|
رجال حول الزعيم .. فاضل عباس المهداوي .. (2)
ولد الشهيد في بغداد سنة 1915 في أسرة ميسورة استطاعت أن توفر له الظروف ليكون شيئا في المستقبل، وكان من المتفوقين في دراسته وأهله معدله للقبول في الجامعة إلا أنه فضل الكلية العسكرية لما في العسكرية من بريق يغري الشباب بالدخول إليها وما يتمتع به ضباط تلك الأيام من امتيازات واحترام بين الأوساط الشعبية وقد تخرج من الكلية العسكرية سنة 1939 ليتقلب في المناصب العسكرية المختلفة فأصبح آمر فصيل في الفوج الثاني لواء بغداد الأول، وشارك في حركة مايس 1941 وحرب فلسطين عام 1948، وكان يرتبط بعلاقة خاصة بالزعيم عبد الكريم قاسم لوجود علاقة قربى بينهم فهو أبن خالته ولتقارب توجهاتهم السياسية ،ووحدة توجهاتهم الاجتماعية بما عرف عنهم من نزاهة ونكران ذات وروح سمحة تنظر للطبقات الفقيرة نظرة إنسانية لم تكن مألوفة لدى الضباط الآخرين المنحدرين من أرومات تركية وقبلية معروفة بكبريائها واستعلائها على الجنود لذلك كانت لهم شعبيتهم بين الجنود بما عرف عنهم من روح سمحة ورأفة ومعاملة جيدة لمن هم أدنى رتبة منهم ،لذلك سرعان ما أصبحت له اهتماماته السياسية وقربه من الجماهير الشعبية لأنه ولد في أحيائها وعاش حياتها بعكس الطبقات الثرية التي كانت لها حياتها الخاصة البعيدة عن هموم الجماهير ونظرتهم الاستعلائية للطبقات الشعبية الكبيرة فكان له اتصاله بالحركات الشعبية التي تأخذ في أخلاقياتها وبرامجها السياسية مصالح الطبقات الشعبية المعدمة وهذا القرب الجماهيري جعله ينهمك بالعمل السياسي فأنتمي لتنظيمات الضباط الأحرار مع من هم قريبين منه في التوجهات والميول وأرتبط بعلاقات حميمة بالكثير من الضباط من حملة الفكر اليساري الوطني وأسهم بواجبه الوطني عند انبثاق الثورة، وقد ذكرت أبنته نضال في لقاء معها" لقد تفتحت ذاكرتي على والدي وهو ضابط في معسكر المسيب وكان ودوداً له أصدقاء من الضباط ووجهاء المدينة وكثيراً ما كانوا يأتون لزيارته في البيت المطل على النهر والذي كان كثيراً ما يجلس في حديقته منفرداً يقرأ كتاباً أو يتأمل النهر أو يستمع إلى الموسيقى بواسطة المذياع. وكان يحثني على القراءة ويقول: (القراءة مفتاح العقل) وبهذا أسس بداخلي حب القراءة بنهم والاطلاع على كل ما يزيد من معرفتي.. تستطرد السيدة (نضال المهداوي) قائلة: (عبد الكريم قاسم) وهو ابن خالة والدي كثيراً ما كان يتصل بوالدي عندما كنا نسكن المسيب ويذهب والدي لزيارته في بغداد وعندما كانا يلتقيان يجلسان لوحدهما ويتحدثان في أمور تخص العراق هكذا كان يقول والدي. وفي الأيام التي سبقت ثورة 14 تموز كان كثير من الضباط يترددون علينا وفي صبيحة ذلك اليوم طرق الباب بشدة فنهض والدي الذي كان يجلس في الحديقة ولم ينم ليله ثم عاد مسرعاً ليرتدي ملابسه العسكرية ومعه حقيبة فيها ملابس وقال لوالدتي (إنني ذاهب لقيام بعمل مع الزعيم قد أعود أو لا أعود) فلا تقلقي علي وغادر في سيارة عسكرية. بعدها سمعنا من جارنا إن الثورة قد تحققت وان قائد الثورة هو الزعيم عبد الكريم قاسم. كانت أيام عصيبة علينا، وكنا نتابع من خلال المذياع تفاصيل وإخبار الثورة حتى جاء والدي وقد تغير لون بشرته وبدا متعباً وطلب من والدتي أن تجهز له ملابس أخرى وذهب ليغتسل. وفي هذه الأثناء سمعنا صوت طرق على الباب، وعندما خرجت وجدت كثيراً من الناس على باب دارنا يرفعون صورة الزعيم عبد الكريم قاسم ويهتفون باسمه وبعد انتقالنا إلى بيت جدي في الكرادة بدأت حياة أخرى وكان الزعيم يتردد علينا بين فترة وأخرى ويتناول معنا (الغداء) كان يختلف مع والدي أحيانا ويتفق أحيانا يدخلون في نقاشات بشأن بعض الأمور ووالدي كان يقترح أن يستعمل الزعيم الحزم في بعض المواقف لان الأعداء كثيرون ويجب أن نحافظ على الثورة ونحميها، هكذا كان يقول والدي للزعيم وكان رده (بان الثورة يحميها الشعب وكل الفقراء) لأنها من اجلهم فلا نخش شيئاً. ولا أنسى انه عند كل زيارة لنا كان يشجعني على أن أكمل دراستي وأكون متميزة (لأنه رجل يؤمن بان المرأة والفتاة أساس في بناء المجتمع) وقد كان يداعبني ويناقشني في أمور شتى أهمها المدرسية وكان عطوفاً على كل من يلتقي وكنت معجبة جداً بشخصيته وأناقته الملفتة ببساطة، وأيضا لا يمكنني أن أنسى تلك (العيدية) وهو يوزعها علينا عند زيارته لنا في البيت حتى لم يبق في جيبه سوى دينار واحد.كان رجلاً يحمل صفات (استثنائية) بقدر ما هو مرهف وبسيط ولا يحتمل نظرة فقيرة رغم انه كان عسكرياً من الدرجة الأولى وصارماً.عندما تنتهي زيارته ألينا كانت تنتظره جموع كثيرة من الناس ويقدمون له مظالمهم ولا يتوانى في إعطائهم الوعود بتنفيذها و كان صادقاً في ذلك.أما بعد عملية الاغتيال التي تعرض لها (الزعيم) حدث خلاف بينه وبين والدي وكان والدي حينها في زيارة للصين فعاد مسرعاً وذهب لزيارته في المستشفى والاطمئنان عليه فكان أن خاطبه (الزعيم) (كنت متأكداً بأنك ستكون بجانبي) ". وأصبح آمر للواء الأول في الجيش العراقي بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة،وعندما قررت الثورة محاكمة المجرمين من أزلام النظام البائد ممن تلطخت أيديهم بدماء الشعب وجروا العراق للأحلاف الاستعمارية ،رأت حكومة الثورة أيكال رئاسة المحكمة العسكرية العليا الخاصة إلى العقيد فاضل عباس المهداوي التي سميت حينها محكمة الشعب وأطلق عليها محكمة المهداوي من قبل القوى المعادية للثورة في محاولة للغض من شأنها والتقليل من رئيسها.وقد تشكلت المحكمة من العقيد فاضل عباس المهداوي رئيساً و عضوية كل من العقيد فتاح سعيد الشالي والمقدم شاكر محمود السلام والمقدم حسين خضر الدوري والرئيس الأول إبراهيم عباس اللامي ومثل الإدعاء العام فيها العقيد الركن ماجد محمد أمين . وكانت المحاكمة علنية نقلت إلى الجماهير عبر شاشات التلفزيون، وعلنيتها هذه جعلتها أشهر محكمة في التاريخ الحديث وكانت محط اعتبار دول العالم التي كانت وفودها تزور المحكمة وتلتقي بكادرها،وفضحت الكثير من العملاء فكانت الأبواق المأجورة تحاول تشويه صورتها بما تبث من دعايات مضللة للغض من شأنها والتقليل من قانونيتها،بما تمتلك تلك القوى من وسائل أعلام مؤثرة،ورغم تجاوزات بعض المتهمين من مدعي الفكر القومي وتهجمهم عليها ،إلا أنهم نالوا جزائهم على أيدي أخوانهم في الفكر القومي،وقضى العديد من الذين وقفوا في قفص الاتهام بيد شريكهم المجهول آنذاك صدام حسين التكريتي. فعندما سأل المهداوي سمير نجم، القيادي البعثي اللاحق، (شنو) صدام حسين؟ وهو المتهم الغائب قال: «صدام حسين اشترك معنا في التدريب في منطقة الحصوة، وهو في الخطة الأولى، بعدئذ جاءت الخطة الثانية، وأيضا حضر الاجتماع في بيت سليم عيسى الزيبق، حضر الاجتماعين، ولما أخذنا نداوم بالشقة من السبت إلى يوم الأربعاء، هو أيضاً كان حاضرا (هكذا وردت في محاضر المحاكمة). بعدئذ نزل معنا ورمى، وأصيب في رجله، وبعد ذلك لم أره" كان صدام حسين، آنذاك، مجرد رقم، لم يذكره المتهمون ولا الشهود كثيراً، ولا بما يناسب مشاهد الفيلم "أيام طويلة"عن حياته. وحتى لا نوغل بتهمة صدام حسين بالطائفية أو التعصب القومي، وهو بريء منهما، نقول إن كاتب قصة ذلك الفيلم هو النجفي عبد الأمير المعله، وأن عبد الكريم الشيخلي، زميله في عملية الاغتيال، ثم وزير خارجية البعث، فيما بعد، كان كردياً. أقول هذا حتى لا ينزل الوهم إلى القلوب والضمائر، ويحسب كل قومي عربي وكل سُنَّي أنه صدام حسين، بل هو لم يترك لقومي ولا لسُنَّي حياة إذا ما شم رائحة عدم ولاء، أو ازدراء بماضيه. صدام حسين كان قومياً وطائفياً لذاته لا لقومية أودين"و"بعد أن أُلقي القبض على سمير عبد العزيز النجم في حادث محاولة اغتيال عبدا لكريم قاسم وكان مصابا بجروح في أماكن متعددة من جسمه وأعترف أمام محكمة الشعب برئاسة فاضل عباس المهداوي بأن جميع الإصابات التي أصابته وأودت بحياة عبد الوهاب الغريري "أحد مجموعة الاغتيال" كانت من بنادق مجموعته وأكثرها من بندقية صاحبه صدام حسين الذي ترك واجبه كحماية للمجموعة وأخذ يرمي بلا هدف ثم ولَّى هاربا يطارده شرطي مرور مطلقا عليه النار هو موليا الأدبار بعد إصابته في رجله اليمنى وبعد أن اعترف صدام بكل شيء حتى على الطبيب الذي عالجه وكل ما يمت للتنظيم بصلة".
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |