنة )) وكان المفترض بي وبك ان نعتقد :(( ان الايمان لم ولن يكون في يوم من الايام هو الحصانة من الفتنة )) بل انه كلما كان كبيرا وعظيما كلما كانت الفتنة بعده اخطر واعظم، ألم تقرأ قوله سبحانه: (أحسب الناس ان يقولوا امنا وهم لايفتنون) ففي هذا النص ردٌّ قوي على فكرة ان يكون الايمان هو الحصانة وان لايمكن ورود الفتنة المهلكة على الانسان المؤمن بعد ايمانه، ولنا بعد ذالك بصحابة الرسول محمد ص اسوة، وكيف ان بعضهم امسى مؤمنا واصبح كافرا والبعض الاخر اصبح كافرا وامسى مؤمنا حسب الحديث الشريف للرسول الاعظم محمد ص !.

بل كلما كان الايمان كبيرا كانت الفتنة عظيمة، ولاتتوقع ان المجاهدين من الحركة الاسلامية، والمؤمنين من التيار الاسلامي العراقي انهم بمنأى عن الامتحان والاختبار والفتنة بعد الحكم، كما كانت قبل الحكم في العراق، بل ربما سنسمع ونرى ان اناسا كانوا يحملون ارواحهم على كفوفهم ايام الطاغية، لكنهم ومع الاسف يسقطون في فتنة سرقة ربع دينار من اموال الدولة والمجتمع والمسلمين !.

الخلاصة : لاينبغي على كل مسلم ان ينسى ان فتنة الاسلاميين المؤمنين بعد الحكم هي الاكبر وهي الاخطر على ايمانهم وعلى تاريخهم وعلى كل مابنوه في السابق، كما ان على المجتمع ان يزيد من يقظته وحذره من المؤمنين في طريق الحكم اكثر من يقظتهم قبله ليعينوا المؤمن على الحفاظ على ايمانه وتوقي الوقوع في الجريمة فيهلك نفسه ويهلك الاخرين معه!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com